مراجعةُ روايَةِ
كتاب >>>> روايات ومقالات
ولكنْ؛ هل من رجلٌ مِسكين؟
نعم؛ في هذِهِ الرّوايةِ صوّرَه لنا "يوسا" أجملَ تصوير، وقدَّمه فِي صيغةٍ عاطفيَّةٍ جماليَّةٍ مليئَةٍ بالحُبِّ الّذي بدأَ منذُ تبرعُمِ المُراهَقة ولم ينتهِ حتَّى بلغَ مِنهُ الكبرُ عتيّاً.
روايةٌ رومانسيةٌ ليست شبيهةً بجميعِ الرواياتِ الرُّومانسيَّة، هُنا الحبُّ الأبديُّ مِن طرفٍ واحد؛ بينما الطَّرفُ الآخرُ غارقٌ حدَّ الأذنَين، بَل أكثرُ من ذلك؛ غارقٌ فِي الرَّذيلَة المُختَارةِ بعناية، والمُنتَقاةِ بدقَّةٍ شديدَةٍ بهدف التَّمسُّكِ بغدٍ مُشرق، ولكنَّ هَذا الغدَ المشرقَ نفسه قد غلَّفَ تِلكَ الطِّفلَةَ الخبيثَةَ بدعارةٍ مِن المُمكنِ أنْ نُطلِقَ عليهَا الدعارةُ القُحَّة الفاشِلَة؛ قُحَّةٌ بسبب استخدَامهَا كلَّ وسائلِ الدَّعارةِ المُمكِنَة مِن أجلِ نيلِ الثَّروَةِ والمجدِ مِنْ رجالٍ كبارٍ ومتسلِّطِين، وفاشلةٌ لأنها لم تجنِ ثروةً ولا مجداً، بل كانت نتائجُها وخيمةً جدّاً على طفلتِنَا الخبيثةِ على الصَّعيدينِ النفسيّ والجسديّ.
وأمَّا بطلُنا "ريكارديتو" فمِن وِجهَةِ نظرِي كرجل؛ لمْ أرَ فِي حَياتِي -إلى اليومِ- رجلًا مثلَه؛ لا أعلم، ربّما نجدُ أمثالَهُ علَى قيدِ الحياةِ؛ أولئِكَ الذينَ يحتَفِظُون بذلِك الحبّ المجنُون.
ولكنَّ بطلَنا لم يكنْ عاشقًا مجنونًا فحسب؛ بل اتّصف أيضًا بصفةٍ أقربُ ما تكونُ إلى البلاهَة، وهو مثالٌ واضحٌ عنِ الأدبيَّات التي تصفُ أحدهم بأنّه عاشقٌ حدَّ البلاهة، وبلاهته لم تكنْ عشقًا بقدر ما كانت نتيجةً لما جرَّه عليهِ هذا الحبُّ الغبيّ من مشاكلَ وتغييرِ مجرى حياةٍ بالكامل -في بعض الأحيان- لمجرّد سماعهِ كلمةً واحدةً فقط، أليست بلاهةً أن ينتظِر تلكَ الكلمَة من عاهِرة، وأيَّةُ عاهِرَة؟! طفلتُنا الخبيثةُ المشيطنة !!
ولنعودَ إلى "يوسا"؛ إذْ إنني في كلِّ مرةٍ أقرأُ فيهَا لهُ؛ يبهرُنِي أسلوبُه؛ أسلوبٌ لاتينيٌّ، وعلى الرَّغمِ من صعوبتِهِ لكنّه يُمسُك بِكَ تمامًا، وهَذا مَا حدثَ لِي سابقًا أثناء مطالعة رواياتِه؛ حربُ نهايةِ العالم ومديحُ الخالة، إذ تكون مواضيعُه دائماً غريبةً مثيرةً مليئةً بالأحداثِ والأسماءِ اللاتينيَّةِ الصَّعبَة، ومع ذلك؛ يظلُّ ممسكًا بِي كقارئ.
وكعادته طبعا؛ يأبَى "يوسا" إلّا أن يلقيَ الضوءَ علَى بلادهِ البيرو والوضعِ السياسيِّ فيهَا فِي كلِّ حقبةٍ مِن حقبِها، وهو الوضعُ الّذي عرَضهُ لنا في روايتهِ هذه؛ تقلُّباتٌ سياسيَّةٌ بينَ الدّيمُقراطيَّة والدّيكتاتوريَّةِ الّتي تعرَّضَت لها البيرُو في ستِّينيَّات وسبعينيَّات وثمانينيَّات القرنِ الماضِي.
روايةٌ تُقرأُ بجدارةٍ، وهيَ منَ الرِّواياتِ اللاتينيَّة الّتي أمتعتنِي جدّاً.
====================
معلومات الرواية:
العنوان: شيطنات الطفلة الخبيثة
المؤلف: ماريو فارغاس يوسا
المترجم: صالح علماني
طباعة: دار المدى
عدد الصفحات: 400