تحطيمُ الرَّقَمِ القِياسيِّ لعددِ الجُسيماتِ المُتشابكةِ كموميًّا
الفيزياء والفلك >>>> فيزياء
كُسِرَ الرّقم القياسيّ في التّشابك الكموميِّ لأعلى عددٍ ممكنٍ من الكيوبتّات أخيرًا! المصادر: 1 - هنا 2 - هنا روابطٌ من مقالاتنا: 1 - هنا 2 - هنا 3 - هنا 4 - هنا 5 - هنا 6 - هنا
(يمكن أن يُحدث هذا الاختراق ثورةً في مستقبلِ الحوسَبةِ الكموميّةِ)
سواءٌ أكنُت ضليعًا بفيزياء الكمّ أم لا، فغالبًا قد سمِعتَ بالحواسيبِ ذاتِ المُعالِجات "الكمومية"، تلك التي أحدثَت ثورةً غير مسبوقةٍ في تسريعِ كفاءةِ الكمبيوتراتِ وتحسينِها وجعلِها أكثرَ ذكاءً عن مثيلاتِها التقليديَّةِ، الأمرُ الذي تَدعَّمَ حديثًا بتحطيم مجموعةٍ من علماءِ الفيزياء الكموميةِ من ألمانيا والنمسا الرقمَ القياسيَّ في "تشابكِ" أكبرِ عددٍ مُسجَّلٍ من الكيوبتات (Qubits)، وقام بهذا الإنجازِ غير المسبوق مجموعةٌ من علماءِ معهدِ البصريَّاتِ الكموميَّةِ ومعلوماتِ الكمِّ (IQOQI) في أكاديميةِ العلومِ النِّمساوية، باستخدامِهم نظامًا قياسيًّا يحتوي على 20 كيوبت (بِتْ كمومي)، وهو أكبرُ سجلٍّ كمّيٍ متشابكٍ للنُّظُم التي يُمكِن التحكم فيها فرديًّا في التاريخ.
ما هو التَّشابكُ الكموميُّ؟
التشابكُ الكموميُّ؛ هو ارتباطُ جسيمَيْنِ بعضِهما مع بعض؛ إذ إنَّ كلَّ تغيُّرٍ يطرأُ على أحدِهما سيؤدّي إلى تغيّرٍ شبيهٍ في الجسيم الآخر آنيًّا. فإذا كانَ لدينا فوتونانِ متشابِكانِ كموميًّا فإنّه بحصولَ أحدِهما على جهةِ دورانٍ ما يحصلُ الآخرُ مباشرةً - آنياً - على جهةٍ دورانٍ معاكسةٍ (وهو ما يُدعَى اللفُّ الذّاتيُّ)، وهذا ما يَسمحُ للعلماءِ بِمعرفةِ قِيمةِ الـ qubit دونَ النَّظر إليه مباشرةً.
و قبل الحديث عن هذا الإنجاز؛ وَجبَ التفريقُ بينَ وحدةِ التَّخزينِ المعلوماتيَّة المعروفةِ: البتّ (bit) والتي تستعملُها حواسيبُ اليوم، والكيوبت التي تستخدمها الحواسيب الكموميَّة، إذ إنَّ الأولى تَعملُ عن طريقِ التَّلاعُبِ بالبتّات (Bits) التي تكون في إحدى الحالَتيْن: إمَّا 0 وإمّا 1، في حين لا تُحدَّدُ الأخيرةُ (الحواسيب الكمومية) بحالتَينِ فقط، فهي تُشفِّر المعلوماتِ وِفقَ بتّاتٍ كموميَّةٍ Quantum Bits أو اختصارًا (Qubits) مصطفّةً و خاضِعةً لوضع التراكُب (Superposition)، لأنَّ الحاسوب الكميّ يُمكنه أن يَتعاملَ مع عدَّةِ حالاتٍ على نحوٍ مُتزامِنٍ، فيُمكن أن يكون الكيوبت 0 و 1 في الوقتِ ذاتِهِ، وذلك بفضل فكرة التَّراكُب التي ذَكرناها سابقًا: الفرضيةِ القائلةِ بأنَّ الشيءَ الكموميَّ يُمكن أن يوجدَ في حالاتٍ متعددةٍ في وقتٍ واحدٍ على الأقلَّ إلى حينِ قِياسِه، ويعني ذلك أنَّ الحوسبةَ الكموميَّةَ لديها الإمكانيةُ على إنشاءِ شبكاتِ معالجةٍ أكثرَ تعقيدًا ممَّا تستطيعُ أجهزةُ الكمبيوترِ اليومَ أن تُنشِئه. أضِفْ إلى ذلك أنَّ آليات التخزينِ في الحواسيبِ التقليديَّةِ تَستندُ إلى ترانزيتورات وأنظمةٍ إلكترونيةٍ مهما تطوَّرت فلن تصِلَ إلى سماكةِ نُظُم الـqubit و صِغرها والمُمَثّلةِ في الذَّراتِ والأيوناتِ والإلكتروناتِ والأجهزةِ التي تَتحكَّمُ بها، والتي تَعملُ معًا كذاكرةِ الحاسوبِ و معالِجه. إذن؛ فهي أصغرُ بكثيرٍ ممَّا نتخيّّلُ، و لأنَّ أحجامها من رتبةِ الذَّرةِ، ويجبُ أن نعلمَ أنَّ الآليات التي يستخدمها العلماءُ للتَّحكُّمِ بالجزيئاتِ المِجهريةِ التي تتصرَّفُ كـ (qubit) هي:
* أفخاخٌ للأيوناتِ Ions Traps: تستعملُ حقلًا ضوئيًا أو مغناطيسيًا (أو مزيجًا من الإثنين) لإيقاف الأيونات.
* أفخاخٌ بصرية Optical Traps: تَستخدمُ أمواجًا ضوئيةً لإيقافِ الجزيئاتِ والتحكُّمِ بها.
* النقاطُ الكُموميَّة Quantum Dots: مصنوعةٌ من أنصافِ نواقلَ Semi-conductors تُستعمَلُ لاحتواءِ أو حصارِ الإلكترونات والتَّلاعُبِ بها.
* شوائبُ أنصافِ ناقلةٍ Semi-conductors Impurities: تحتوي الإلكتروناتِ باستعمالِ ذراتٍ (غير مرغوبة) نجدُها في الموادّ النِّصفِ النَّاقلةِ كعنصرِ السليسيوم 34 Se مثلًا.
* داراتٌ فائقةُ التوصيل Super-conductors Circuits: تسمح للإلكتروناتِ بالتحرّكِ دون أيّةِ مقاومةٍ ضمن درجة حرارةٍ منخفضةٍ.
تَعِدُ كُلُّ الشُّروحاتِ السَّابقةِ بمستقبلٍ زاهرٍ جدًا للمعالجاتِ الكموميَّة والتي جمعت بين الدِّقةِ والسُّرعةِ، وبين الضآلةِ الشديدةِ في التَّجسيدِ والمكوَّنةِ من أحجامٍ تُصنَّفُ في خانةِ رُتَب الذَّرة، ولكن؛ هناك نقطةٌ سلبيةٌ أساسيةٌ تبقى عائقًا أساسيًا أمامَ محاولاتِ العلماءِ على تطويرها؛ ألا وهي خاصيةُ التشابُكِ الكموميّ المُتوقِّفَةُ عليها هذه التكنولوجيا، إذ قبلَ تعريفِ التَّشابكِ؛يزداد معدل تحلَّلُ تفاعلاتُ [qubit-qubit] مع المسافة، وهو ما حالَ دون وصولِ عملياتِ التطويرِ إلى أكثرَ من 14 qubit في آخرِ المحاولاتِ، لِيَخرُج لنا علماءٌ ألمان ونمساويون من معهد (IQOQI) وبإنجازٍ غير مسبوقٍ أُعلِن عنه في بحثٍ نُشرَ بتاريخ 10 أبريل 2018، وقد أكّدوا فيه أنَّهم تمكّنوا من توليدِ وتوصيفِ حالاتٍ متشابكةٍ لسجلٍّ يتكوّن من 20 كيوبت يُتحَكَّمُ فيها فرديًا، فكلُّ كيوبت رُمِّزَ في الحالةِ الإلكترونيةِ لأيونِ ذرةٍ مُحاصَرٍ. وأُنشئ التَّشابك بين الكيوبتّات بواسطةِ ديناميكيات خارج توازنٍ هاملتوني من نوع (Ising) هُنْدِسَتْ هي الأخرى عبر حقول ليزرٍ؛ إذ إنَّ مشكلةَ تفاعلات [qubit-qubit] التي تتحلَّل مع زيادةِ المسافة لا تزال مفتوحةً، لذلك فإنَّ التَّشابك ولِّد في أوقاتٍ مبكرةٍ بين مجموعاتٍ مجاورةٍ من qubits. وقد قامَ الفريقُ - بقيادة بن لانيون (Lanyon) وراينر بلات (Blatt) في معهد الـ(IQOQI) في أكاديمية العلوم النمساوية، وبمساعدةِ علماءِ الفيزياءِ النظرية من جامعة "أولم" ومعهدِ البصريَّات الكموميَّة - بتحقيق "تفاعلٍ متعدد الجسيمات مُتحكَّمٍ فيه" في نظامٍ قياسيٍ مكونٍ من 20 بتةً كموميَّةً، وعلى وجه الخصوص؛ استخدمَ العلماءُ ضوءَ الليزر لتضمين 20 ذرة كالسيوم، وهي عمليةٌ خاضعةٌ للرقابة حدثَت تحت "حصار" تجربةِ فخِّ الأيونات.
وليست هذه المحاولاتُ جديدةً تمامًا، إذ لِسنواتٍ خلت - كما سبق ذكره - كان الفيزيائيون يتلاعبون بأنظمةٍ متشابكةٍ (تُستخدَم كلمة "تلاعُب" هنا بوصفٍ فضفاض). وفي الواقع؛ قبل سبعِ سنواتٍ نجحت مجموعةُ أبحاث Blatt في معهد الفيزياء التجريبيَّة في جامعة "إنسبروك" في دمج 14 بتَّةً كموميَّةً فرديَّة أوَّلَ مرَّةٍ، ممَّا أدَّى إلى تحقيق أكبر سجلٍ كموميٍ حقيقيٍ آنذاك.
ولم يتوقَّفْ فريق (IQOQI) عند هذا الحدّ غير المسبوقِ والذي هو 20 كيوبتًّا متشابكًا، بل يتطلَّعون إلى أشياءَ أكبر وأكثر إشراقًا وأكثر ذكاءً. "هدفُنا على المدى المتوسط هو 50 جزيئًا"؛ كما جاء على لسان Blatt؛ والذي أضاف: "يمكن أن يُساعدَنا هذا في حلِّ المشكلات التي يفشَلُ أفضلُ الحواسيب العملاقة اليومَ في تحقيقِها."
فِعلاً لقد كان سبقًا مُذهلًا، و قبل الختام؛ نتذكّر معًا السبب الذي يقول عنه نيلز بور: "من لم تَصدمُه ميكانيكا الكمّ فإنّه لم يفهمْها بعد".