سلسلة الحمية الكيتونيّة تحت مجهر العلم -4- التأثيراتُ الجانبية المحتملة للحمية الكيتونية
الغذاء والتغذية >>>> الوزن واللياقة
قد تكونُ الفوائدُ المحتملةُ للحميةِ الكيتونيّةِ مثيرةً للإعجاب، لكنَّ هناكَ بعضَ الجوانبِ السّلبيّةِ المُحتملةِ أيضًا، نُذكِّرُكُم بأهمّها فيما يأتي:
1- فُقدانُ الأملاح:
يحدُثُ هذا عندما يَستخدِمُ الجسمُ السّكَّرَ المُخزّنَ على صورةِ غليكوجين، إذْ يترافق ذلك بتحريرِ الماءِ إلى الدمِ، الذي يمُرُّ عبر الكِلى لتجري تصفيتُهُ من السُّمومِ والفضلات، وهناك يفقدُ الدم جزءًا من الأملاحِ أيضًا. ونتيجةً لذلك، يمكن أن يتعرّضَ المرءُ لفقدانِ السّوائلِ والأملاحِ من الجسم أثناءَ الانتقالِ إلى الحالةِ الكيتوزيّة والاستمرارِ بها. ويمكنُ تخفيفُ هذه الأعراضِ عن طريقِ شُربِ السوائلِ طوالَ اليوم، ويعدّ الماءَ أفضلَ مشروبٍ لترطيب الجسم، لكنّ الشايَ والقهوةَ جيّدان أيضًا طالما أنّهما لا يحوِيان الكثيرَ من الحليب.
تأكد من الحصولِ على كمياتٍ كافيةٍ - وغيرِِ فائضة - من الملح، فمن شأنِ ذلك أن يمنعَ بعضَ الآثارِ الجانبيّةِ لنقصِ الأملاحِ كالصّداعِ والقلق. يمكنُكَ إضافةُ الملحِ البحريّ أو شُربُ مرقِ الخضارِ أو العظام.
من جهةٍ أخرى، يُعدّ كلٌّ من البوتاسيوم والمغنيزيوم من الأملاحِ الضروريّةِ للجسم، ولكنك لن تُواجِهَ مشكلةً بخصوصِهما طالما أنّك تتناولُ أطعمةً صحيّةً وطبيعيّةً مثل المكسّراتِ واللّحوم والأسماكِ ومُنتجاتِ الألبان والخُضار.
2- إنفلونزا الكيتو The keto flu:
قد جِئنا على ذكْرِ هذا العَرَض الشائعِ للحميةِ الكيتونية في مقالِنا الأول، ويمكنُ للحالةِ المعروفةِ باسمِ إنفلونزا الكيتو أن تُشكّل تحدّيًا للبعضِ أثناءَ الأسابيعِ القليلةِ الأولى من الانتقالِ إلى الحميةِ الكيتونيّةِ. إذْ يعتمدُ الجسمُ أساسًا على الغلوكوز في الحصولِ على الطّاقة، ويمكنُ أنْ يكونَ الانتقالُ إلى استهلاكِ الكيتوناتِ بسبَبِ شحِّ كمياتِ الغلوكوز صعباً نوعًا ما، وتُعرف هذه المرحلةُ بالتكيّفِ مع الحالةِ الكيتونيّةِ أو التكيّفِ الكيتونيّ keto-adaption.
قد ينتجُ عن هذهِ المرحلةِ من التكيّفِ شعورٌ بـ"الضبابية الدماغية"، والتي تختفي بعدَ أنْ يُكملَ الجسمُ تكيّفَهُ الكامل، علمًا أنّ الضّبابيّةَ الدماغيةَ قد تكونُ أكثرَ حِدّةً لدى البعض دونَ غيرِهم أثناءَ هذهِ المرحلةِ والتي تستغرِقُ حسبَ بعضِ التّقديراتِ قُرابَةَ الأربعةِ أسابيع. لكنّ هناك مزيدًا من الآثارِ الجانبيّةِ المُشابهةِ للإنفلونزا والتي تظهرُ عادةً مع نهايةِ الأسبوعِ الأول، مثل الضبابيةِ الدماغيّةِ وبطءِ التفكيرِ والّدوارِ والإعياءِ وارتفاعِ معدّلِ ضرباتِ القلبِ عندَ الاستلقاءِ والأرَقِ والتّوقِ الشّديدِ لِتناولِ الأطعمة. ويمكنُ أنْ تتفاقَم هذهِ الأعراضُ بفعلِ التجفافِ الذي يحدُثُ نتيجةََ خسارةِ الماءِ من الجسم - والذي ينعكِسُ على صورةِ انخفاضٍ سريعٍ في الوزنِ في بدايةِ اتّباعِ هذهِ الحمية. ولذلك يُنصحُ بتعويضِ الماءِ والشّوارِدِ باستمرار. كذلك يُعدّ التدرُّجُ في الانتقالِ إلى الكيتوزيّةِ على قدرٍ كبيرٍ من الأهميةِ إذْ يمتلِكُ دورًا فعالًا في تقليلِ الآثارِِ الجانبيّةِ المَذكورة، ويمكنُ تحقيق ذلك عبرَ خفْضِ كميةِ الكربوهيدراتِ تدريجيًا على مدى بِضْعةِ أسابيع.
3- التغيّرُ في حركةِ الأمعاء:
قد يُحدِثُ الانتقالُ إلى الحميةِ الكيتونيّةِ حدوثَ تغيّراتٍ في حركةِ الأمعاءِ، مثل الإِمساك. ويعدّ هذا الأمرُ شائعًا مع أي تغيير كبير في النظام الغذائي المتّبع، ذلك أنّ الجراثيمَ المِعوّيةَِ تحتاجُ فترةً زمنيةً للتكيّفِ والتعاملِ مع الأطعمةِ والكمياتِ المختلفةِ. يمكنُ اللّجوءُ إلى شُربِ الكثيرِ من الماءِ وزيادةِ الاستِهلاكِ من النّباتاتِ غيرِ النّشويّةِ والخُضرواتِ اللّيفيّةِ والبقوليّاتِ والُمكسّراتِ والبذور، فهي مصادرُ جيدةٌ للأليافِ الكربوهيدراتية.
4- تشنُّجاتُ الساق:
يعدّ تشنّجُ العضلاتِ واحداً من الآثارِ الجانبيّةِ مُحتملةِ الحدوثِ عند اتّباعِ الحميةِ الكيتونيّةِ. وعادةً ما تكونُ هذهِ التشنّجاتُ ذاتَ طبيعةٍ حميدة، لكنّها قد تكونُ مُزعجةً في بعضِ الأحيان. وتعدّ حالةُ نقصِ الصّوديوم Hyponatremia إحدى أسبابِ تقلُّصاتِ وتشنّجاتِ السّاق أثناءَ اتّباع الحميةِ الكيتونيّةِ، وتحدثُ هذه الحالةُ عندما يكونُ مُستوى الصّوديوم (الملح) في الدّم شديدَ الانخفاض، ويرتبطُ ذلكَ طبعًا بما ذكرناهُ من تأثيرٍ للحميةِ الكيتونيّةِ على مستوياتِ الأملاحِ في الجسم. ويمكنُ التّخفيفُ من ذلكَ من خِلالِ اتّباعِ التّوصياتِ التي قدّمناها أعلاه حولَ ضرورةِ المُحافظةِ على رطوبةِ الجسمِ والحصولِ على كميةٍ كافيةِ من الملح.
5- رائحةُ الفم الكريهة:
تُوصفُ هذه الرائحةُ أحيانًا باسمِ "نفَس الكيتو" Keto-breath ، ويمكن أن تحدثَ عندما يدخلُ الجسمُ في الحالةِ الكيتوزيّةِ التي تزيدُ من معدّلِ حرقِ الدهون. إذ تنطلقُ الكيتوناتُ مع هواءِ الزفير، وعن طريقِ البول والتعرّق، ويعدّ الأسيتون واحدًا من أنواعِ الكيتوناتِ التي تُسبّب رائحةً غير لطيفةٍ مترافقةً مع طعمٍ معدنيّ في الفم. وعادةً ما يكون هذا الأمرُ مُؤقّتاً ويختفي على الأرجحِ بعد بِضعةِ أسابيع دونَ الاضطرارِ إلى الخروجِ من الحالةِ الكيتوزيّةِ والعودةِ إلى تناولِ الكربوهيدرات. كما يُمكنُ أنْ تُساعدَ العلكةُ الخاليةُ من السّكر أو مُعطِّرُ الأنفاسِ على إخفاءِ هذه الرّائحة.
6- صعوبةُ التمسُّكِ بالحميةِ الكيتونيّة:
يُمكن أنْ يكون هذا الأمرُ شائعًا نتيجةََ صعوبةِ الالتزامِ بهذه الحميةِ كنظامٍ غذائيّ دائم، إذ تتّسمُ بصعوبتِها الشديدةِ ومَحدوديّةِ وجباتِها وكثرةِ الأخطارِ المُحتملةِ على المدى الطويل، إِضافةً لعدمِ استمرارِ نُزولِ الوزن. وقد ذَكَرتِ إحدى الدّراساتِ تَوقُّفَ أكثرِ من نِصفِ المشاركين عن اتّباعِ النّظامِ الغذائيّ قبلَ انتهاءِ فترةِ البحث (4). يُضافُ لما سَبقَ أنّ خفضَ مدخولِ الكربوهيدرات إلى درجةٍ كبيرةٍ كما هو الحال في هذهِ الحمية قد يؤدّي إلى الشعورِ بالجوعِ أكثرَ من المُعتاد، ويمكنُ لهذا الشّعورِ أن يستمرَ قُرابة الثلاثةِ أسابيع (5).
7- أخطارٌ محتملةٌ أُخرى:
تشملُ مخاطرُ الحميةِ الكيتونيّةِ المحتملةُ تَشكُّلَ حصى الكلى، ونقصَ الفيتاميناتِ والمعادن، وانخفاضَ كثافةِ المعادن في العِظامِ، والضيقَ المعديّ المعويّ (7). وبالرّغمِ من أنّ بعضَ الدّهونِ يُمكنُ أنْ تكونَ صحيّةً، إلّا أنَّ اتّباعَ نظامٍ غذائيّ غنيّ بالدّهونِ يُمكن أن يكونَ خطِرًا على الصّحة، إِذْ يُمكنُ أن يَزدادَ مدخولُ الجسمِ من الدّهونِ المُشبَعَةِ والدّهونِ المُتحوّلةِ غيرِ الصّحيّة، ممّا يزيدُ خطرَ الإصابةِ بالكوليسترولِ الضّار LDL وأمراضِ القلب (8).
هل عليكَ اتّباعُ هذهِ الحمية؟؟
بالنّظرِ إلى المخاطرِ المذكورة، يُنصحُ بتجنّبِ اتّباعِ الحميةِ الكيتونيّةِ من قِبلِ الأشخاصِ الذين يُعانون من تلفِ الكلى (بما في ذلك المصابونَ بالنّوعِ الثاني من داءِ السّكري)، وأولئكَ الذين يُعانونَ من أمراضِ القلبِ أو المُعرّضونَ لخطرِ الإصابةِ بها، والنساءُ الحواملُ أو المُرضعات. يُضافُ لما سبق الأشخاصُ المصابون بالنوعِ الأوّلِ من داءِ السّكري، وذلكَ بسببِ خطرِ الانخفاضِ الشّديدِ في سُكّرِ الدّم، وجميعُ من خَضَعوا لعمليةِ اسْتئصالِ المرارةِ لما لها من دورٍ أساسيّ في هَضمِ الدّهون. ويُنصحُ طبعًا باستشارةِ الطبيبِ قبلَ البدءِ باتّباعِ الحميةِ الكيتونيّة.
أسئلةٌ متكررةٌ حول الحميةِ الكيتونيّة:
نُقدّم لكم فيما يأتي إجاباتٍ على بعضِ الأسئلةِ الأكثر شيوعًا حول الحمية الكيتونية:
1. هل يمكنُ أن أتناولَ الكربوهيدراتِ مرةً أخرى؟
الجواب نعم. لكنّ التوقُّفَ عنها في البدايةِ أمرٌ أساسيّ للدّخولِ في الحالةِ الكيتوزيّةِ، ويمكنُ العودةُ إلى تناولِها بعدَ مرورِ شَهرين أو ثلاثة في المناسباتِ الخاصّةِ فقط، ومن ثمّ العودةُ إلى النظامِ الغذائيّ الكيتونيّ بعدَ ذلكَ مُباشرةً، ذلكَ طبعًا في حالِ استِمرارِ الرّغبةِ باتّباعِ هذا النظامِ والبقاءِ في الحالةِ الكيتوزيّة.
2. هل سأخسرُ العضلاتِ أثناءَ اتّباعِ هذهِ الحمية؟
نعم، هناكَ خطرٌ لفقدِ بعضِ العضلاتِ نتيجةَ اتّباعِ هذه الحمية. لكنّ تناولَ كمياتٍ كبيرةٍ من البروتين مع مستوياتِ الكيتونِ العالية يمكن أنْ يُساعدا في تقليلِ فَقد العضلات، خصوصًا إذا قُمتَ بممارسةِ رفعِ الأوزان. مع ضرورةِ مراقبةِ أي تغيّرٍ مُحتمل لأنّ الحميةِ الكيتونية تؤثّرُ على غليكوجين العضلات.
3. هل يمكنُ بناءُ العضلاتِ مع اتّباعِ هذه الحمية؟
نعم، لكنّها قد لا تكونُ فعّالةً في بناءِ العضلاتِ بصورةٍ كافيةٍ كما هو الحال في النّظامِ الغذائيّ مُعتدِلِ الكربوهيدرات، وذلك لأهميةِ الكربوهيدراتِ في بناءِ العضلات كما ذكرنا في مقالنا السابق www.syr-res.com/article/15274.html .
4. هل أحتاجُ إلى إعادةِ التزوّدِ بالكربوهيدرات؟
لا حاجةَ للتزوّدِ بالكربوهيدرات ثانيةً حَسْبَ شروطِ هذه الحمية. لكنّ بعض الأيامِ ذاتِ السُّعراتِ الحراريةِ العاليةِ قد تكون مفيدةً من حينٍ لآخر.
5. ما هو مقدارُ البروتين الذي يُمكنُ تناولُهُ؟
يجبُ أن تكونَ كمياتُ البروتينِ مُعتدلةً، لأنَّ تناوُلَ الكثيرِ من البروتيناتِ يُمكنُ أنْ يرفَعَ الأنسولين بِشدّة، الأمرُ الذي يُخفّضُ مستوياتِ الكيتوناتِ في الدّم. يُنصحُ بألّّا تَزيدَ السّعراتِ الحراريّةِ القادمةِ من البروتينات عن 35٪.
6. ماذا لو شعرْتَ بالتّعبِ والضعفِ المُستمرَّين أثناءَ اتّباعِ هذه الحمية؟
قد يكونُ السّببُ أنّكَ لستَ في حالةٍ كيتوزيّةٍ كاملة، أو أنّك لا تستخدِمُ الدّهون والكيتوناتِ بكفاءة. للتغلبِ على هذه الحالة، يجبُ خفضُ كميةِ الكربوهيدرات المُتناولةِ لدرجةٍ أكبر، كما يُمكن لبعضِ المكمّلاتِ الخاصةِ بهذه الحمية أن تُساعد في تجاوزِ هذه المشكلة.
7. لماذا تظهرُ رائحةٌ شبيهةٌ برائحةِ الفواكِهِ مع البول؟
يُمكنُ أن يحدُثَ هذا بسببِ إفرازِ وتحرُّرِ بعضِ المُنتجاتِ الثانويّةِ التي تتشكّلُ بفعلِ الحالةِ الكيتوزيّةِ في الجسم، والتي تُطرح مع البولِ والعرقِ والتّنفُّسِ كما ذكرنا أعلاه.
9. سمعت أنَّ الكيتوزيّةَ أمرٌ خطيرٌ للغاية. هل هذا صحيح؟
هنالِكَ خلطٌ شائعٌ بين الكيتوزيّةِ ketosis كحالةٍ استقلابيّةٍ، والحمّاضِ الكيتونيّ ketoacidosis؛ فالأولى نتيجةٌ طبيعيةٌ لاتّباعِ الحميةِ الكيتونيّةِ أو الحمياتِ المُشابهةِ لها، في حين يَكمُنُ الخطرُ في الحالةِ الثانية، إذْ يشاهدُ الحمّاضُ الكيتوني لدى الأشخاصِ الذين يُعانون من مرضِ السّكري غيرِ المُنَضبط، وهو أمرٌ خطير بالفعل.
10. لديّ إسهالٌ أو مشاكلُ في الهضمِ، فماذا أفعل؟
يعدّ تغيّرُ حركةِ الأمعاءِ عرَضًا شائعًا عند اتّباعِ الحمية الكيتونيةّ، وعادةً ما يختفي هذا التأثيرُ الجانبيّ بعد 3 إلى 4 أسابيع. حاول تناولَ المزيدِ من الخضروات ذاتِ المحتوى العالي من الألياف إذا استمرّ ذلك، كما يُمكنُ للمكمّلات الغذائية وِالمغنيريوم أن تساعدَ في حالاتِ الإمساك.
المصادر والدراسات المرجعية:
هنا
هنا
هنا
Nymo M، Coutinho SR، Jorgensen J، et al. Timeline of Changes in Appetite During Weight Loss With a Ketogenic diet. International Journal of Obesity (2005). August 2017.
Ulamek-Koziol M، Pluta R، Bogucka-Kocka A، et al. To Treat or Not to Treat Drug-Refractory Epilepsy by the Ketogenic Diet? that Is the Question. Annals of Agricultural and Environmental Medicine.December 2016.
Good Fats and Bad Fats: The Facts on Healthy Fats. American Heart Association. June 15، 2017.