إنترنتُ الأشياء (الجزء الرّابع): إدارةُ البياناتِ وتَحليلُها.
المعلوماتية >>>> إنترنت الأشياء
على الرّغمِ منْ أنَّ إنترنت الأشياء لديه الزّخمُ الّذي يُمكّن التِّقنية من إنشاءِ بيئاتِ حوسبةٍ موجودةٍ في كلّ مكان؛ ولكنْ توجدُاعتباراتٌ خاصّةٌ تتطلّبها معالجةُ كمّيّاتٍ كبيرةٍ من البياناتِ القادمةِ والمنتشرةِ في البيئاتِ الموزّعةِ والهجينة؛ ولذلك يجب ترقيةُ إجرائيّات البيانات الكبيرة كاستنباطها وترشيحها ونقلها كي تُقابلَ متطلّباتِ طوفانِ بياناتِ إنترنت الأشياء .. تُحدَّدُ أبعادُ البياناتِ الكبيرةِ بـ: الحجم Volume والتّنوّع Variety والسّرعة Velocity والمصداقيّة Veracity، الأمرُ الّذي يقودنا إلى طرقِ معالجةِ بياناتٍ مختلفة؛ إذْ تكمنُ قوّةُ إنترنت الأشياء في جمعِ البياناتِ المتداولةِ وتحليلِها ضمن بيئتِه نفسها، ويكمن أحد أوجه القصور الرئيسيّة في استخدام خوارزميّات تصنيف البيانات المطوّرة حاليّاّ في الطّبيعة المركزيّة المتأصّلة لهذه الخوارزميّات، ممّا يؤثّر على نحوٍ كبيرٍ على أدائِها ويجعلُها غير مناسبةٍ لبيئاتِ إنترنت الأشياء الَّتي منَ المُفترضِ أنْ تكونَ موزّعةً جغرافيًّا وغير مُتجانسة.
إنترنت الأشياءِ والسَّحابة:
يُمكن استخدامُ الحوسبةِ السّحابيّة – وفقًا لإمكانيّاتِها في التّخزين والمعالجةِ عند الطّلب - لتحليلِ البياناتِ الّتي تولِّدُها أغراضُ إنترنت الأشياء في صيغَتَي Batch و Stream، وقدْ قلّلَ نموذجَ "ادفع حسب الإستخدام pay-as-you-go" المُعتمَد من قبلِ مزوّدي الحوسبةِ السّحابيّة من كلفةِ الحوسبةِ وتخزينِ البيانات وتحليلِها، فضلًا عن إنشاءِ إجرائيّةٍ ذاتِ كفاءةٍ لبناءِ تطبيقاتِ إنترنت الأشياء، ويمكنُ لمِيزةِ مرونةِ السّحابةِ مع محرِّكاتِ معالجةِ المسار (Stream Processing Engines (SPE الموزّعةِ أن تنفِّذ ميزاتٍ مهمَّة كالتّسامحِ مع الخطأ fault-tolerance بالنّسبة إلى أحمال العملِ المتقطّعة، وأصبحَ تطويرُ التّطبيقاتِ في السّحابةِ مركزًا لاهتمامِ الأبحاث.
ومنَ الباحثين من يقترحُ إطارًا يدعمُ تجميعَ بياناتِ الحسّاساتِ في سياقِ إنترنت أشياءِ يعتمدُ على السّحابة، يُبنى هذا الإطارُ على البنى خدميَّة التوجّه SOA (راجع الجزء الثّاني من هذه السّلسلة) وموجَّه بالأحداث events، ويعرِّف فوائدَ من الطّبقة الاستدلاليّة المسؤولةِ عن معالجةِ الأحداثِ ومنطقها.
ويقترح آخرون تعدّدية المستخدمين Multitenant حلًّا آخر؛ وهو عبارةٌ عن منصّةٍ كخدمة (Platform as a Service (PaaS لتوظيفِ تطبيقاتِ إنترنت الأشياء؛ يُجهّزُ المستخدمون بخدمةٍ افتراضيّةٍ معزولةٍ يمكنُ تخصيصُها لأجهزةِ إنترنت الأشياء خاصّتهم بينَما يتشاركون البِنية التحتيّةَ للسّحابةِ مع المستخدمين الآخرين.
واتّخذ آخرون منحىً آخرَ؛ إذْ اقترحوا إطارًا يُقدّم نموذجًا مرتكِزًا على مفهومِ البرمجةِ القائمةِ على القصدِ intent-based programming اسمهُ PatRICIA.
وناقش Parwekar أهميّةَ تحديدِ هويّةِ الأجهزةِ في إنترنت الأشياء، واقترحَ إضافةَ طبقةِ خدمةٍ جديدةٍ لتُظهرَ كيفيَّةَ تعريفِ خدمةٍ قائمةٍ على عيّناتِ الوسمِ ضمنَ السَّحابة، مَهمّتُها تحديدُ هويّةِ الأجهزة، واقتُرحَت أيضًا بِنيةً بسيطةً لتحقيقِ التّكامل بين منصّات M2M والشّبكةِ وطبقاتِ البيانات.
يُمكنُ لتطبيقاتِ إنترنت الأشياء تسخيرَ خدماتِ السّحابة واستخدام مواردِ التّخزينِ والحوسبة لتقابلَ تدرجيّتها ومتطلّباتِ المعالجةِ كثيفة الحوسبة compute-intensive، وإنَّ أساليبَ التّصميمِ الشّائعةِ حاليًّا لتحقيقِ التّكاملِ بين السّحابةِ وإنترنت الأشياء قائمةً على بنى من ثلاثِ طبقات Three-tier architecture؛ تتألّفُ الطّبقةُ السّفلى من أجهزةِ إنترنت الأشياء، وتؤمّنُ الطّبقةُ الوسطى اتّصالَ الانترنت، في حينِ أنَّ الطّبقة الثّالثة تستضيفُ التّطبيقاتِ المختلفةَ والبروتوكولاتِ عالية المستوى، ومن ناحيةٍ أخرى؛ إنَّ استخدامَ هذه الطّريقة لتصميمِ الحوسبةِ السّحابيةِ وتكاملِها مع إنترنت الأشياء يحدُّ الاستفادةَ الكلّيّةَ والعمليّةَ من الحوسبةِ السّحابيّةِ في الحالاتِ الّتي يكونُ فيها تصغيرُ التّأخيرِ الحاصلِ بين نهايتين end-to-end delay هو الهدف، ويمكنُ اعتمادُ برمجيّةٍ وسيطةٍ خفيفةٍ لحلّ هذه المشكلة، لتحافظَ على السّياقِ وتختارَ شبكة توزيعِ المحتوى (Content Distribution Network (CDN الأقربَ بذكاء؛ ممَّا يقللُّ من التّأخيرِ الكلّيّ الحاصلِ؛ لكنْ لا يتغلّبُ عليهِ على نحوٍ كامل.
تحليلُ البياناتِ في الزّمن الحقيقيّ لإنترنت الأشياء والحوسبة الضّبابيّة:
تُركّزُ طرقُ تحليلِ البياناتِ الحاليّة على التّعاملِ مع البياناتِ الكبيرة، لكنّ معالجةَ البياناتِ التي تُولَّد من ملايين الحسّاساتِ والأجهزة في الزّمن الحقيقي هي الأكثرُ تحدّياً، وإنّ الحلول المُقترحةَ الّتي تستخدمُ الحوسبةَ السّحابيّة فقط للمعالجةِ والتّخزين ليست قابلةً للتوسّع ولا تستطيعُ عنونةَ قيودِ الاستجابةِ latency constraints لتطبيقاتِ الزّمنِ الحقيقي، وتقودُ متطلّباتُ المعالجةِ في الزّمنِ الحقيقيّ، والزّيادةُ في القدرةِ على المعالجةِ للأجهزةِ الطّرفيّة Edge devices كالموجّهاتِ routers والمبدّلات switches، ونقاطِ الوصول access points إلى صيغةِ الحوسبةِ الطّرفية Edge Computing Paradigm، وتتضمّنُ الطّبقةُ الطّرفيّةُ الأجهزةَ الأقربَ للمستخدمِ النّهائيَ منها إلى خوادمِ التطبيقات، ويمكنُها أن تتضمّنَ الهواتفَ الذّكيّة وأجهزة التّلفزة الذّكيّة وموجّهات الشّبكات وغيرها، ويمكنُ استخدامُ قدرةِ التّخزينِ والمعالجةِ لهذه الأجهزةِ لتوسيعِ مزايا استخدامِ الحوسبةِ السّحابيّةِ بإنشاءِ سحابةٍ أخرى تسمّى السّحابةَ الطرفيّة Edge Cloud بالقربِ من مستخدميِ التّطبيقات، وذلكَ لتقليلِ التأّخيراتِ الشّبكيّةِ وتوفيرِ كلفةِ المعالجةِ والتّخزين، وتجميعِ البياناتِ ومنعِ البياناتِ الحسّاسةِ من مغادرةِ الشّبكةِ المحليّة.
وبالمثل يُطلق مصطلحُ الحوسبةِ الضّبابيّة على امتدادِ الحوسبة السّحابيّة؛ والذي يهدفُ إلى المحافظةِ على مزايا السّحابة نفسها، كالشّبكةِ والحوسبةِ بالإضافةِ إلى التّخزين، ولكنّها تُطابق متطلّباتِ التّطبيقاتِ الّتي تتطلّبُ استجابةً منخفضةً أيضًا، ومتطلّباتِ جودةِ خدمة Quality of Service (QoS) محدّدة، والزَّمن اللازمُ لإجراءِ عمليةٍ معينةٍ أو إجراءٍ معين Service Level Agreement (SLA) أو أيّ مزيجٍ من هذه الأمور، وتسهّلُ هذه الامتداداتُ تطويرَ التّطبيقاتِ كتطبيقاتِ الهواتف والتّطبيقاتِ الموزَّعة جغرافيًّا وغيرها.
والمتطلّباتُ الّتي يجبُ توفّرها في محرّكِ معالجةِ التّدفّق Stream processing Engine (SPE) في الزّمنِ الحقيقيّ هي:
- Fluidity: معالجة ُالبياناتِ خلال انتقالها عبرَ النّظامِ دونَ الحاجةِ إلى تخزينها.
- التّعاملُ مع تدفّق البيانات المتأخّرة والمفقودة والبيانات خارج السّيطرة.
- الحصولُ على نتيجةٍ مكرّرةٍ وحتميّةٍ بعدَ معالجةِ سلسلةٍ أو مجموعةٍ من البيانات.
- الحفاظُ على البياناتِ متكاملةً؛ سواءً أكانت متدفّقةً أو مخزّنةً باستخدامِ قواعدِ بياناتٍ غير مجزّأة.
- ضمانُ مستوى توافرٍ عالٍ للخدمة، باستخدامِ ما يتبقّى من مواردِ الفشلِ في الزّمن الحقيقي وآليّات النّسخ الاحتياطيّ.
- دعمُ قابليَّةِ التّوسّع الآليّةِ وتقسيم التّطبيقات.
- ولتسخيرِ الإمكانياتِ الكاملةِ للحوسبةِ الضّبابيّة للتّطبيقات الّتي تتطلّبُ معالجةً في الوقت الحقيقيّ، يمكنُ للباحثين النّظرَ في النّهج الضّروريّ والمعماريّاتِ لتلبية ِالمتطلّباتِ المذكورةِ أعلاه.
المصادر:
Rajkumar Buyya (Editor), Amir Vahid Dastjerdi (Editor), Internet of Things: Principles and Paradigms, Elsevier, 50 Hampshire Street, 5th Floor, Cambridge, MA 02139, USA, 2016