الموسيقا و الأديان (الحضارات القديمة)
الموسيقا >>>> موسيقا
حضارة ما بين النهرين:
أوحت بعض الاكتشافات الأثرية إلى أن السومريون (و غيرهم من الحضارات في العصر القديم) استخدموا الموسيقا لرفع مستوى الرهبة أثناء مراسم العبادة الدينية. ويبدو من الآثار أيضا أن الديانات القديمة حافظت على الدور الذي تقوم به الموسيقا عند تأدية الشعائر المنوطة بها. وكان الكهنة يحسنون القراءة والكتابة وعلى مستوى رفيع من معرفة الرياضيات والطبيعيات والفلسفة، وهذه المعرفة لم تكن متيسرة لعامة الشعب في البداية لانه لم تكن لديها لغة مكتوبة. كما اقتضت المعرفة لدى الكهنة أيضا ان يطبّقوها على الموسيقا المصاحبة لإنشاد التراتيل والترانيم الدينية، لذا فقد اضطروا على ان يُحدثوا وسيلة لتدوينها برموز أو إشارات وعلامات (نوطات) لتكون لغة موسيقية، مستعينين بالرياضيّات والقواعد العلمية حتى توصّلوا إلى أفكار موسيقية منظمة لم تلبث أن تطوّرت إلى نظريات في علم النغم والإيقاع والسلم الموسيقي وضبط الأوتار بالدوزان عندما يعتريها التشويش.
كان للموسيقا والموسيقيين في حضارات بلاد الرافدين السومرية (ومن بعدها البابلية) مكانة مرموقة، فبرز استعمال عدة آلات مثل القيثارة (الهارب) والمزهر طويل العنق (اللوت) في احتفالات آلهة الشمس والحرب والخصوبة. بينما كانت تؤدّى الصلوات المقدسة من قبل جوقات مدرّبة تابعة لهياكل العبادة، وكان الكهّان يكتبون النصوص الدينية والعلمية والموسيقية على الآجر بالخطّ المسماري، و حفظت رموز تلك الكتابات الكثير من نصوص الصلوات والترانيم الدينية وإلى جانبها إشارات مدونة للموسيقا المصاحبة. كانت الإشارة المفردة تضم مجموعة من النغمات الموسيقية لا نغمة مفردة واحدة كموسيقا اليوم. كما أنّ الصلوات المكتوبة والنصوص الدينية الأسطورية والموسيقا المقدسة المرافقة لها كانت جميعها أسراراً لا يطّلع عليها إلاّ خاصة الكهنة، ولكن لشدة ارتباط الموسيقا بحياة السومريين صارت تُلقّن في مدارس بلاد الرافدين، وكان التلميذ غير الموسيقي موضع ازدراء بنظر زملائه.
الحضارة الفرعونية:
أما بالنسبة للحضارة الفرعونية في وادي النيل فهي ظهرت في بداية الألف الرابع قبل الميلاد متأخّرة عن الحضارة السومرية بضع مئات من السنين، و لكن الغناء والموسيقا في المجتمع المصري القديم كانا يشكّلان اهتماماً كبيرا منذ الأسرة الفرعونية الأولى عام 3400 قيل الميلاد. وكان فرعون مصر مثل سائر ملوك سومر وبابل لديه أعداد كبيرة من الموسيقيين كما تظهر لنا نقوش جدران المعابد ومدافن القبور الملكية الحافلة بصور الراقصين والعازفين والمغنين حيث غالباً يظهر المغني وهو يضع كفّه الأيسر خلف صوان أذنه وعلى الخدّ لتكبير الصوت الصادر و زيادة الإحساس بالرنين (وهي الظاهرة لاتزال منتشرة بين مغني السير الشعبية والمنشدين وقارئي القرآن). كما توجد نقوش تعود إلى عام 2500 قبل الميلاد تضم مجموعات من العازفين على القيثارة الكبيرة والنايات والمزمار المزدوج، ويظهر في مقدمتها المغنون والمنشدون ومن كان يقوم بدور قيادة الفرقة في مختلف المناسبات الدنيوية و الدينية و الجنائزية. ويعتقد بعض الباحثون أن دور قائد الفرقة في العصر الفرعوني كان أصعب من دور قائد الفرقة في أيامنا هذه. وكانت أدواته في قيادته تعتمد على أصابعه ويديه ، وذراعيه بإشارت متعددة ومعقّدة تدل على المقام والنغمات والألحان والإيقاعات لتخلق لغة موسيقية لاغنى للموسيقي عنها.
أهم مبادئ التواصل في العصر الفرعوني كانت بين الإنسان و الإله، و بين الإله و الإنسان. و هناك عدد من الآلهة الفرعونية التي كانت لديها روابط موسيقية. أكثر هذه الآلهة وضوحاً هما حتحور و بِس، و يذكر أن إيحي إبن حتحور يمكن رؤيته يعزف على آلة السيستروم التي ارتبطت كثيراً بوالدته. بالإضافة إلى ذلك، هناك أدلة من المؤرخين الروم و اليونانيين توحي بارتباط كلِّ من الآلهتين تحوت و أوزيريس بالموسيقا. إن أدلة تواصل الآلهة مع البشر هي أقل انتشاراً من أدلة تواصل البشر مع الآلهة، حيث أن لدى العديد من الآلهة روابطاً مع الموسيقا لكنهم نادراً ما تتم رؤيتهم يؤدون الموسيقا بأنفسهم. و كان المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي قد ذكر بأن الإله تحوت اخترع آلة القيثارة (السمسمية) بالرغم من أنه غالباً ما يُرى و هو ينفذ دوره كإله للكتابة و ليس عازفاً لأي آلة موسيقية. أما بالنسبة للإله بِس فهو يعتبر وفقاً للمؤرخين أكثر الآلهة ظهوراً مع آلة موسيقية، و كان إلهاً وقائياً اعتاد أن يطرد الأرواح الشريرة من البشر خصوصاً من النساء الحوامل. لم يعتمد بِس بإنجازاته فقط على مظهره القبيح و إنما أيضاً من خلال عزفه للموسيقا (إصدار ضجيج بهدف التخويف)، و بذلك يكون دوره الوقائي مكملاً لدوره كموسيقي. يذكر بأن الموسيقا الفرعونية كانت أحياناً طرقية و بالتالي إيقاعية، لكن الموسيقا التي وُجدت ضمن نطاق ديني يمكن أن تكون لحنية أيضاً، إما من خلال الغناء أو استخدام آلات مثل الهارب.
اليونان:
كسائر شعوب العصر القديم، كان اليونانيون أيضاً يهتمّون باللحن الموسيقي والوزن الإيقاعي. ولهم فيهما نظريات محكمة وضعها علماء الموسيقا عندهم، فضبطوا الألحان والإيقاعات بمقاييس رياضية، و كان فيثاغورس أشهر هؤلاء العلماء و الذي لم يضع نظرياته الموسيقية إلا بعد عودته من مصر، بالإضافة لإقليدس الذي كان أوّل من نظم السلم الموسيقي اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد و جعله مؤلفاً من سبع نغمات بعدما كان عددها خمس كما في الأناشيد التى كانت تغنّى في معبد أبولو في دلفي، وأعياد إله الخمر ديونيسيوس في طقوس الربيع الشهيرة. وعندما اكتمل نظام السلّم الموسيقي ذي النغمات السبع كثرت مسمياته في بلاد اليونان، فقالوا السلم الدوري والفريجي والليدي. كما أن الكنيسة المسيحية في العصور الوسطى استعملت نفس تسميات السلم الموسيقى اليوناني.
ومن المعروف أنه كان للغناء عند اليونانيين أهمية كبيرة، و انعكس ذلك دينياً عبر شيوع العديد من الأغاني و الترانيم و التراتيل و الأناشيد في معابد آلهتهم و طقوسهم الدينية، و كانت تؤديها جوقات إنشاد من الكهنة، ومنها ما كان يضم بضع مئات من المنشدين والمنشدات. كانت الموسيقى من مستلزمات الحياة اليونانية الدينية، فكانت لديهم ابتهالات لديونيسس وتهاليل لأبولو، وترانيم لكل إله من آلهتهم. وكان المغنون كلهم يغنون بنغمة واحدة، كما نشاهد الآن في موسيقى الكنيسة اليونانية.
المصادر:
هنا
هنا
هنا