معضلةُ الزَّمن… هل الزَّمن مجردُ وهم؟
الفيزياء والفلك >>>> فلسفة الفيزياء والكونيات
معضلةُ الزَّمن… هل الزَّمن مجردُ وهم؟
لعلّ الزّمن من أبسطِ المفاهيم في حياتنا اليوميّة؛ فجميعنا نشعرُ بمرور الوقت والأيام والسّنين. لكن إذا نظرنا في مفهوم الزّمن بدقّةٍ وبأسلوبٍ علميّ، سنجد أنّه عميقٌ ومحيّرٌ؛ إلى درجةِ تحوّله إلى معضلة.
ما هو الزّمن؟
شغل هذا السّؤال الفلاسفة والفيزيائيين إلى حدٍّ بعيد، ومع تقدّم العلم تطوَّر فهمُنا وعمقُ إدراكنا لهذا المفهوم البديهيّ الغامض، مع ذلك؛ ليس لدينا إجابةٌ واضحةٌ ومحدّدة بعد. لنستعرض بعض الأفكار ووجهات النّظر.
بالنّسبة لأرسطو؛ فالزّمن ما هو إلا مقياسٌ لترتيب الأحداث، قبل وبعد. فتغيّرُ الأحداثِ من حولك؛ كشروق الشّمس وغروبِها، يعطيك الإحساسَ بمرور الوقت، وما الواقع إلا سلسلةٌ من الصّور الثّابتة الّتي تُعرض بترتيبٍ معيّن، والزّمن هو مقياس هذا التّرتيب.
أمّا إسحاق نيوتن فكان له رأيٌ مُخالف. فبالنسبة له؛ حتى وإن لم يكن هنالك أحداث، وحتّى إن كنت تقفُ أمامَ صورةٍ ثابتة، فالزّمن يمضي بانتظامٍ في الكون كلّه.
وظلّ الحال كذلك إلى أن جاء العبقريّ ألبرت آينشتاين بنسبيّته الخاصّة، وهدم المفاهيمَ الكلاسيكيّة للتّزامن ومعدّل مرور الزّمن؛ فلا معنى لـ "الآن" أو" الماضي" أو" المستقبل"، وأصبح الزّمن يختلف من مكانٍ لآخر في الكونِ ويختلفُ معدّل جريانه باختلاف سرعةِ الحركة؛ ولعلّ أبسطَ ما يُمثّل ذلك "مفارقةُ التّوأم" الشّهيرة.
وبذلك فقد نشأ لدينا تصوّرٌ جديدٌ عن الزّمن؛ وهو أنّه مجرّد "وهم". ولقد تبنّى الفيزيائيّ الإيطاليّ كارلو روفيللي في كتابه "The Order of Time" هذا الرّأي؛ بأنّ الزّمن ما هو إلا وهم!
روفيللي هو أحد روّاد نظريّةِ الجاذبيّة الكموميّة - وهي نظريةٌ تسعى للجمع بين ميكانيك الكمّ والجاذبيّة، لكنّها تأخذ منحىً مختلفًا تمامًا عن نظريّةِ الأوتار؛ الّتي تسعى للغاية نفسها، وقد جاء بفكرة "فيزياء بلا زمن"؛ ونتجت هذه الفكرة عن بعض معادلات النّظريّة الّتي تصفُ الحالة الكموميّة دون إدراج الزّمن فيها.
بالنّسبة له؛ الزّمن ليس شيئًا أساسيًّا في الكون، وإنّما يتولّد لدينا إحساسٌ ظاهريٌّ للزّمن عند وصف الأحداثِ وربطها؛ فالعاصفةُ ما هي إلا مجموعةٌ من الحوادث الّتي نرصدُها على أنّها تفاعلٌ بين الجسيماتِ في مكانٍ وزمنٍ معيّنين؛ وهما نفسهما تولّدا من خيوط السّببيّة الّتي تربطُ بين الأحداث.
في الجزء الأخيرِ من الكتاب؛ تكلّم روفيللي عن "مصادر الزّمن" الّتي أدّت إلى تكوين وهمِ الزّمن في داخلنا من وجهة نظرِ ميكانيك الكمّ والثيرموديناميك (علم التّحريك الحراريّ)، إذ يعتمد فهمُنا للزّمن كليًّا على عدم قدرتنا على رؤية العالَم بكلّ تفاصيله. مبدأ الشكّ في ميكانيك الكمّ يعني أنّنا لا نستطيعُ معرفةَ مكانِ الجسيمات الكموميّة الموجودةِ في الكونِ وسرعتها بآنٍ معًا؛ أي أنّ فهمنا للزّمن ناتجٌ عن الجَهل وليس عن المعرفة، ونحن نمضي باتّجاه كسب المعلومات، وهو ذاته اتّجاه زيادةِ الإنتروبيّة في الكون، مما شكّل لدينا شعورًا بأنّ الزّمن يمضي إلى الأمام.
على أيّة حال؛ من الواضح أنّ وعيَنا تجاه هذا المفهومِ الغامضِ ما زال بدائيًّا، وأنّنا بحاجةٍ للكثيرِ من "الزّمن" لفهم "الزّمن".
المصادر:
1- هنا
2- هنا.pdf