كريسبر: أداة التعديل الجيني التي ستغير مفهوم العلاج الجيني
الكيمياء والصيدلة >>>> صيدلة جينية
كريسبر: أداة التعديل الجيني التي ستغير مفهوم العلاج الجيني
أظهرتِ المعالجةُ الجينية أملًا كبيرًا في علاج الأمراض الوراثية التي طالما عُدّت مستحيلة العلاج، عن طريق تطوير آلياتٍ جزيئيةٍ تهدف إلى إدراج الجين الصحيح (Healthy Gene) مكان الجين المرضي، ولكن من أكبر العقبات التي اعترضَت طريقَ نجاحها هو قصر أمد نتائج هذا العلاج؛ إذ إنَّ عملية الاستبدال هذه غالبًا ما تعطي نجاحًا مؤقتًا وسرعانَ ما يتوقف الجين الصحيح عن العمل بعد أسابيع قليلة.
لعقودٍ طويلة؛ درس العلماء آلياتٍ عديدةً لإيصال الجينات الصحيحة إلى الخلايا باستخدام الفيروسات من خلال فهم الآلية التي تعمل بها بعض الفيروسات؛ فعلى سبيل المثال؛ قد لوحظ أنَّ فيروسات الزكام قادرة على إدراج مادتها الوراثية داخل المادة الوراثية للمضيف عندما تحصل العدوى، ومن هنا حاول العلماء استغلالَ هذه الظاهرة بهندسةِ هذه الفيروسات لتحملَ جيناتٍ سليمةً مرغوبةً وإلغاء قدرة هذه الفيروسات على إحداث الأمراض، وبذلك نجحت بعض المحاولات في استخدام الفيروسات المهندسة وراثيًّا في استبدال بعض الجينات المرضية بأخرى صحيحة.
ولكن مع الأسف؛ بقيت العقبة الأكبر أمام هذه التقنية تتمثّلُ في تحقيق استمرارية هذا العلاج وثباتية التعبير الجيني -للجينات الصحيحة المنقولة حديثاًـ للمرضى. إضافة إلى ذلك؛ فإنَّ هذه التقنية تُوصَف بأنَّها قليلة الدقة، إذ إنَّ الفيروسات الحاملة للجينات العلاجية يمكن أن تُدرِجها في مكان خاطىء في المادة الوراثية للمضيف مُحدِثةً بذلك طفرةً غيرَ مرغوبة وقد تكون نتائجها خطيرة جدًّا.
وفي ظل هذه السلبيات والعقبات؛ ظهرت تقنيةٌ حديثةٌ عُرِفَت بِاسم كريسبر CRISPR لتحلَّ بعض من هذه المشكلات وتعيدَ الأمل إلى مبدأ العلاج الجيني، وقد أظهرت هذه التقنية القدرةَ على استهداف الجينات المرضية بنوعيةٍ عاليةٍ عن طريق استخدام أدواتٍ خاصّة للتعرُّف إلى التسلسل الجيني المَرَضيّ والتخلص منه دون التأثير على التسلسلات الجينية الصحيحة عند خلايا المريض.
ولكن كيف تعمل هذه التقنية؟
تعتمد هذه التقنية على إحداثِ قَطْعٍ مُزدوَجِ السلسلة في المادة الوراثية (DNA) للمريض في مكان الجين المَرَضي، وتَستخدِمُ هذه التقنيةُ قطعةً دليلةً من الحمض النووي (Guide RNA) لإحداث هذا القطع في مكان الجين المَرَضي فقط وعلى نحوٍ نوعي، ويؤدي هذا القطع إلى إسكات الجين المرضي (Gene Silencing) أو تحريضِ آلياتٍ لإصلاح الـDNA الطبيعية الموجودة في خلايا المريض، وينتجُ عن ذلك إيقافُ التعبير الجيني المرضي أو إصلاحُ الخلَل والحصولُ على نسخة صحيحة من الجين مطابقةٍ للموجود عند الأصحاء.
ومع النجاح الذي أظهرته هذه التقنيةُ في العلاج الجيني في تجاربَ على حيوانات التجربة؛ فإنَّ آمالًا كبيرةً مُعلَّقةً على نجاحِها في المجال الطبي؛ إذ يدرس العلماء حاليًّا كيفيةَ استخدام هذه التقنية في مجال علاج الناعور، والتلاسيميا، والتليف الرئوي وغيرها من الأمراض الوراثية، إضافةً إلى إمكانية استخدامها لمحاربة العدوى الجرثومية والفيروسية عن طريقِ تسخيرها لقطع المادة الوراثية لهذه العُضيَّاتِ المُمرِضة.
وأخيرًا؛ جديرٌ بالذكرِ أنَّ كلمة كريسبر (CRISPR) هي اختصار لعبارةٍ طويلةٍ هي: (Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeat)، ويُستخدَمُ هذا الاسم للدلالة على التسلسلات الجينية التي اكتُشفَت أصلًا في بعضِ الخلايا الجرثومية والتي أدَّت في النهاية لاكتشافِ هذا النظام وتطويره؛ لاستخدامه في مجال الهندسة الوراثية والعلاج الجيني.
المصادر:
1. هنا
2. هنا
3. هنا