انتعاش الاقتصاد السويدي مع قدوم المهاجرين
الاقتصاد والعلوم الإدارية >>>> اقتصاد
في عام 2015؛ جاء "حسام الحمصي" إلى السويد؛ وهو واحدٌ من مئات آلاف اللاجئين الذين فرُّوا من أهوال الحرب السورية التي لا يمكن تصوُّرها أبدًا، ووجد نفسه بعد ثلاث سنوات ضمن مجموعة ديموغرافية سياسية مُتأثِّرة بصدمات كبيرة منذ قرن مضى.
وستعقد البلاد انتخابات وطنية في 09/09/2018 تضمُّ قرابةَ 10 مليون شخص؛ إذ أظهرت الاستطلاعات أنَّ ملفَّ الهجرة هو من القضايا الساخنة للناخبين -إن لم يكن الأهم- في هذا الوقت، ويبدو أنَّ حزب الديمقراطيين في السويد (وهو حزبٌ قوميٌّ يدعو إلى فرض قيودٍ صارمةٍ على العدد المسموح به سنويًّا من المهاجرين) يستعدُّ لامتلاك أكبر عددِ مقاعدَ في الهيئة التشريعية.
لقد فقدت الخطاباتُ السياسية مصداقيَّتها لأنَّ المهاجرين مثل "الحمصي" قدَّموا علاواتٍ كبيرةً للاقتصاد السويدي الذي يبلغ حجمه 540 مليار دولار؛ إذ أنتج استقبالُ السويد لأعداد هائلة من اللاجئين والمهاجرين قرابة الـ 600 ألف دولار على مدار السنوات الخمس الماضية؛ وهي من أعلى معدَّلات النموِّ في أوروبا، وستساعد على التصدي للأزمات الناتجة عن الشيخوخة أيضًا.
ويقول الخبير الاقتصادي لارس كريستنسن Lars Christensen مؤسِّس شركة Markets & Money الاستشارية: "لقد جاء هؤلاء اللاجئون والمهاجرون في الوقت المناسب، وأنا قلقٌ جدًّا لعدم وجود حوافزَ للعمل في دولةٍ تتميَّز بالرفاهية كالسويد؛ ولكنني لست قلقًا بشأن 250 ألف لاجئٍ وصلوا إلينا"؛ إذ ارتفعَ الناتجُ المحليُّ الإجمالي GDP في السويد أكثر من 3% في الربعَين الأول والثاني من العام 2018؛ وهو أسرعُ معدلِ نموٍّ في أوروبا والذي بلغ 2% في السنوات الأخيرة، فقد منحت الحكومة السويدية الآلاف من رُخَصِ العمل للمبرمجين والمزارعين والطبَّاخين، وشكَّل العاملون الأجانب الحصَّةَ الأكبر في القطاع الصناعي العام الماضي، ونسبةَ 90% من الوظائف الجديدة في قطاع الرعاية الاجتماعية ولا سيِّما الرعاية الصحية ورعاية المُسنِّين. وقالت وزيرة المالية السويدية ماجدالينا أندرسون Magdalena Anderson في 16/08/2018: "يحصل الوافدون اليوم على وظائفَ أسرعَ بمرتين من المهاجرين الذين وصلوا إلى السويد في أواخر العقد الماضي"؛ إذ يبلغ معدَّل المهاجرين في السويد 82%؛ أي أعلى بما يقارب 4% من متوسط العمالة الأجنبية في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من هذا بقي سوقُ العمل في السويد يُواجه مراحلَ صعبةً لاستيعاب التدفُّق الكبير من العمال حتى بوجود قرابة 100 ألف شاغرٍ وظيفيّ؛ إذ بلغت نسبة البطالة الأجنبية 20% مقارنة بـ 6.8% من إجمالي نسبة البطالة المحليّة والعالميّة.
دائمًا ما يرغب الديمقراطيون في السويد في أنَّ تتوقف البلاد عن استقبال طلبات اللجوء مُدَّعين بأنَّ الزيادة في نِسَب المواطنة الأجنبية تُهدِّد التماسك الاجتماعي للأمة، إضافة إلى التسبُّب باستنزاف نظام الرعاية الاجتماعي، ومن المتوقَّع أن يحصل الحزب على دعم أكثر من 20% من إجمالي الناخبين بحسب استطلاعات الرأي.
في عام 2014؛ حثَّ رئيس الحكومة السويدي السابق فريدريك راينفيلدت Fredrik Reinfeldt المواطنين في السويد على استقبال اللاجئين برحابةِ صدر؛ ولكن أزعجت الزيادةُ الكبيرةُ في تدفُّقِ اللاجئين في السنوات الأخيرة السويديين؛ إذ أشارت وسائل الإعلام المحلية بأنَّ نسبة تزايد الجريمة في السويد تتوافق تمامًا مع ازدياد عدد اللاجئين الأجانب، إضافة إلى تصويرها اللاجئين على أنهم عبءٌ على دافعي الضرائب، وبما أنَّ الديمقراطيين في السويد استغلُّوا موضوع اللاجئين لتحقيق مآربهم السياسية؛ فإن جميع الأحزاب الرئيسة أيَّدت فكرةَ فرضِ القيود للحدِّ من استقبال اللاجئين أيضًا.
إن "الحمصي" شابٌ حاصل على شهادة الماجستير بإدارة الأعمال MBA، ولديه اطلاعٌ على مجال سوق البورصة والعقارات، وخبرةٌ مهنيةٌ خوَّلتهُ الحصول على عمل في دبي وكوالالمبور وموسكو ونيجيريا، وما إن حصل على اللجوء إلى السويد حتى أرسل أكثر من 300 طلب توظيف فورًا، وبالفعل دُعيَ إلى الحصول على تدريبٍ غير مدفوعٍ في شركة "مايكروسوفت".
والأمر الذي ساعد على زيادة فرص اللاجئين هو وجود برنامج ماجستير إدارة الأعمال -المُصغَّر- في مدرسة ستوكهولم للاقتصاد the Stockholm School of Economics، والتي تُقدِّم دورات مُكثَّفة مدَّتها 10 أسابيع تتضمَّن دراسات إدارية وثقافة العمل السويدية للمهنيين الوافدين حديثًا، وأيضًا سبعة أشهر تدريب في شركات سويدية مثل Telefonaktiebolaget LM Ericsson وSpotify Technology SA وفي القطَّاع المصرفي كمصرف Nordea Bank AB أيضًا، والجدير بالذكر أنه قد تخرَّج 29 طالبًا في أثناء عامين من هذا البرنامج، ويعمل "الحمصي" الآن في شركة Deloitte Touche Tohmatsu Ltd في ستوكهولم.
ذكر المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة Novare Potential (وهي شركة توظيف مختصَّة باختيار المرشَّحين وعرضهم على المشاريع المختلفة) بأنه دائمًا ما تكون الأولوية المطلقة لدى الوافدين هي إيجاد عملٍ قبل أيِّ شيء، ونجد إحباطًا واضحًا لدى هذه المجموعات دائمًا.
يبلغ الشاب "إسماعيل القدرو" من العمر 34 سنة؛ وهو طبيب جراحة الأوعية الدموية في مدينة الرقة السورية، ويعمل اليوم في مستشفى في مدينة Eskilstuna التي تبعد عن مدينة ستوكهولم قرابة 90 دقيقة بالسيارة، وهو دائمًا ما يتعقَّب المهنيين المتعلمين في بلاده عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ليجدهم يكافحون من أجل العمل فيقول: "أنا أعرف طبيبًا بدأ عاملًا في مطعم بيتزا، وشخصًا آخر يعمل في رعاية المُسنِّين".
لقد أمضى "القدرو" مدَّة أربعة أشهر سيرًا على الأقدام وعن طريق القوارب من أجل الوصول إلى السويد، وقضى ليالي الشتاء في الطرقات، وأمضى 10 شهور بعدها في إجراءات اللجوء ودراسة اللغة السويدية، وأمضى سنةً كاملةً للحصول على رخصة طبية محلية، وتمكَّن أخيرًا من الحصول على ثلاثة عروض عمل بعدما قدَّم أكثر من 100 طلب توظيف. ويُضيف "القدرو" قائلًا: "إنَّ أربابَ العمل حذرون من دعوة الأشخاص ذوي الأسماء الأجنبية إلى مقابلة عمل"؛ ولكنه يُتابع: "يجب ألا نستسلم".
يرتفع النمو الاقتصادي في السويد بوتيرةٍ سبقت مثيلاتها في الاتحاد الأوروبي؛ وذلك بفضل تدفُّق أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين، ويُشجِّع الحزب القومي على تزايد هذا العدد للحصول على أكبر عددٍ من أصوات الناخبين في الانتخابات المُقبلة.
المصدر:
هنا