أعراض عصبية قد تشير إلى وجود أورامٍ في أجسامِنا.
الطب >>>> مقالات طبية
فقد وُجِد مؤخرًا أنَّ أنواعًا من الأورام تُرسل أضدادًا عالية النوعية (antibodys) ضدَّ مستضدات (antigenes) موجودةٍ في خلايا الدماغ؛ إذ يُسبب هذا التهابًا ثُمَّ تخريبًا في خلايا عصبية مُعيَّنة يختلف توضُّعها حسب نوع الورم مما يُؤدِّي إلى أعراض متنوعة، ومن ثم يمكننا معرفة نوع الورم عن طريق الأعراض العصبية التي نشاهدها، ومن أبرز الأماكن التي تهاجمها هذه الأضداد (الجهاز الحَوفِي في الدماغ)؛ والذي يتكون من الحُصَين والتلفيف الحزامي واللوزة وأجزاء من القشرة أمام الجبهية الأنسية والحجاجية والأجزاء البطنية من العقد القاعدية والنواة الأمامية الظهرية للمهاد وهو المسؤول عن توليد المشاعر إضافة إلى دوره في الإدراك والتأثير والتنظيم الذاتي والذاكرة؛ لذلك عند إصابته تظهر أعراضٌ مميِّزة له تُسمَّى أعراض التهاب الدماغ الحَوفِي limbic encephalitis LE، والتي تتجلى في فقدان الذاكرة القريبة واضطرابات في السلوك واختلاجات.
إذن؛ ينقسم التهاب الدماغ الحَوفِي حسب السبب إلى فئتين أساسيتين:
إمَّا أن يحدث نتيجة مُسبِّب مُعدٍ (غالبًا يكون فيروسات)، وإمَّا ذاتي (نتيجة مهاجمة الأضداد لمستضدات موجودة فيه).
ومن الممكن أن يكون مترافقًا مع الأورام وأبرزها سرطان الرئة الصغير الخلايا (SCLC) وسرطان الخصية (testicular cancer) التيراتوما أو الورم العجائبي (teratoma) وسرطانُ الثدي (breast cancer)، أو قد لا يكون مرافقًا الأورام.
ويمكننا تقسيم الأضداد تبعًا لذلك إلى مجموعتين: أضداد تُهاجم مستضدات داخل خلوية وهي - دائمًا - تكون مرافقة الأورام، وأضداد تهاجم مستضدات خارج خلوية وهي أقلُّ مرافقَةً للأورام، وهي ما سنركز عليه في هذا المقال.
يتميَّز التهاب الدماغ الحَوفِي (LE) الناجم عن الأضداد الموجهة ضدَّ المستضدات خارج الخلوية باستجابته الفعَّالة للعلاج أكثر ومرافقته للأورام أقل، ونجد ذلك في الأضداد الموجهة ضدَّ معقَّد قنوات البوتاسيوم المرتبطة بالفولتاج Voltage-gated potassium channel complex أو (VGKC-complex) الموجود في جدار الخلايا العصبية التي تبيَّن مؤخرًا أنَّها لا تهاجم قنوات البوتاسيوم نفسها؛ بل بروتينات مرتبطة بها وأهمها؛ (LGI1) وcontactin-associated protein-like2 (CASPR2) وcontactin-2، ويعاني المرضى المصابون بهذا النوع (LE) اختلاجات تشمل الوجه والطرف العلوي وتُدعى FBDS أو Faciobrachial dystonic seizures أي النوبات الوجهية العضدية المختلَّة التوتر، وتظهر بشكل حَبْسة كلامية وأعراض تلقائية ونسمة حسية (والنسمة هي تَولُّد حسي دون وجود مُنبِّه خارجي ويكون هذا التولُّد الحسيّ ناجمًا عن فرط فعالية الدماغ) تشمل الوجه والطرف العلوي في جهة الإصابة نفسها، وهي مزعجة للمريض كأن يكون في وسط حديثٍ ويتوقف عن الكلام فجأة مع أداء حركات غريبة.
إذن؛ فإنَّ (FBDS) مُميزة لالتهاب الدماغ الحوفي بأضداد (VGKC-complex) الذي قد يعكس وجود ورم في الجسم؛ الأمر الذي يستدعي التساؤل: هل (FBDS) كغيرها من الاختلاجات ويمكن علاجها بمضادات الصرع الروتينية؟ أم أنَّ وجود ورم في الجسم مفعِّلٍ لهذه العملية يستدعي إجراءات أخرى لعلاجها؟
وفي دراسة أُجريت على مجموعة من القطط المصابة بنوع من أنواع صرعِ الفصِّ الصدغي يُدعَى (FEPSO) أو feline complex partial seizures with orofacial involvement؛ أي الصرع الجزئي المعقَّد الهِرِّي مع تورط فموي وجهي؛ لُوحِظ أنَّ نموذج الالتهاب في دماغ هذه القطط يُشبه الالتهاب عند البشر المصابين بالتهاب الدماغ الحوفي بأضداد (VGKC-complex)؛ إذ يُظهِر كلاهما ارتشاحًا خفيفًا في الخلايا التائيَّة بمنطقة الحُصين مع ارتشاح أضداد من نوع IGg والمتممة C9neo، وهذا النموذج يَقترحُ أنَّ (FEPSO) نموذجٌ هِرِّي (أو بمعنى آخر تشبه العديد من السمات) من التهاب الدماغ الحَوفِي بأضداد (VGKC-complex) الإنساني؛ الأمر الذي يُساعدنا في فهمٍ أعمق لهذا المرض الإنساني بإجراء تجارب على هذه القطط.
وعند إعطاء قطط الـ(FEPSO) مثبِّطات المناعة كالستيروئيدات القشرية وبسبب طبيعة المرض المناعية الذاتية لُوحظ تراجعٌ في الأعراض العصبية وحصلنا على النتيجة نفسها مع البشر عند تقديم العلاجات المضادة للمناعة كالميثيل بردنيزولون وفُصادة البلازما، ثم تمكَّنا من فهم عدم تراجع الأعراض العصبية في بعض الحالات عند القطط والبشر؛ وذلك لأنَّ التخريب المناعي الذاتي للخلايا قد حدث ولا مجال لاسترجاع ما تخرَّب.
وتُعدُّ التجارب من هذا النوع مهمةً جدًّا لفهمٍ أعمق للأمراض العصبية المرتبطة بالأورام التي تتميَّز بعلاجها بمضادات المناعة وليس بالعلاج التقليدي بمضادات الصرع، إضافة إلى كشف الورم عن طريق هذه الأعراض العصبية إذا كان لاعَرضيًا بإجراء المرنان والاستقصاءات اللازمة لإيجاده واستئصاله أو علاجه إن أمكن، وقد وُضِعت معاييرُ لهذه المتلازمات العصبية المرتبطة بالأورام PLE وأهمها أنَّه يجب أن يحدث بدءٌ تحتُ حادٍ للاختلاجاتِ وفقدانُ ذاكرة قريبة، إضافة إلى أدلَّة نسيجية أو شعاعية لالتهاب الجهاز الحَوفي واستبعاد بقية أسباب إصابة الجهاز الحَوفي، ثم وجود أدلة على تطور سرطان في غضون 5 سنوات من تشخيص الأعراض العصبية؛ فأمام هذه الحالات من التدهور العصبي مع نموذج مميَّز من الأعراض، واستجابة غير تقليدية على العلاج بمضادات المناعة؛ علينا أن نُوسِّع دائرة البحث ونفكر مرتين قبل وضع التشخيص الأكيد؛ لنستطيع إنقاذ حياة المريض بأقصى سرعة ممكنة!
المصدر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا