هل يقلل استئصالُ الزائدة الدودية من خطر الإصابة بداء باركنسون؟
الكيمياء والصيدلة >>>> الآثار الجانبية
عرَف الأطبّاءُ والمرضى منذ فترةٍ طويلة وجودَ بعض الارتباط بين القناة الهضمية وداء باركنسون؛ إذ إنَّ الإمساكَ وغيرَه من مشكلات الجهاز الهضمي تكون شائعةً جدّاً قبل سنواتٍ من تعرُّض المريض للرعاش وصعوبة الحركة، اللّذَين يقودان في النهاية إلى تشخيص داء باركنسون.
وعلى مدى سنواتٍ عدّة؛ افترض العلماء وجودَ رابطٍ بين القناة الهضمية وداء باركنسون، وكانت إحدى نظرياتهم الرئيسة أنَّه يمكن للبروتين "alpha-synuclein" السيّئ -الذي يُختزَن في الزائدة الدودية- أن ينتقل من الألياف العصبية في الجهاز الهضمي عبر العصب المبهم إلى الدماغ، مُسبِّبًا سُمَّيةً للخلايا المعنية بالحركة، وقد كانت هناك أدلّةٌ سابقة تشير إلى أنّ الأشخاصَ الذين خضعوا لعملية قطعِ العصب المبهم (بوصفه جزءًا من علاج قديم لم يعد يُستعمَل حاليًّا) كان خطرُ إصابتهم بداء باركنسون أقل. كذلك أشارت بعضُ الدراسات الأصغر إلى أنّ استئصال الزائدة الدودية قد يكون وقائيّاً، لكن النتائجَ كانت متضاربة.
لماذا قد يكون الأشخاص الذين خضعوا لاستئصال الزائدة الدودية في وقت مبكر من حياتهم أقلَّ عرضةً للإصابة بالمرض الدماغي المُحفِّز للرعشة (داء باركنسون) في وقتٍ لاحق؟
عند إلقاء نظرةٍ خاطفة على أنسجة الزائدة الدودية المستأصَلة جراحيّاً؛ يتبيّنُ أن هذا العضوَ الصغير؛ الذي يُعدُّ غالبًا بلا فائدة؛ هو في الحقيقة مستودعُ تخزين لبروتينٍ غير طبيعي. ويُميّزُ هذا البروتينُ داءَ باركنسون إذا وَجد طريقه إلى الدماغ.
"انتظروا! لا تتصلوا بالجرّاح المختص، لا نقصدُ هنا أن تستأصلوا الزائدة فورًا" تقول فيفيان لابري من معهد فان أنديل للأبحاث في ميتشيغان، وهي عالمةُ الأعصاب والوراثة التي قادت فريقَ البحث. فهناك كثيرٌ من الناس الذين استأصلوا الزائدة وعلى الرغم من ذلك؛ يطوّرون داءَ باركنسون.
وفي المقابل؛ فإنّ كثيرًا من الناس لديهم هذا البروتين المُتهَم ولكنَّهم لا يطوّرون المرض، ووفقًا للدراساتِ المنشورة في مجلة Science Translational Medicine؛ قد يحمل كثيرٌ من الناس -كبارًا وصغارًا- مصابين بالداء وسليمين، كميةً من هذا البروتين المثير للقلق في زائدتهم الدوديّة.
تقول الدكتورة أليسون ويليس، اختصاصيّةٌ في داء باركنسون في جامعة بنسلفانيا، التي لم تشارك في هذه الدراسة: "إنَّ هذا جزءٌ كبيرٌ من اللغز" ويوافقها جيمس بيك، كبير المسؤولين العلميين في مؤسسة باركنسون، الذي لم يشارك هو الآخر في الدراسة، على أنّ هناك كثيرًا من الارتباطات المحتملة التي تثير الحيرة. ويشير الأخير إلى أنّه على الرغم من سمعتها؛ لكن يبدو أنّ الزائدة تؤدّي دورًا في المناعة التي قد تؤثّرُ في التهاب الأمعاء، وقد يؤثّرُ نوعُ البكتيريا التي تعيش في الأمعاء في داء باركنسون أيضًا. ولكن إذا كان من الشائع حقًّا أننا نُؤوي هذا البروتين المرتبط بداء باركنسون؛ فإنّنا نجهلُ ما الذي يبتدئ هذا الداء، ثمّ ما الذي يجعل كرة الثلج هذه بأكملها تتدحرج؟!
عملَ فريق الباحثة لابري للعثور على أدلّةٍ أقوى؛ ونعرضُ هنا ما فعلوا:
أوّلًا؛ حلّل الباحثون قاعدةَ بيانات الصحّة الوطنية الضخمة في السويد. إذ فحصوا السجلات الطبية لقُرابةِ 1.7 مليون شخصٍ استُقصِيت حالاتهم منذ عام 1964، وكان خطر الإصابة بمرض باركنسون أقلَّ بنسبة 19% بين أولئك الذين خضعوا لاستئصال الزائدة جراحيًّا قبل ذلك بعقود.
بعد ذلك؛ فحصَ الفريق نسيجَ الزائدة (سواءً ملتهبةً كانت أم سليمة) عند 48 شخصًا لا يعانون داءَ باركنسون؛ فوجدوا البروتين غير الطبيعي عند 46 شخصًا منهم، إضافةً إلى وجوده لدى بعض مرضى باركنسون. إذاً؛ أصبحت النتيجةُ حاسمة؛ فإنّ وجود هذا البروتين في القناة الهضمية ليس كافيًا لإطلاق مرضِ باركنسون، ولا بدَّ من أنّ هناك أمرًا آخرَ يجعل المسألةَ خطرةً على بعض الأشخاص دون غيرهم.
اقترحَت مزيدٌ من الدراسات أنَّ الأشخاصَ الذين طوّروا باركنسون على الرغم من استئصال الزائدة الدودية لديهم في وقت مبكّرٍ من العمر؛ ظهرت لديهم الأعراضُ بعد بضع سنوات مقارنةً بأقرانهم في العمر نفسه.
أشارت الدراسةُ إلى تحذير مُحيِّر أيضًا، إذ يبدو أنَّ الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية ينالون تلك الفائدة من إزالة الزائدة الدودية؛ أي من الممكن أن تتأثّرَ فائدة إزالة الزائدة الدودية تجاه داء باركنسون بالعامل البيئي؛ مثل التعرُّض إلى مبيدات الآفات.
ويحذّر الدكتور أندرو فيجين، المديرُ التنفيذي لمعهد باركنسون في جامعة نيويورك لانغون هيلث -الذي لم يشارك في البحث- من أنّ هذا النوع من الدراسات لا يُثبت أنّ إزالةَ الزائدة الدودية يقلّل خطرَ الإصابة بداء باركنسون.
وتضيف ويليز بينز تحذيرًا آخرَ "هناك أخطارٌ أخرى ذاتُ صلةٍ بداء باركنسون؛ مثل الإصابات الرَّضيَّة الدماغية؛ ولكن قد يكون هذا أحدَ السُّبل العديدة التي تؤدي إلى الإصابة بالداء، وهو أمرٌ مثير للغاية".
المصدر:
هنا