علاجٌ عمره ألف عامٍ يعود إلى السّاحة العلمية.. وبقوّة!
الكيمياء والصيدلة >>>> صيدلة
استعانت الدكتوة "كريستينا لي" - الخبيرة بزمن الأنجلوساكسون في جامعة نوتنجهام- بعلماء الأحياء المجهرية من مركز الجامعة للعلوم الجزيئية الحيويّة لمساعدتها على إعادة إنشاء جرعة من القرن العاشر لإنتانات العين، والتي وجدتها في كتابٍ يُدعى (كتاب بولد للعلق Bald’s Leechbook)، لمعرفة ما إذا كانت هذه الجرعة القديمة تعمل حقاً كعلاجٍ مضادٍّ للجراثيم.
ويُعتقد أنّ هذه المخطوطات قد تكون من أقدم الكتب الطبية المعروفة، وتحتوي على نصائح الأنجلوساكسونيين الطبيّة، ووصفاتٍ للأدوية والمراهم والعلاجات.
ما هي هذه الوصفة؟؟
1- نوعان من النباتات التي تنتمي للفصيلة الثّوميّة، (كالثّوم والبصل والكرّاث).
2- النبيذ.
3- الصّفراء من معدة البقرة.
تصف المخطوطةُ طريقةً محدّدةً للغاية لتحضير المحلول الموضعيّ كالتّالي:
1- استخدامُ وعاءٍ من النّحاس لتخمير المزيج.
2- التّرشيح لتنقية المزيج.
3- تركُ المزيج لتسعة أيّامٍ قبل الاستخدام.
العلماء في نوتنغهام صنعوا منه أربعة دُفعاتٍ (طبخات) باستخدام مُكوّناتٍ طازجةٍ في كلّ مرّة. كما وصنعوا دُفعاتٍ ضابطة استخداموا فيها نفس الكميّة من الماء المقطر والوعاء النُحاسيّ لمحاكاة وعاء التّخمير ولكن دون وضع المُركبّات النباتيّة.
وكانت النتائج الأوليّة للجرعة "مدهشة " بعد اختبارها في الأنبوب (In-vitro) في نوتنغهام ودعمها بنتائجِ اختبارها على نماذجٍ من الفئران في أميركا. فقد كان للمحلول آثارٌ ملحوظةٌ على الجراثيمِ العنقوديّة المُذَهّبة المقاومة للميثيسيلين (MRSA)، والتي تُعدُّ واحدةً من أكثر أنواع الجّراثيم مقاومةً للصّادات الحيويّة حيثُ يكلّفُ علاجها المليارات.
لقد حصل الفريق على نتائج جيّدة مُضاعفة** أظهرتْ أنّ مرهم (بولد) العينيّ يستطيعُ قتل ما يصل إلى 90٪ من جراثيم الـ (MRSA) المتواجدةِ في خزعاتِ الجّروح الحيّة التي تمّ تحليلها مخبرياً والمأخوذة من نماذج من الفئران. ويُعتقد أنّ التأثير القاتل للجراثيم ليس نتيجةً لمكوّنٍ واحدٍ فقط من المزيج، وإنّما من التركيبة المستخدمة وطريقة التخمير والوعاء الذي تمّت عمليّة التحضير ضمنه.
تفاصيل الدّراسة:
صنع الفريق العلميّ إنتاناتِ جروحٍ صناعيّة من خلال تنمية الجّراثيم على سداداتٍ من الكولّاجين Collagen. ثمّ قاموا بتعريض هذه الجّروح تارةً لكلّ مكوّنٍ من مرهم (بولد) على حدة، وأخرى لجميع المُكوّنات
العلاج الفردي "مكوّن واحد": لم يكن له تأثيرٌ ملموس.
أمّا العلاج كامل المكونات بحسب الوصفة المذكورة، فقد حدّ من نموِّ الجّراثيم تماماً، إذ نجت جرثومةٌ واحدةٌ من كلّ ألف جرثومةٍ فقط.
أراد الفريق معرفة ماذا سيحدث إذا تمّ تمديد المرهم، فمن الصّعب تحديدُ مدى فعاليّة هذا العلاج وما الذي سيحقّقه الدواء باستخدامه على جرحٍ حقيقيّ.
وجد الباحثون أنه عندما يُخَفَف الدّواء ويُمَدّد للدرجة التي لا يعود معها قادراً على قتل المُكوّرات العنقوديّة، فإنّه يُعرقل تواصل الجّراثيم مع بعضها، الأمر الذي يُعدُّ أساسيّاً في تكاثر الجّراثيم وتفعيل العدوى التي تُحدثها في الخلايا المُصابة.
يعتقد علماء الأحياء المجهريّة أنّ منع هذه الاتّصالات يمكن أن يكون وسيلةً بديلةً لعلاج الإنتانات.
وتمّ اختبار العلاج على الجّراثيم على حالاتٍ شائعةٍ ويصعب علاجها والتي تحدث عند تكاثف الجّراثيم ضمن مركّبات تُدعى بالـ (الأغشية الحيويّة الرقيقة Biofilms). تُبدي هذه التّراكيب في العادة مقاومةً شديدة ضدّ الصّادات الحيويّة، ولكنّ مرهم (بولد) استطاع تحطيم هذه التّراكيب واختراق دفاعاتها.
ونظراً إلى أنّ هذه العلاجات القديمة من زمن العصور الوسطى قد تمّ تطويرها بشكلٍ جيّدٍ قبل الإدراك الحديث لنظريّة الجراثيم، فإنّ ذلك يطرح سؤالين مُهمّين:
1- كيف كانت منهجية تطوير هذه العلاجات؟
2- ما مدى فعالية هذه العلاجات ضد أنواع الجراثيم المسببة للأمراض؟
إنّ الإجابة على هذه الأسئلة ستُحسّن كثيراً من فهمنا وإدراكنا للبحث العلميّ زمن العصور الوسطى وتجاربهم الطبيّة، ويمكن أن تكشفَ لنا عن طرقٍ جديدةٍ لعلاجِ الإنتانات الجّرثوميّة الخطيرة التي لا تزال تسبب الأمراض والموت.
وقد استنتج الدكتور "هاريسون" عالم الأحياء المجهريّة الذي قاد الفريق البحثيّ:
(إنّ صعود مقاومة الجّراثيم المُسبّبة للأمراض للصّادات الحيوية، وعدم وجود آليّات لتطوير مضاداتٍ جرثوميّةٍ جديدة يُشكّل تحدّياً لصحّة الإنسان. هناك حاجة ملحة لوضع استراتيجيات جديدة لمكافحة مسبّبات الأمراض، لأنّ تكلفة تطوير الصّادات الحيوية الجديدة عالية، وبالنهاية فإنّ المقاومة محتملة.
يكشف هذا المشروع نهجاً جديداً لمشاكل الرعاية الصحية الحديثة عن طريق اختبار ما إذا كانت علاجات القرون الوسطى تحتوي على المكونات التي تقتل الجراثيم أو تتداخل مع قدرتها على إحداث العدوى.
ويسعى فريق "الحيويّات القديمة Ancientbiotics " في جامعة نوتنغهام لتمويل وتوسيع نطاق هذا البحث الرائع الذي يجمع بين الفنون والعلوم، في الماضي والحاضر.
*الأنجلوساكسون: شعب أصولهم جرمانية سكنوا إنكلترا وويلز في الفترة الممتدة بين القرن الخامس وحتى الفتح النورماني عام ١٠٦٦م. مصدر المعلومة: هنا
**النتائج المُضاعفة أو التناتجيّة: هي القدرة على التّأكد من نتائج تجربةٍ ما من خلال إعادة هذه التّجربة من قبل فريق مستقل عن الذي قام بالتجربة الأساسية. مصدر المعلومة: هنا
المصادر: هنا
هنا