الحنين إلى الماضي (النوستالجيا) يعود إلينا بمردودٍ إيجابي!
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
تخيّل معي عزيزي القارئ أنك تعاين صورك القديمةِ وتشاهد صور أفراد العائلة مجتمعين معاً، أو أن تزور بيتك القديم الذي شهد طفولتك وشبابك وترى فيه غرفتك القديمة وأشياءك الخاصة، أو أن تستمع إلى أغاني السبعينات والثمانينات؛ ألا ينتابك حينها شعورٌ غريب؟ شعورٌ باللذةِ والألمِ في الوقتِ عينه؛ حنينٌ إلى طفولتك، إلى شيءٍ فقدته وتعرف يقيناً أنه لن يعود. هذا الشعور -الذي يُشعِرك أن كل ما عشته في طفولتك أجملُ مما تعيشه الآن من موسيقا وكتبٍ وأفلام- هو ما يُطلِق عليه علماءُ النفسِ اسم النوستالجيا، وهي كلمةٌ يونانية الأصل.
- أفادت الدراساتُ أن 79% من الناس يشعرون بالنوستالجيا مرةً واحدةً على الأقل في الأسبوع،ولا سيما عند الذهاب إلى أعياد الميلاد أو حفلات الزفاف وغيرها من المناسبات التي تجتمع فيها العائلةُ والأصدقاء.
ولكن؛ كيف يتولّد هذا الحنينُ إلى الماضي وما هي الوظيفةُ النفسية التي يؤديها؟
لقد كان الحنينُ إلى الماضي بمثابة اضطرابٍ منذ قرون – قلقٌ طويلٌ ومحزنٌ لشيءٍ ذهب ولن يعود– ولكن اكتشفت الدراساتُ أن فكرة الحنين ليست مجرّد عاطفةٍ موجهةٍ نحو الماضي؛ بل أنها تمتدُّ لتشمل المستقبل، مع نظرةٍ إيجابية، ويعلّقُ الدكتور (Tim Wildschut) المؤلفُ المشاركُ للدراسة قائلاً: "تحدث النوستالجيا مع الإنسان مراراً وتكراراً وتولّدُ الراحةَ النفسيةَ للشخص". قد يداهم شعور النوستالجيا الإنسان مُطلِقاً شعوراً بالوحدة، ولكن تبيّن أنه يحسّنُ المزاج ويمنحُ الحياة معنى.
- وفي دراسةٍ أُجريتْ على 266 مشاركاً، طلب الباحثون من المشاركين قضاء بضعةِ دقائقٍ في التفكيرِ والكتابةِ عن حدثٍ إيجابي من ماضيهم، وطُلِبَ منهم بعدها مباشرةً الإجابة عن أسئلةٍ تُقيّم مدى استمتاعهم بالحدث عندما وقع، وكيف يشعرون تجاهه؟
- وُجِدَ أنه كلما ازداد استمتاع المشاركين بحدثٍ ما؛ كلما ازداد شعورهم بالحنين إليه مستقبلاً، وتعطي هذه التجربة دليلاً أولياً عن مدى أهمية الاستمتاع باللحظة لتكوين ذكرياتٍ تمنحك شعوراً بالنوستالجيا لاحقاً.
- درست أبحاثٌ أخرى قدرة الموسيقا على إثارة الحنين إلى الماضي، فجعلوا المشاركين يستمعون إلى أغنيتين، الأولى قديمةٌ تذكرهم بماضيهم، والثانية عاديةٌ من زمننا الحالي، ولاحظوا مستويات تفاؤلٍ عاليةٍ لدى الأشخاص الذين استمعوا إلى الأغنية القديمة.
- بيّنت الدراساتُ أيضاً دورَ احترام الذات، ويشرح الدكتور (Wildschut): "يرفعُ الحنينُ إلى الماضي من تقدير المرءِ لنفسه؛ ما يزيدُ من التفاؤل، وأظهرت نتائجنا أن الحنين إلى الماضي قادرٌ على تسهيل التصورات لمستقبلٍ أكثر إيجابية، وتساعدُ ذكرياتُ الماضي على الحفاظ على احترام الذات في الزمن الحاضر للشخص، وهو ما يمكن أن يساهم في النظر إلى المستقبل نظرةً أكثر إشراقاً؛ إذ تشير نتائجنا إلى أن الحنين إلى الماضي -عن طريق تدعيم التفاؤل- يساعدُ الأفراد على مواجهة الشدات النفسية".
- تشيرُ هذه الدراسات إلى أن الجهدَ المبذول للإحاطة بتجربةٍ حاليةٍ وتقديرِها يُقِيمُ دعائمَ ذكرياتِ الحنين إلى الماضي. فإن كنت ترغبُ في إنشاء ذكرياتٍ أدفأ للمستقبل؛ تأكد من أن تُسعِد نفسك بالمناسبات الخاصة.
Image: pixabay
المصادر: