هل يمكن لأطبّاء الأسنان اكتشاف الأمراض النفسيّة من فحص الفم؟ (الجزء الأول)
الطب >>>> طب الأسنان
وكذلك العلاقة بين الصّحة الفموية والنفسية متبادلة؛ إذ تعزّز الصّحة الفمويّة الجيدة والعادات السنيّة الصّحيّة كلًّا من الصّحة العامة والنّفسيّة.
وعلى الرغم من أن الأبحاث في دراسة العلاقة ما بين الصّحة الفمويّة والنّفسيّة حديثة جدًّا ومحدودة؛ لكن بينت الدّراسات أن للصّحة النّفسيّة آثار عديدة في الصّحة الفمويّة، وسنتحدث فيما يأتي عن أهم الأمراض النّفسيّة وآثارها في الصّحة الفموية:
الاكتئاب الشديد
الاكتئاب الشديد؛ اضطراب يرتبط بمشاعر الإنسان ويؤثّر في المزاج فترة مطولة، ويُحدث خللًا في حياة الإنسان، و قد يصيب تقريبًا 6% من الأشخاص، وهو واحد من أكثر الاضطرابات واسعة الانتشار المهددة للحياة؛ إذ يصبح هناك فقدان للاهتمام والمتعة بكامل النشاطات اليومية أو جزء منها، ويترافق مع فقدان في كلّ من الشهية والوزن واضطرابات في النوم (عادة أرق) وانخفاض في الطاقة، ويظهر الفرد حزينًا (خائفًا في كثير من الأحيان)، ويُعبِّر عن مشاعر انعدام القيمة والأمل والشعور بالذنب، ويعاني من صعوبة في الذّاكرة والتّركيز، ويكون مشتتَ الذهن ومترددًا، وتراوده أفكار الموت والانتحار كثيرًا، وتَترافق مع الاكتئاب الأوهامُ والهلوسة باستمرار، ويشعر بالاضطهاد، وعندما يكون الفرد مكتئبًا بشدّة؛ يحصل تراجع واضح في العناية الشخصية وشبه غياب كامل للصحة الفموية، وتكون التظاهرات الفموية الشائعة عند مرضى الاكتئاب الشديد:
1. صحة فموية سيئة.
2. تخرب سنيّ منتشر.
3. مرض لثّة معمم متطور.
4. فقدان متعدد للأسنان.
5. التعويضات السنية غير ملائمة.
6. متلازمات ألم وجهي فمويّ متنوعة.
7. جفاف فم.
8. تغذية سيئة.
ويؤثّر الاكتئاب في الألم بسبب تضخيم المريض للأعراض التي يشعر بها أيضًا.
يُعالَج الاكتئاب الشديد بالأدوية والعلاج النفسي والحمية والتمرينات الرياضية وتصحيح اضطراب النوم، ويعالج في بعض الأحيان بالصدمة الكهربائية (ECT)، وقد توصف العديد من أدوية الاكتئاب.
ويتضمن التدبير السني معالجةَ مشكلة سوء الصّحة الفموية والنّخور الناتجة وأمراض اللثّة، وتكون عملية تحفيز المريض لتحسين الصحة الفموية صعبة، وكذلك يجب معالجة جفاف الفم النّاتج عن أدوية الاكتئاب. ويشرب العديد من هؤلاء المرضى سوائلَ مسببة للنخر السني، ويتناولون الحلويات ويَمضغون العلكة للتّخلص من جفاف الفم، ويُستطَب اللعاب الصناعي في تلك الحالات.
الاضطراب ثنائي القطب
يُدعى الاضطراب ثنائي القطب أيضًا بالهوس الاكتئابي، ويعاني فيه المريض من فترات مطولة ومتناوِبة بين الاكتئاب (الإحباط) والهوس (الانفعال الشديد)، ويعاني منه قرابة 1% من الأشخاص، ويوجد ارتباط عائلي كبير في هذا المرض.
ويعاني المريض ضمن فترات الهوس من فرط نشاط؛ يتضمن ذلك المشاركة الواسعة في عدة نشاطات (جنسية، وتعليمية، وسياسية، ودينية)، ويتحدث بصوت عالٍ وسريع، ومن الصعب مقاطعته، ويجري تغيرٌ مفاجئ بالحديث، ومن الممكن البقاء مدّة أيام من غير نوم دون الشعور بأي تعب، ومن أكثر المضاعفات شيوعًا في فترة الهوس هو إدمان المخدرات، والنتائج اللاحقة لسوء المحاكمة؛ مثل الخسارة المالية والنشاطات غير القانونية. وتحدث في أثناء فترة الاكتئاب الأعراض ذاتها التي شرحت في الفقرة السابقة. وقد لوحظ في دراسة أجريت على مجموعة أفراد كانوا خاضعين مسبقاً لمعالجة نفسيّة في إحدى المستشفيات التدخينُ الشديد عند 93% من المرضى، وإدمان الكحول عند 38% منهم؛ إذ إنّ ضرر كلٍّ من التدخين والكحول كبيرٌ على الصحةَ الفموية، وتتضمن التظاهرات الفموية في أثناء فترة الهوس: تآكل المخاطية الفموية، وسحل أعناق الأسنان نتيجة استخدام فرشاة الأسنان أو الخيوط السنيّة المفرط، وتعدُّ مضادات الاختلاج مثل كربونات الليثيوم ومضادات الذهان فعالة في معالجة نوبات الهوس، ومن الممكن أن يسبب العلاج بكَربونات الليثيوم التهابَ فم وجفاف فم متزامن، ولوحظ حدوث فرط إِلعَاب في بعض الحالات.
تكون التظاهرات الفموية في فترة الاكتئاب مماثلة لما ذُكر في فقرة الاكتئاب الشديد، وتعالج بوصف مضادات الاكتئاب مؤقتًا.
الفُصام
الفُصام ليس تعددًا في الشخصيات كما يعتقده البعض؛ بل هو انفِصال الشخصية عن الواقع، وهو مرض نفسي يتّصف بدرجات مُختلفة من اختلال الشّخصية، ويستمر -على الأقل- ستة أشهر متتالية، ويحدث تشوش في الأفكار بأوهام غريبة، والتشبث بأفكار من دون تفسير منطقي لها، ويتخيل المرضى أنّه مضطهدون كأنّ أحدهم يتجسس عليهم، ويعطي معان سلبية غير اعتيادية للأشخاص والأحداث؛ كالاعتِقاد بأنّ البرنامج التلفزيوني موجّه لهم خصوصًا، وينتقلون في حديثهم بسرعة بين عِدة مواضيع مُختلفة على نحوٍ غير مترابط، ويعانون من هلوسات؛ كسماع أصوات وعبارات وحتّى شتائم، وذلك من دون وجود مصدر خارجي حقيقي، ويغيب لديهم التعبير عن المشاعر ويترافق ذلك مع نبرة صوت رتيبة ووجه خال من التعابير؛ ذلك بسبب كونهم مشوشين دومًا، فإنّهم يهملون المعالجة السنية أو يرفضونها؛ فيؤدي ذلك إلى التّخريب السني وأمراض اللثة، ويزيد جفاف الفم الناتج عن أدوية الفصام من ذلك. يُعالج الفصام بأدوية مضادات الذهان التي لها أثر جيد في تحسين مزاج المريض وعملية التفكير، ولكن لهذه الأدوية آثار جانبية؛ فهي تسبب الهياج والعصبية وتشنج عضلات الرقبة والضَزز (عدم القدرة على فتح الفم بسبب تشنج العضلات الماضغة) وتبارز اللسان أو يظهر عند المريض حركات شبيهة بالبَاركنسون (الشلل الرُّعاش) والتي تتضمن حركات وجهية مستمرة خاصَّة في الشفاه والفكين؛ مثل مضغ الشفة.
ومن الممكن أن يصاب هؤلاء المرضى بتعذر الجلوس، والذي يتظاهر بالضجر وعدم القدرة على الجلوس فترة طويلة والرغبة بتحريك جَسدهم وأقدامهم والنهوض في أثناء المعالجة السنية. ويكون الأشخاص المصابين بالفصام البارانويدي موسوسين، ويجب الاقتراب منهم والتكلم معهم ببطء وبطريقة غير مخيفة، ويجب عدم إجراء حركات مفاجئة، ويجب تهيئة المريض نفسيًّا للمعالجة السنية وإخباره بالإجراءات التي سيفعلها الطبيب في كلّ خطوة لاحقة.
وسنتابع في الجزء الثاني الحديثَ عن مرضى الخرف، ومدمني الكحول والمخدرات، واضطرابات الطعام..
المصادر:
1. هنا;
2. هنا
3. Clinical Immunology in Diagnoses of Maxillofacial Disease
Nathaniel Treister - Arturo Saavedra - Alessandro Villa - 2017 - Contemporary Oral Medicine, pp.1-25