الحب عند الكاتب وليد الحجار
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
لماذا نحبُّ وهل نستطيعُ العيشَ دون حبٍّ؟ هو سؤالٌ لم يتوقَّفِ الإنسان عن طرحه منذ الأزل، ولم تنتهِ الإجاباتُ عنه حتى يومنا هذا.
تأثَّرت بعضُ الإجاباتِ بفلسفةِ كلٍّ من أرسطو ومن بعده سارتر، وفسَّرتِ الحبَّ أنه ذلك الشَّيء الذي يساعدُك في معرفةِ حقيقةِ نفسك على نحوٍ أفضلَ عن طريق من تحب، وذلك عندما تكونُ ردودُ أفعالِ المحبوب وتصرفاته مرآةً لما تؤديه من أفعالٍ، وإن كان هذا لا ينطبق بالضرورة على مشاعرِ النشوة التي تشعر بها عندَ الإحساس بفيضٍ غامرٍ من العواطف.
ويبقى أهمُّ ما في الحب أنَّه السببُ في إبراز أفضلِ ما فينا، فالحبُّ لا يعرف حدوداً أو معاييرَ محددةً، فعندما تشعرُ بالانجذابِ لشخصٍ ما فإنَّ جملةً من المشاعرِ والأحاسيس الرائعة تُوْلَدُ فينا بصرف النَّظَرِ عمَّن يكونُ ذلك الشخص، والدماغُ الذي يختبر مشاعر الانجذاب إلى شخص آخر -وفقاً لبعضِ علماءِ النفس- يشعُّ كشمعةٍ مضيئةٍ عندَ التَّحدث إلى ذلك الشخص.
وأظهرت بعضُ الدراساتِ أنَّ القلبَ يخفقُ بمعدل ثلاث إلى أربع مرات أسرع من الطبيعيِّ عندما نكون واقعين في الحب، ويؤدي ذلك إلى الإحساس الغريب في المعدة كما لو أنَّ فراشاتٍ تحومُ فيها، وأضافت تلك الدراسات أنَّ الشّعور بالحبِّ يُشبه الشّعور بالنشوة التي نحصلُ عليها عندما نختبر القيادةَ بسرعاتٍ عاليةٍ جدّاً أو النشوة التي تصيبنا عند تعاطي الكوكايين لأنَّ لها شعوراً سريعاً ومؤقتاً، وقد قَدَّرَتِ الدراسات نفسها أنَّ تأثير هذا الشعور يمكن أن يستمر ما بين ثلاثٍ إلى سبع سنوات.
وهذا لا يناقض الحقيقة التي تقول إن الحب كان -وما زال- هو المُتَحَكِّمَ فينا نحن البشر، وإننا نسعى دوماً للحصول عليه، فإن حصلنا عليه فإنَّ ذلك بمثابة الفوز العظيم لنا، وإن خسرناه فإننا نشعرُ بألمٍ عميقٍ، ألمٍ يدومُ كما لو أنَّ ناراً تضطرم ببطءٍ فينا وترفضُ أنْ تنطفئ.
تختلفُ ردود أفعال البشر تجاه فقدان الحب، وقد يُوجِّه البعضُ الغضبَ إلى أنفسهم عندما ينفصلون عمَّن يحبون، ويرجع ذلك إلى شعورهم برفضِ هذه الخسارة ممَّا يُعمِّقُ لديهم الشعورَ بالاكتئابِ ويترك آثاراً نفسيَّةً سيئةً طويلةَ الأمد.
إنَّ عمليَّةَ جلدِ الذّاتِ هذه قد تُسببُّ جروحاً نرجسيَّةً يمكنُ أن تختلفَ شدتها من خفيفة تتمثل بالتشكيك بالقدرات الذاتيَّة إلى درجاتٍ متقدِّمةٍ من فقدان التقديرِ للذات كلياً، إذ يُشكِّكُ الإنسانُ في حبِّ الآخرين له وقدرته على التأثير فيهم، وكذلك يشكِّك في الثَّقِة بقدرته على المضيِّ قدماً في الحياة، وربَّما يصلُ الأمرُ إلى الموتِ نتيجةَ الألمِ النَّاجمِ عن فقدانِ الأحبة، ويمكنُ أن تتطوَّرَ الأعراضُ السَّريريَّةُ بعد صدمة الفقدانِ إلى آلامٍ حقيقيَّةٍ في منطقةِ الصَّدرِ والقلبِ وتؤدّي إلى الوفاة، وقد نقلتْ لنا الروايات والأساطير حالاتٍ عديدةً من الموت نتيجة فقدان الأحبة.
أنواع الحب:
قسَّم فلاسفة الإغريق الحب الى عدَّةِ أنواعٍ منها:
ستورج (storge): هو الحبُّ الرقيقُ الحَنونُ الذي يَجمعُ بين الأفرادِ لا سيَّما أفراد العائلة الواحدة.
فيليا (philia): وهو الحبُّ الذي يَشعُر به الإنسان تجاهَ أشياءَ كثيرةٍ وليس تجاه الأفراد والأصدقاء فقط.
آغابيه (Agape): وهو الحبُّ الروحي غير المشروطِ الذي يُنكر فيه الإنسان ذاته سواء عن طريق حبِّ الله أو حبِّ عمل الخير.
أيروس (Eros): وهو الحبُّ الرومانسيُّ الذي نقعُ فيه ويَسلبُ منَّا الإرادةَ وغالباً ما يكونُ مرتبطاً بالمشاعر والرغبات.
فكرةُ الحبِّ الحقيقيِّ الواحد نشأت مع أفلاطون حين اعتقدَ أنَّ الرّوح تنْقَسِمُ إلى نصفين؛ النصفِ الأوَّلِ يأخذُ مكانَه في جسدِ الرَّجل بينما يستقرُّ النصفُ الثَّاني في جسدِ المرأة، وقُدِّرَ للإنسانِ أن يَجتمعَ بنصفِه الآخرِ أو ما يُسمَّى بـ توْءَم روحه، فلا أحدَ يُمكنُ أنْ يعنيَ لنا شيئاً في هذا الكون بقدرِ ما يعنيه نصفنا الآخر لنا، وقد تعددت الدراسات عن هذه الفكرة وقد رأت بعض تلك الدراسات أنَّ هذه الفكرةَ تُعطي صورةً غيرَ واقعيَّةٍ عن الحب، بينما رأى آخرون أنَّ هذا المفهومَ يسعى الى إعطاءِ فكرةٍ أكثر رومانسيَّة للبحث عن النصف الآخر وما زالَ الجدلُ عن فكرة أفلاطون قائماً إلى يومنا هذا.
أمّا نظريَّةُ سيغموند فرويد -وهو من أوائل علماء النفس الذين درسوا الحب- المسمَّاةُ بعقدةِ أوديب فترى أنّ الأولاد الذكور ينجذبون لأمَّهاتهم ويتمنون الموت لآبائهم، في حين تطوِّرُ الفتياتُ الصّغيراتُ مشاعرَ حبٍّ تجاه آبائهم وذلك ما يُطلق عليه عقدة إلكترا.
أثارت نظرية فرويد الكثير من الجدل وشُكِّكَ فيها إلى حدٍّ كبير، بسببِ الرفض الكبير لفكرةِ الجنس لدى الأطفال والحبّ بين المحارم، ولكنَّ نظريَّةَ فرويد كانت مهمَّةً للغايةِ في وضعِ الأسس النَّفسيَّةِ للحب، بل إن الكثيرين اعتمدوا على نظريته في تفسير ميلِ الأفرادِ إلى الزَّواج من شركاء يُشبهون آباءَهم.
الحبُّ هو بالتَّأكيدِ عاطفةٌ، وعاطفةٌ قوية لدرجةٍ لا تُصدَّق، ولكنَّ التعريف الدقيق للعاطفة في العلوم الاجتماعيَّة هو تعبيرٌ "يَظْهَرُ على الوجه"، ويتضمَّنُ كلّاً من السَّعادةِ، والفرح، والقرف، والغضب والاندهاش ...كلها عواطفُ يمكنُ ملاحظتها بسهولةٍ عن طريق تعابيرِ الوجه، وهي جميعها جوانبُ مهمَّةٌ للغايةِ بالنسبةِ لإدراكِ مهاراتِنا الاجتماعية وقدرتنا على التواصل ولكلٍّ منها غرض وهدف.
الحبُّ الحقيقيُّ لا يلعبُ بأرواح الآخرين ولا يقوم على ما يمكن أن تُقدِّمَه لشريكك أو ما يُمكن أنْ تحصل عليه من الشريك! الحبُّ الحقيقيُّ هو صلاةٌ ووعودٌ نقطعها حتى الموت، وإخلاصٌ لا يتزعزع تجاه روح محبوبك وروح العالم.
العواطفُ والرغباتُ تأتي وتذهب كما تشاء، والظُّروفُ يُمكنُ أن تتغيَّرَ بطريقةٍ مذهلةٍ، ولكنَّ الحب الحقيقي لا يتزعزع، الحبُّ الحقيقيُّ يحتملُ العواطف جميعها وهو في مأمن من الأزمات، والخيانة، والطلاق.
الحقيقة الثابتةُ عن الحب أنَّه عنصرٌ ثابتٌ في الحياة على الرغم من تعدد التسميات، الحبُّ لا يقتصر فقط على العلاقات الرومانسية، الحب في كل مكان، إنه في ضمَّةِ طفلٍ، وفي اهتمامِ صديقٍ، وفي اجتماعِ العائلة، وفي قلوبِ حيواناتك الأليفة.
عندما تشعرُ بأنّك ضائعٌ، ويبدو كما لو أنَّه لا حبَّ يُوجدُ من حولك فأنت في الحقيقة تستمع إلى الحب بلغة البشر بدلا من أن تستمع إلى لغة الحب.
يقول الكاتب: الحبُّ بالنسبةِ لي يحيا في عالمٍ أعمقَ بكثيرٍ من عالمِ العواطف... في ذلك المكان القصيِّ والغني حيث لا تُعبِّرُ الكلماتُ عن الكثير من المعاني!
هناك... سوف يكون الحب حولنا... في ذلك الصمت المليء بالمعاني.
المصدر:
هنا