تجليّات نسويّة في حياة المفكّرة ماري وولستونكرافت (Mary Wollstonecraft)
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> أعلام ومفكرون
عامَ 1768، انتقلت عائلةُ وولستونكرافت إلى مزرعةٍ خارجَ Beverley، حيث ارتادت ماري مدرسةً محلّيّةً للبنات. اعتَمدت المدرسةُ مَنهجًا مُعَدًّا لجعلِ الفتياتِ مهذَّباتٍ ومُهَيَّآتٍ للزواج، يُجِدْن الفرنسيةَ، والتطريزَ، والموسيقا، والرقصَ، والكتابة، وربما القليلَ من الحسابِ وعلمِ النبات. في المنزل، وبصحبةِ الأصدقاء، كانت ماري تقرأُ الكتبَ والمجلاتِ والجرائد، وتعلمَت التفكيرَ في القضايا الاجتماعيةِ التي تهدِّدُ بريطانيا العظمى. في Beverley، حضرت ماري محاضراتِ John Arden عن العلومِ التجريبيّة، الذي قام بتعليمها هي وابنتَه Jane Arden كيف تناقشان المشاكلَ الفلسفيّة.
عندما كانت ماري في الخامسةَ عشْرةَ من عمرِها، تركت عائلةَ وولستونكرافت في Beverley وانتقلت إلى Hoxton في لندن. تابعت ماري تعليمَ نفسِها من خلالِ قراءةِ الكتبِ والنشراتِ الدوريةِ المتوافرةِ في المكتباتِ والمقاهي، ومن خلالِ حضورِ مجموعاتِ النقاشِ والمحاضراتِ عامّةً. شجّعَها جيرانُها؛ الأبُ كلير وزوجتُه، على قراءةِ الكتب المناسبة، وعن طريقِ السيدةِ كلير، التقت ماري Fanny Blood، وهي امرأةٌ تكبرُها بعامين، وقد أصبحت صديقةَ ماري المقرَّبةَ خلالَ الأعوامِ العشْرِ التالية. ألهمت Fanny ماري أن تتركَ حياةَ عائلتِها البائسةَ وتتوظَّف. تحضّرت ماري للرحيل، لكنّ والدتَها توسّلت إليها أن تبقى، وسمحت لها أن تعيشَ بالقربِ من Fanny مع ثنائيٍّ غيرِ عاديّ؛ توماس تايلر (الأفلاطونيّ) وزوجتِه. أصبحت ماري صديقتَهم وبدأت تقرأُ لأفلاطون، الذي أثار تطوُّرَ مشاعرِها المتديِّنة. وبعدَ وفاةِ أمِّها عامَ 1782، انتقلت مع Fanny وعائلتِها، وعملت؛ لمساعدتِهم وإعالةِ أخواتِها الصغيرات.
عامَ 1783، ساعدت ماري شقيقتَها (إليزابيث وولستونكرافت بيشوب) لتهربَ من زواجِها الحزين؛ إذْ خَبَّأتْها إلى أن تمّ الانفصالُ القانونيّ. غادرت إليزابيث منزلَها وطفلَها الوليد، وأمضت بقيةَ حياتِها معلّمةً ومربِّيَة. في بواكيرِ عامِ 1784، أسّست ماري مع شقيقتَيْها وFanny مدرسةً للفتياتِ في قريةِ Newington Green شمالَ لندن. في السنواتِ التالية، تركت Fanny المدرسةَ وأَبحرت إلى Lisbon لتتزوّج. وبعد مدّةٍ سافرت إلى البرتغال؛ لتساعدَ Fanny في ولادتِها، وحدثت المأساة؛ إذْ تُوفيتْ Fanny. عامَ 1786، أُجبرت ماري على إغلاقِ المدرسةِ بسببِ مشاكلَ ماليةٍ حدثت خلالَ غيابِها. وأصبحت مربِّيَةً لثلاثٍ من بناتِ السيدةِ Kingsborough في أيرلندا، لكنها تركت وظيفتَها بعدَ عام. إنّ خبراتِها -بصفتِها معلّمةً- ساعدتْها على صياغةِ أفكارِها لأعمالِها التالية.
سكنت ماري في شارعِ جورج بلندن، و قرّرت أن تصبحَ (السليلةَ الأولى لجنسٍ جديد)، مفكّرةً أنثى. ولتكسِبَ المال؛ بدأت تكتب: (أفكارٌ حولَ تعليمِ البنات، مع انعكاساتٍ على سلوكِ المرأةِ في أهمِّ واجباتِ الحياة)، ونُشر هذا العملُ عامَ 1787 عن طريقِ Joseph Johnson، وهو ناشرٌ للنصوصِ الراديكاليّة. أكسبَها كتابُها عشْرةَ جنيهاتٍ، أعطتهم لعائلةِ Blood. نَشرت أيضًا (Mary، A Fiction)، الذي ألّفتْه أثناءَ عملِها مربِّيَةً لعائلةِ King، وعملت أيضًا قارئةً ومترجمةً لـJoseph Johnson، بعدَ أنْ بدأت مهنتَها كاتبةً تُنشَرُ أعمالُها. عامَ 1788، نَشر Joseph Johnson عملَ ماري: (Original Stories from Real Life and of the Importance of Religious Opinions). وقد تعرّفت إلى مفكِّري لندن والمفكِّرين الراديكاليّين، وحَظِيَتْ بقبولِهم. عندما أَطلق Johnson وThomas Christie عامَ 1788 مجلةَ (The Analytical Review)، أصبحت ماري مشارِكةً منتظمةً بالمقالاتِ والتقييمات.
في نوفمبر عامَ 1790، نَشرت ماري دونَ ذكرِ اسمِها: (الدفاعُ عن حقوقِ الإنسان)، الذي كان الردَّ الأولَ على منشورِ Edmund Burke: (Reflections on The Revolution in France). وقد كانت غاضبةً لأن Burke، الذي دافع مرّةً عن المستعمَراتِ الأمريكية، يهاجمُ الآن الثورةَ في فرنسا، وينتقدُ Richard Price، صديقَها المقرَّب. وبعدَ شهر، نَشرت الإصدارَ الثاني الذي حمل اسمَها، مؤسسةٌ سمعتْ عنها أنها مُصْلِحةٌ اجتماعية. وبعدَ عام، في 1791، نَشرت الإصدارَ الثاني من (Original Stories)، وبدأت كتابةَ (الدفاعُ عن حقوقِ النساء)، والتقت أيضًا زوجَها المستقبليّ، الفيلسوفَ William Godwin، عن طريق Joseph Johnson في نوفمبر من ذلك العام.
في عامِ 1792، نَشرت ماري (الدفاعُ عن حقوقِ النساء)، الذي تلقّى الكثيرَ من الآراءِ الإيجابية، ونَشرت نسخةً أخرى منه في العامِ نفسِه أيضًا. عامَ 1793، كانت تجمعُ معلوماتٍ لعملِها (An Historical and Moral View of The French Revolution (1794) in France)، وأثناءَ ذلك التقت الكابتنَ Gilbert Imlay، تاجرَ الخشب الأمريكيّ (مؤلفَ (The Western Territory of North America، 1792))، وأصبحت على علاقةٍ غراميّةٍ معه. وسُجّلت زوجتَه القانونيةَ في السفارةِ الأمريكيةِ في باريس؛ من أجلِ كَسْبِ حمايةِ الولاياتِ المتحدةِ للمواطَنةِ خلالَ الثورة الفرنسية. وفي عامِ 1794، وَضعت ابنتَها Fanny Imlay. عامَ 1795، وبرفقةِ الخادمةِ وابنتِها ذاتِ العامين، سافرت ماري إلى إسكندنافيا نيابةً عن Gilbert Imlay. ثم عَلِمت عن خيانةِ زوجِها Imlay، وحاولت الانتحارَ مرتين. عامَ 1796، نَشرت (Letters Written during a Short Residence in Sweden، Norway، and Denmark). التقت William Godwin مرةً أخرى في نيسان 1796، وكان قد قرأ رسائلَها، فقال: «إذا كان هناك كتابٌ مدروسٌ لجعْلِ الرجلِ يقعُ في حبِّ كاتبتِه، فيبدو لي أنّ هذا هو الكتاب». بَدَأا علاقةً غَرامية، لكنْ ظَلَّا منفصلَيْن؛ حتى يستطيعَ كلٌّ منهما التركيزَ على مهنةِ الكتابة. كان Godwin ووولستونكرافت معارضَيْن للزواج؛ لكونِه شكلًا من أشكالِ الاستبداد؛ بسببِ القوانينِ التي تعطي الحقوقَ للزوجِ وتسلُبُها من الزوجة. وبعدَ أن أصبحت ماري حاملًا، تزوَّجَا في آذار 1797.
تُوفيت ماري في 10 أيلول 1797؛ بسببِ حمّى النفاس، بعدَ ثمانيةِ أيامٍ من ولادةِ ابنتِها الثانيةِ (ماري).
دُفنت في Old Saint Pancreas Churchyard، حيث يوجدُ الآن هناك نُصُبٌ تِذكاريٌّ لها، رغمَ أنّ بقاياها هي وزوجِها Godwin قد نُقِلت لاحقًا إلى Bournemouth، حيث دُفنت Mary Shelley. قام Godwin بتربيةِ ابنتِهما ماري شيلي مع ابنةِ ماري الأُخرى، Fanny. هَربت ماري الابنةُ لاحقًا مع الشاعرِ Percy Bysshe Shelley، وأصبحت كاتبةَ Frankenstein.
المصدر:
هنا