سعيد ميرخان ... رحل باكراً
الموسيقا >>>> موسيقيون وفنانون سوريون وعرب
حلم موسيقي،ّ كرّس حياته لهُ وسافر بعيداً في ملاحقته
وكأنما خُلق ليصنع الموسيقى ، موسيقى شبيهة بروحه، لكن الموّت غيّبه البارحة ليغمض اغماضته الأخيرة ..
الموسيقي السوري الشاب سعيد ميرخان توفي في العاصمة البريطانية بعد تمزق مفاجئ بالشريان الأبهر، فكانت النهاية باكرة جداً قبل أن يكتمل العطاء
الرحمة لروحك أيها السوريّ الجميل ..
بعمر الست سنوات بدأ الموسيقي الصغير بعزف المقطوعات الكلاسيكية على البيانو، ليكتشف لاحقاً عِندما يكبر أن ميوله ليست كلاسيكية وليصنع موسيقى مختلفة تماماً
سعيد ميرخان المولود في مدينة دمشق لعام 1984، بدأ تحصيله الموسيقي الأكاديمي في المعهد العربي للموسيقى على يد أساتذة قديرين كــ سلمى قصّاب حسن و إبان زركلي . إضافة إلى تحصيله الموسيقي يحمل سعيد ميرخان بكالوريوس في الهندسة المعلوماتية، في ال2012 نال ماجستير في التأليف الموسيقي من غولد سميث-لندن .
في ال2001 قام بتسجيل لأول مجموعة أغان من ألحانه تحمل كلمات خاله رسّام الكاريكاتور السوريّ سعد حاجّو، وقام بتسجيل الأغاني في استديو "وسط البلد" في القاهرة مع مجموعة من الموسيقيين السوريين والمصريين .
وشارك في عدة ورشات عمل بعدها، منها ورشة عمل في القاهرة مع الموسيقي المصري فتحي سلامة عام 2008
في عام الـ2008 ، تحديداً في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربيّة كانت انطلاقته الاولى إلى الجمهور ، لتلاقي حفلاته نجاحاً باهراً . رافقه فيها شقيقه ناصر ميرخان والفنانة السورية شمس اسماعيل
عن حفلاته الأولى يقول سعيد ميرخان : "كانت أولى تجاربي الجدية التي وقفت فيها وجهاً لوجه أمام الجمهور، شعرت بخوف كبير بددته حالة الرضا التي لمستها من تفاعل الحضور ، إضافة لما كتب في الصحافة في ذلك الوقت" .
ليكمل تعاونه مع مطربة سورية أخرى هي منال سمعان من ال2009 وحتى ال 2011والتي أعادت أداء بعض أغانيه بصوتها في غاليري مصطفى علي في دِمشق .
تعاونهما استمر ليثمر عن البوم غنائي بعنوان"ورا قطرة ندى" الأولى بمنحة من مؤسسة المورد الثقافي وتضم 7 أغان من ألحان سعيد وكلماته وكلمات سعد حاجو. يضم أغان قدمت سابقاً وبثت في الإذاعات مثل (لغتك صعبة عليي) و(شوبدي بماضيك) بالإضافة لمجموعة أغانٍ أخرى .
سعيد ميرخان كان له ولع أيضاً بوضع الموسيقى التصويرية، فكان أن وضع الموسيقى لباقة من الأفلام القصيرة والوثائقية .
ماهو مصدر إلهامه !
علاقات الناس، تعابيرهم، تصرّفاتهم، أحاسيسهم، تفاصيل الحياة البسيطة هي فضاء ميرخان الرحب الذي يستقي منه أعماله كلماتٍ وألحاناً، حيث يحاكي منحاه التأليفي مؤلفي أغاني جيل القرن العشرين المصريين و اللبنانيين، بالاضافة إلى أنه كان يشعر بالقرب أكثر إلى فن التأليف الحديث الأمر الذي اضطره للسفر إلى جامعة غولد سميث البريطانية في الـ2010 ليدرس هذا النوع من الموسيقى وينال الماجستير في التأليف الموسيقي. حيث يقتصر التدريس الموسيقي في سورية على دراسة الأنماط و قوالب التأليف الكلاسيكية.
ليعود إلى دِمشق بعد عامين من وداعها ..لكن البلاد حينها لم تكن هي البلاد .كل شيء بات مختلفاً !
يقول ميرخان: "وددت البقاء رغم كل شيء ، لأفعل ما أتقن فعله في هذه الحياة...الموسيقى! لكن الأمر بات أسوء يوماً بعد يوم . فكانت العودة إلى لندن أمراً واقعاً
لتصبح علاقته بغربته"لندن" أقوى بطبيعة الحال وليصبح هذا المزيج المؤلم فضاءً لأغنياته القادمة .
الحرب التي فرضت عليه وعلى أسرته الرحيل عن الوطن (عائلته إلى مصر)
في ظل هذه الأوضاع كتب ميرخان إحدى أجمل أغنياته "قلبك معو" ربّما تَتعدّد الرّؤى لقراءة ما كتبه ميرخان .أحدهم سيظنّها أغنية بين عاشقين، ربّما.. لكن بالتأكيد تصلح لأن تكون بين الأصدقاء ..و أفراد العائلة أيضاً .
في الأغنية التي تحمل عنوان الألبوم " ورا قطرة ندى" يتكلم ميرخان عن معشوقته الأولى "سورية لكن بطريقة مختلفة عن تلك التي تناولها من سبقوه في التكلم عن "الوطن"
تلك الطريقة الشاعرية في نسج الأغاني عن جمال جبال الوطن وخضرة سهوله، طيبة مياه نهره بردى، وعذوبتها ! هل نسي أحدهم شيئاً ..تفصيلاً جوهرياً مُهِمّاً ؟! ربّما !
هذا ما يتناوله ميرخان ويقول عن ذلك : " ربّما حان الوقت لنغني للناس بدلاً عنِ الأرض ، بالأخص في هذه الأوقات التي يعاني فيها كل فرد على رقعة الوطن.ما الذي تعنيه الأرض بدون ساكنيها ! "
أما الأغنية التي أنهى فيها ألبومه أغنية تلاحق حالة البؤس المتمثلة في إنسان يعاني كي لا يظهر مشاعره متحدياً من هم حوله و يقودونه إليه.. رد ميرخان على انتقادات الصحفيين يومها:" لا تستطيع جعل كل الناس يعبرون عما بخاطرهم بالطريقة ذاتها.. دعهم و انتظرهم حتى يأتي الوقت ليخرجوا كل ما بقلوبهم...ربما الأن... ربما في الصباح.. ربما على قطرة المطر التالية".
في يوم 14 نيسان لعام 2014 أصيب سعيد بتمزق صاعق بالشريان الأبهر مما أدى إلى وفاته
لعل ما كان على شفتيه من كلمات وبين أصابعه من موسيقى أكبر بكثير من الفسحة التي عاشها لكن الأقدار شاءت أن تكون النهاية باكرة جداً ...
ولنركض نحن "ورا قطرة الندى" التي تركها سعيد ميرخان كأثر جميل تبقى منه.
لروحك السلام ..سعيد ميرخان
أغنيتان من ألبوم "ورا قطرة ندى":
هنا
هنا
مصادر:
هنا
هنا