آثار العيش خارج الوطن
علم النفس >>>> الصحة النفسية
"السفر يُوسِّع العقل"؛ هكذا يقول المثل القديم الذي يُؤيده معظم الأشخاص في يومنا هذا.
ونجد أن زيادة العولمة في أنحاء العالم جعلت كثيرًا من الناس يختارون العيش والعمل والدراسة خارج الوطن، ولطالما كانت هذه الظاهرة من الأمور الحسنة؛ إذ إنّ السفر خارج الوطن يُساعد على زيادة القدرة الإبداعية، ولكن؛ لا يتلقى جميع الأشخاص الذين يعيشون في الخارج الفائدةَ نفسها وعلى نحو متساو.
وبيَّنت إحدى الدراسات الحديثة أن الحياة في المغترب لا تختلف كثيرًا عن الحياة داخل الوطن؛ فكثير من المغتربين يعيشون ضمن الحدود الدنيا للعيش حيث لا وجود للتطور ولا الإبداع ولا النجاح.
وتكمن فائدة السفر في أنحاء العالم في قدرة الشخص على الموازنة -في الوقت نفسه- بين الثقافتين الأصلية والمكتسبة الخاصة بأفراد الشعب الجديد الذين يمكث معهم ويعيش بينهم.
ويسمّي العلماء هذه الظاهرة "Biculturalism" التي تجعل الشخص يرى الأشياء رؤيةً جديدةً ثم يدمج ويمزج بينها؛ مما يكوِّن لديه حسًّا إبداعيًّا أكثر وضوحًا ونجاحًا مقارنةً بالأشخاص الذين يتمتعون بثقافة واحدة.
ومن ثمّ يكون الشخص الثنائي الثقافة قادرًا على التفكير على نحو مزدوج ومُقارِن -بعكس هوية الأشخاص الثقافية الذين يمتلكون ثقافة واحدة-؛ وبذلك يمتلك الأفضلية ويُحقق نتيجة أفضل عمومًا.
أوضحت الدراسة أن الأشخاص الذين لديهم ثقافتان (ثنائيي الثقافة) يكونون أكثر طلاقةً ومرونةً وإبداعًا في القرارات والمَهام، وأنهم ينتجون أكثر من الأشخاص العاديين في أثناء العمل، ومن ثم يجدون الفارق في النتائج المهنية العالية.
إضافةً إلى ذلك؛ ينال الاحترافيون الذين يمتلكون ثقافة ثنائية ترقيةً وظيفيةً على نحو أكبر من الأشخاص العاديين.
أجرت جامعة هارفرد ست دراسات على 1874 متطوع لقياس مدى صحة النظرية التي تنصُّ على أنّ العيش خارج الوطن يحفِّز مفهومَ الذات ويزيده.
وقد أوضح القسم الأول من الاختبار أن الأشخاص الذين أمضوا ثلاثة أشهر أو أكثر خارج الوطن يمتلكون معرفةً أكبر عن أنفسهم وأهدافهم التي يسعون إليها، مقارنةً بأولئك الذين لم يهاجروا بعد.
وأما القسم الثاني من الدراسة؛ فكان مضبوطًا بعدد من المقاييس النفسية والسكانية كالعمر والجنس والوضع الاجتماعي والاقتصادي، وكانت النتيجة -بغض النظر عن التفاصيل السابقة- لصالح الذين عاشوا فترة من حياتهم خارج حدود الوطن.
تظهر الدراسات الحديثة أنّه يمكن للخبرات العالمية أن تفرزَ الإبداع وتُقلِّلَ التحيز بين المجموعات في العمل وتزيدَ من النجاح المهني.
كذلك تغيّر الخبرات العالمية شعورَ الشخص نحو ذاته، ولا سيما "مفهوم الذات"؛ إذ ترتبط بالعديد من الفوائد مثل الراحة النفسية والتعامل مع الضغوطات والإجهاد والأداء الوظيفي على نحو أفضل.
وقد وجدت معظم الدراسات الحديثة أنّ التجارب التقليدية تُقلِّل من وضوح مفهوم الذات؛ وبذلك تزيد التجارب والخبرات غير المعتادة والجديدة الوضوحَ والثقةَ بالنفس وتحفزهما!
أوضحت دراسة لاحقة -تعتمد على أعداد كبيرة من طلاب الدراسات العليا الذين عاشوا ثلاث سنوات وسطيًّا خارج الوطن- العلاقةَ بين العيش في الخارج ومفهوم الذات؛ إذ ركزت الدراسة على تأثير العمق (طول المدة الزمنية التي قضاها الشخص في الخارج) والعرض (عدد الدول التي مكث الإنسان فيها) في التجربة ودعمها.
وقد وجدوا أنّ طول المدة يؤدي دورًا أكثر أهمية من عدد الدول التي هاجر الإنسان إليها، فكلما زادت المدة؛ ازدادت فرصة تعزيز الذات وتطويرها.
لا بدّ من أنّ العيش بين الأشخاص الذين يُماثلوننا بالهوية والثقافة والتفكير هو أمرٌ أسهل من العيش في الخارج حيث تكون الثقافة جديدة.
وعلى الرغم من أنّ طريق الهجرة مليئة بالصعاب؛ لكن عبورُك إيّاها بأمان يعني نيلَك تلك الفائدة وامتلاكَك الأفضلية كي تصبح الأفضل.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا