وفق دراسة أجرتها فاينانشيال تايمز (Financial Times) عام 2017م؛ تبيَّن أنَّ النساء يُشكِّلن 58 % من إجمالي القوى العاملة ضمن المستويات الأولية أو الوظائف الدُنيا في الأقسام المالية في الشركات.

وعلى الرغم من أنَّ هذه النسبة تُعدُّ جيدة؛ إلَّا أنَّ هذا الرقم لا يتكرَّر إذا ما تكلَّمنا عن المستويات العليا من الوظائف؛ إذ لا يشغلن النساء إلَّا ربع الوظائف المالية العليا، والمؤسف أكثر أنَّ هذا الرقم ينمو ببطء!

ومن ثمَّ؛ لا يمكن أن تُدهِشنا -بعد الاطلاع على هذه الإحصائية- حقيقة وجود تفاوت في الأجور بين الجنسَين، وهذه الفجوة الثانية التي تعانيها المملكة المتحدة.

اتخذت العديد من البلدان نهجًا معيَّنًا لتشجيع النساء؛ إذ عمدت إلى تخصيص عدد من الوظائف للنساء ضمن المستويات الوظائفية العليا بغية تحقيق تكافؤ في الفرص بين الجنسين.

وفي هذا السياق، لا بدَّ من التنبيه لكون -عملية تخصيص فرص وظيفية- له تأثير سلبي؛ ففي هذه الحالة يمكن أن يكون التوظيف ليس من أجل كفاءة تلك النساء، بل بوصفه إجراءً يخدم سياسة الشركة فقط.

والحقيقة أنَّ وجود عدد أكبر من النساء في المستويات العليا له فوائد للجانبين؛ فهو  يساهم في تحسين سمعة الشركة من جهة، فضلًا عن الاعتراف بأنَّ النساء يستحقْنَ الترقية إلى المناصب العليا من جهة أخرى.

ولكن كيف يمكن للمدراء أن يدفعوا النساء إلى التقدُّم إلى هذه المناصب، وتشجيع المزيد منهن على الانضمام إليها؟!

 

هناك عدة اقتراحات؛ لنطَّلع عليها معًا:

1 – تسليط الضوء على نجاحات المرأة والتحدُّث عنها:

غالبًا ما تكون المرأة متواضعة عندما يتعلَّق الأمر بالحديث عن نجاحاتها، وعلى الرغم من أنَّ التواضع يُنظر إليه في كثير من الأحيان على أنَّه سمة فاضلة؛ إلَّا أنَّ المرأة يجب أن تتحدَّث أكثر عن نجاحاتها الخاصة، ونجاحات النساء الأخريات -خصوصًا- ضمن القطاع المالي، ويجب أن تشجِّع النساء الأخريات على فعل المِثل بتعزيز أنفسهن أو زميلاتهن.

وسيؤدي الحديث عن نجاحات النساء  إلى إعادة تأكيد قيمتها لدى الشركة غالبًا؛ وهذا يعني  أنَّه بمجرَّد أن يصبح هناك عرض لترقية وظيفية؛ فمن المرجَّح أن يرى المدير امرأةً مناسبة لهذا المنصب إذا كانوا مدركين لإنجازاتها بالفعل.

2 – يجب أن تكون المرأة أكثر ثقةً بالنفس:

كشفَ تقرير صادر عن شركة تكنولوجيا المعلومات هيولت باكارد (Hewlett Packard) أنَّ النساء لا يتقدَّمن إلى وظائف عليا إلَّا إذا اعتقدن أنَّهن يستوفينَ 100 في المائة من المؤهِّلات المُدرجَة في الوظيفة، في حين يتقدَّم الرجال إلى الوظائف إذا اعتقدوا أنَّهم يحقِّقون 60 في المائة من المتطلَّبات. ويُظهر هذا افتقارَ النساء إلى الثقة في طرح أنفسهنَّ للترقيات والأدوار العليا.

ولسوء الحظ؛ فإنَّ العديد من النساء يُقلِّلنَ من قدراتهن الحالية، ومن قدرتهن على تعلُّم مهارات جديدة في المستقبل، لذا من المهم أن يعمل أرباب العمل على تعزيز إيمان النساء بذواتهن؛ فمن شأن هذا التشجيع أن يجعل النساء أكثرَ ثقة بمؤهِّلاتهن الخاصة، وبأنَّهن أهلٌ لتبوُّء المناصب العليا وتحمل المسؤولية؛ وإنْ لم تكن لديهن المؤهلات المطلوبة جميعها، فلا بدَّ من إيمانهن بأنَّ هناك مجال للتعلم والتطوير دائمًا.

3 - التعرُّض  إلى المخاطر أكثر:

تشير الدراسات إلى أنَّ المرأة تتجنَّب التعرُّض للمخاطر أكثر من نظرائها من الرجال.

وهذا لا يعني أنَّ كلَّ من يتحمَّل المخاطر سوف ينجح؛ ولكن عادةً ما يُنظر إلى هؤلاء الأشخاص على أنَّهم جريئون وحازمون في أعين رؤسائهم. وعلى الرغم من أنَّ هذه المخاطر قد لا تُؤتي ثمارها؛ لكنَّها تتيح الفرصة للتعلُّم من حالات الفشل، والاستفادة -ممَّا قد تعلَّمه  الشخص- في المواقف المستقبلية.

4 - نماذج عن أدوار الإناث:

عندما نفكِّر في الشخصيات المشهورة في المجالات المالية أو التقنية؛ فإنَّ غالبية الأسماء التي نذكرها هي من الرجال، لذلك من المهم تقديم مزيدٍ من النماذج النسائية في الأقسام المالية؛ عن طريق تسليط الضوء على بعض النساء الناجحات اللواتي يُعَدَّن نماذجًا يحتذي بها الآخرون؛ إذ إنَّه من الضروري أن نُطمئنَ النساء أنَّ هذه المناصب العليا ليست حِكرًا على الرجال فقط، وأنَّ هناك نساء في الوظائف المالية يتمتَّعن بالنجاح نفسه مثل نظرائهم من الرجال.

ويجب خلق الفرص للنساء من أجل الالتقاء مع نماذج النساء التي يُحتذى بها، والتفاعل معهن بهدف إلهام بعضهنَّ البعض؛ فعلى سبيل المثال، تعتمد شبكة خريجي كلية إدارة الأعمال بجامعة دورهام (Durham University Business School) جمعَ النساء -خريجات قسم المالية في الجامعة-؛ ما يسمح لهن بالتواصل وتبادل الخبرات.

5 - تعليم العلوم المالية والتقنية في عمر أصغر:

رغم وجود مليوني شخص يعملون في القطاع المالي في المملكة المتحدة -ويشكِّلون سبعة بالمائة من القوى العاملة في البلاد-؛ إلَّا أنَّ التعليم المتعلِّق بهذه المجالات قليلٌ في المدارس؛ وهنا علينا أن نشجِّع المرأة على الاهتمام بالمجالات المالية عن طريق تعليمها مبادئها وإيضاح مجالاتها وفرصها كافة.

ويساعد تزويد الفتيات بهذه المهارات في سنٍّ مبكرة على زيادة أعداد النساء اللواتي يرغبن في ممارسة مهنة في المجالات المالية في وقت لاحق من الحياة؛ وذلك بمنحهن الثقة بأنَّ لديهن المعرفة والقدرة على التنافس مع زملائهن من الذكور.

وأخيرًا، هناك عقبات واضحة وكبيرة أمام المرأة في المجالات المالية؛ وقد حان الوقت الآن لتدميرها..

 
المصادر:
هنا

هنا

هنا