بخاخ الحمض النووي الريبي المرسال بوصفه علاجًا جديدًا للأمراض التنفسية
البيولوجيا والتطوّر >>>> علم الجينات
ويشرح البروفيسور المساعد Daniel Anderson من قسم الهندسة الكيميائية في معهد MIT وأحد المشرفين على هذا البحث عن آلية عمل الدواء؛ إذ يكمن أثر هذا الدواء في تحريض بعض الخلايا ضمن نسيج الرئة الخاص بفئران التجربة لإنتاج بروتين معين؛ وهو عبارة عن مركب بروتيني ذي تألُّق حيوي.
ما هو RNA المرسال؟ ولماذا يُستخدم في العلاج؟
بداية يجب علينا أن نعرف أن RNA المرسال هو حمض نووي ريبي أساسه هو سكر الريبوز، ووظيفته نقل التعليمات الوراثية من DNA في النواة إلى الريبوسومات ضمن سيتوبلاسما الخلية ليُترجم إلى بروتينات، وفي حالة الدواء المذكور سابقًا؛ فإن RNA المرسال هنا يرمّز مجموعة من التعليمات الوراثية التي تُحفِّز الخلايا على إنتاج بروتينات معينة.
يمكنك العودة إلى مقال سابق لمعرفة تفاصيل إضافية عن RNA المرسال ودوره في الخلايا: هنا
أجرى العلماء والباحثون العديدَ من الأبحاث والدراسات من أجل استهداف RNA المرسال وتطوير تقنيات خاصة قائمة عليه لتحويل الخلايا ضمن الجسم إلى مصانع للدواء من أجل علاج بعض الاضطرابات الوراثية أو أمراض السرطان، ولكن وبسبب بِنية الـ RNA المرسال الهشَّة؛ فقد واجه الباحثون صعوبات كبيرة في تطوير طرائق مناسبة لنقله ضمن الجسم؛ إذ يحتاج إلى ناقل مُتخصِّص حامٍ له يقيه من التحطم.
في هذا البحث استطاع طاقم المخبر الذي يُشرف عليه الباحث Anderson تطويرَ مواد قادرة على إيصال RNA المرسال إضافة إلى نوع آخر من الـ RNA العلاجي يُدعى الحمض النووي الريبي التداخلي RNA interference إلى الكبد وأعضاء أخرى من الجسم، ولا يزال العمل الحثيث جاريًا لتطوير هذه المواد بحيث يمكن أن يستخدمها المرضى لاحقًا على نحو آمن.
ما ميزة هذا الدواء؟
أراد الباحثون في هذه الدراسة أن يعدوا شكلًا دوائيًّا قابلًا للاستنشاق من RNA المرسال بحيث تصل الجزيئات الخاصة بالدواء مباشرة إلى الرئتين ليُحدث الأثر الدوائي بسرعة ودون ضياع أي جزء من تركيز المادة الدوائية المأخوذة في حال دخولها عبر الأنسجة الأخرى، ومن المعروف أن معظم أدوية علاج الربو والأمراض التنفسية مُصمَّمة بطريقة خاصة لإيصال الدواء إلى الرئة مباشرة، ومن تلك التصاميم هي دواء الاستنشاق Inhaler؛ إذ يبخُّ المريض المادة الدوائية-عادةً ما تكون دقائق من البودرة أو المسحوق- واستنشاقها، وجهاز الإرذاذ nebulizer الذي تكون فيه جزيئات الدواء على شكل غاز.
ومن أجل الحفاظ على ثباتية الـ RNA المرسال في أثناء عملية إيصال الدواء بشكله الغازي، ابتكر الباحثون طريقة مميزة؛ إذ كشفت دراسات سابقة عن مادة تدعى البولي إيثيلينيمين PEI Polyethylenimine تُحافظ على الـ DNA الذي يُتوصَّل عن طريق الاستنشاق إلى الرئتين. ولكن مادة الـ PEI لا تُتحلَّل بسهولة ضمن أنسجة الرئتين، وبهذا عند استخدام جرعات متكررة من الدواء؛ تتراكم المادة السابقة كبوليمير (مادة كيميائية معقدة التركيب وصعبة الانحلال) وتتسبَّب بآثار جانبية.
برزت هنا فكرة الباحثين من أجل تفادي مشكلة الآثار الجانبية، فلجأوا إلى مادة بديلة؛ وهي نوع من البوليميرات ذات الشحنة الإيجابية تُدعى hyperbranched poly (beta amino esters) ومن مزاياها قابلية التحلُّل العضوي (لا تتراكم ضمن الأنسجة).
ما تركيبة الدواء الذي صنعه الباحثون؟
إن جزيئات الدواء عبارة عن أشكال كروية بقطر 150 نانومتر يرتبط بها مزيج من البوليمير وRNA المرسال الذي يُرمِّز اللوسيفيراز LUCIFERAZE؛ وهو بروتين مشعٌّ متوهج حيويًّا يعمل أنزيمًا تأكسديًّا.
وبعد ذلك علَّق الباحثون المادة على شكل قطيرات ضمن المستحلب وأعطوا فئران التجربة هذا الدواء على شكل رذاذ، وبعدها يبدأ الأثر الفارماكولوجي للدواء بالعمل والظهور.
كيف يعمل الدواء؟
يعمل التنفس طريقًا فعالةً لإيصال الدواء إلى الرئتين، وعند وصول الدواء إلى الرئتين؛ فإن الجزيئات النانوية الدقيقة الموجودة ضمن كل قطيرة تدخل الخلايا لتعطيها الأوامر بتركيب بروتين معين كما وضَّحنا سابقًا.
وجد الباحثون أنه بعد مضي 24 ساعة على إعطاء RNA المرسال المستنشق؛ بدأت خلايا الرئة بإنتاج البروتين المتوهج حيويًّا، ولكن تناقصت كمية البروتين تدريجيًّا مع تناقص تراكيز RNA المرسال ونفاد كميته في الرئتين؛ مما يتسبَّب في مشكلة جديدة. ولكن كان الحلُّ بسيطًا بواسطة إعطاء الفئران الدواء في جرعات متكررة؛ الأمر الذي سيكون ضروريًّا في حال تعاملنا مع مرض مزمن.
وفي أثناء المتابعة؛ كشفت الدراسات اللاحقة على رئتي فئران التجارب أن الدواء قد توزَّع على نحو متجانس على فصوص الرئة الخمسة، وامتصَّته الخلايا الظهارية epithelial cells في القصيبات والأسناخ، وهذا النوع من الخلايا في تشريح الرئتين هو النوع الذي يُصاب بالتليف الكيسي cystic fibrosis إضافة إلى أمراض تنفسية أخرى مثل متلازمة العسرة التنفسية respiratory distress syndrome التي يُسبِّبها عوز بروتين السورفكتانت.
ثم إن الدراسة وضحت أنه من الممكن تصنيع الدواء على شكل بودرة جافة يمكن استنشاقها عن طريق بخاخ inhaler عوضًا عن الاضطرار لاستخدام جهاز الإرذاذ nebulizer؛ مما يجعل استخدام الدواء أسهل للمريض.
ويتوقع الباحثون نهايةً أن يحصلوا على نتائج مُبشِّرة ومعدَّلات نجاح عالية في أثناء مراحل اختبار الدواء في التجارب السريرية على المرضى. فإذا حفَّز تطبيق الدواء إنتاج تراكيز جيدة من البروتينات العلاجية؛ سيكون ذلك كفيلًا بعلاج العديد من الأمراض الرئوية في المستقبل وتحسين نوعية حياة المرضى.
ترجمة: hind kazem
تدقيق علمي: nina mouneeb
تدقيق لغوي: Shurook Dirkey
تصميم: Juman Hasan
المصادر:
هنا