التنافر المعرفي
علم النفس >>>> القاعدة المعرفية
نظرية التنافر المعرفي هي نظرية في علم النفس الاجتماعي، طرحها عالم النفس "ليون فيستنجر" وتنصُّ على الفكرة الآتية: نكون في حالة عدم ارتياح عندما تتضارب قيمنا أو معتقداتنا أو أفكارنا مع أفعالنا، أو حتى عند إعلامنا بمعلومات جديدة لا تتوافق مع ما نعرفه مسبقًا. إن هذا الشعور بعدم الراحة أو التناشز سرعان ما يدفعنا إلى التصرّف؛ إذ تسعى النفس البشرية دائمًا إلى أن تكون بحالة من التوازن والانسجام، ومن ثم نتّخذ إجراءات مختلفة للتقليل من التناشز المعرفي الذي أصابنا.
فعلى سبيل المثال؛ أنا أعدُّ نفسي شخصًا صادقًا ولذلك أشعر بعدم الارتياح عند الكذب؛ أي عند عدم تطابق أفعالي مع أفكاري.
وأحد الأمثلة الأخرى الأكثر شيوعًا هي التدخين؛ إذ يدرك معظمُ المدخنين مساوئ التدخين على الصعيد الفكري، ولكنّهم على الصعيد العملي يتابعون التدخين، ويبررونه غالبًا بأسباب مختلفة.
وفي السطور القادمة نريد الخوض في طرائق التبرير هذه؛ الطرائق التي نعالج بها -دون إدراكنا غالبًا- وجودَ حالة التنافر المعرفي.
إن إحدى هذه الطرائق هي تغيير إما التصرف وإما الفكرة المناقضة للتصرف؛ أي تغيير أحد العاملين المتضادين لنكون في حالة الانسجام.
وإذا عدنا إلى مثال التدخين فمن الصعب -وربما المستحيل- تغيير الحقائق المحيطة بالتدخين، ولكن؛ يمكن -ولو بصعوبة- الإقلاع عنه.
وعلى السوية ذاتها أتوقفُ عن الكذب للشعور بالراحة؛ أي أُغيِّر السلوك المتناشز.
وتتمثل طريقة أخرى بالبحث والاطلاع على معلومات جديدة تبطل مفعول المعلومات المسبقة.
وعند اللجوء إلى هذا الأسلوب يبحث الفرد عن معلومات قد تنفي مضار التدخين بالصحة؛ مما يخفف من تأثير التناشز المعرفي.
أما الطريقة الثالثة فتكمن في التقليل من أهمية المعتقدات المتناشزة.
وبالعودة إلى مثال التدخين؛ يقلل المدخِّن من أهمية مضار التدخين بالصحة -بغض النظر عن خطورة آثاره في الحقيقة- عن طريق القول إنّ التأثير السيّئ للتدخين في الصحة ليس كبيرًا، ومن ثم ينفي المرء الفكرة المتناشزة أو يخفف تأثيرَها -على الأقل- ضمنيًّا.
وارتكازًا على سعي النفس البشرية إلى حالة التوازن؛ يتغلّب المرء بنحوٍ أو بآخر على هذا التنافر، ولكن؛ هنا ينبغي لنا طرح السؤال الآتي بكل موضوعية: ما النتائج أو العواقب المترتّبة على تخلُّصنا من التنافر المعرفي؟
كما ذكرنا آنفًا، نحن نقيّم أفكارًا وأفعالًا مختلفة اعتمادًا على توافقها، وربما نغضُّ النظر في خضم هذا التقييم عن بعض الحقائق أو نتجاوزها كليًّا في سبيل سعينا إلى خلق حالة من التناغم.
وقد أظهرت الدراسات أنّنا نميل -بعد أن نتخذ قرارًا معيّنًا- إلى التركيز على النواحي الإيجابية لما اخترناه وعلى النواحي السلبية لما رفضناه، فنتحيّز تلقائيًّا لصحة أفعالنا وقراراتنا من أجل التغلب على التنافر المعرفي.
ويؤدّي التناشز المعرفي إلى نتائج إيجابية -في بعض الأحيان- اعتمادًا على الطريقة التي نتبعها في حل الموضوع؛ إذ يدفعنا إلى تغيير تصرفاتنا بما يتوافق مع أفكارنا، فعلى سبيل المثال؛ إذا كنّا نربط بين التمارين الرياضية والصحة الجيدة ولكننا لا نمارسها في الوقت الحالي فقد يدعونا التناشز إلى البدء بممارسة الرياضة.
كذلك نعالج -في أغلب الأحيان- التناشزَ المعرفي دون أن ندرك ذلك، فقد وصف "فيستنجر" سعيَ أنفسنا إلى حالة التوازن أو الانسجام كرغبة الجسد في تناول الطعام عند الشعور بالجوع.
وتساعدنا نظرية التنافر المعرفي على استدراك أسباب شعورنا بعدم الارتياح ومحاولة الخوض فيها لمعالجتها، إضافةً إلى أنّها تزيد وعيَنا بانحيازنا نحو أفكار أو أفعال معينة وتقبّلَنا اختلافات الآخرين، ولذلك؛ تُعدّ جزءًا مهمًّا من القاعدة المعرفية للنفس البشرية.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا