الفكاهة تحت ضوء الفلسفة
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
ما هي الفكاهة؟
حاول العديد من الفلاسفة تاريخيًّا الإجابة عن هذا السؤال، وبعد تقديم عدّة نظريات عن الفكاهة عبر فترات زمنية طويلة اتفقوا على ماهيتها.
وعلى الرغم من مشاركة كثير من المفكرين من مجالات عدّة؛ إلا أنّ موضوع الفكاهة ينضوي حاليًّا إلى مجال الفلسفة، ويتناوله قلّة من الفلاسفة نتيجة عاملين اثنين:
أولهما أن مشكلات هذا البحث أظهرت صعوبة كبيرة؛ بسبب فشل نتائجها المتكرر، والثاني أن هذا الموضوع ليس إشكالية رئيسةً في الفلسفة.
وتأتي أهمية موضوع الفكاهة من طبيعته التي تستمد موادَّها من تخصصاتٍ عدّة مثلَ علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإنسان والأفلام والأدب؛ إذ نادرًا ما نجد موضوعًا فلسفيًا يتصل مباشرةً بحياتنا اليومية، وتفاعلاتنا الاجتماعية، وطبيعتنا البشرية.
ويطرح المنظّرون سؤالًا ثانيًا يُعدُّ حجرًا أساسًا في فهم فلسفة الفكاهة وهو: ما الذي يجعل شيئًا ما مضحكًا؟ أي هل يوجد ميزات محددة له؟ ويجب تمييز الصفات في الشيء عن الاستجابة التي تحدد شروطًا نفسية ومعرفية لدى المتلقّي ليجد شيئًا مضحكًا.
ومن الأسئلة المهمة في هذه النظرية أيضًا؛ كانت عن التمييز بين الفكاهة والضحك، وميّز الفيلسوف الأمريكي جون موريل بينهما بدقة؛ إذ يرى أنّ الضحك ينتج عن تحوّل نفسي بينما تنتج الفكاهة عن تحول إدراكي.
نظريّات الفكاهة الأساس في الفلسفة:
نظرية التفوق:
وهي أنّ الفكاهة التي نجدها في الكوميديا والحياة تُبنى على السخرية؛ إذ يعدُّ موضوع الدعابة أدنى قيمةً ويعدُّ قائلُها متفوقًا.
ويظهرُ سقراط في محاورة فيليبوس لأفلاطون قائلًا بتلك النظرية؛ إذ يرى أنّ السخرية -موضوع الضحك في الكوميديا- هي جهل الآخرين بعدم امتلاكهم لأي معرفة، بل هي اعتقادهم بأنهم يملكون حكمتهم الخاصة.
ويضيف أرسطو واصفًا الكوميديا بأنها الضحك من القبح والسخرية من نواقص الآخرين، ويقول في كتابه الأخلاق عند نيقوماخوس إنها "نوع من الإساءة" فيجب أن تقال دون أن تسبب ألمًا.
وقدّم توماس هوبز النسخة الحديثة من هذه النظرية، فهو يرى أن رغبتنا في الضحك ليست سوى نتيجة مقارنة أنفسنا في الحاضر مع أخطاء الآخرين أو مع أنفسنا في الماضي.
نظرية التنافر/ التناقض:
وتعني التقريب غير الاعتيادي أو المتوقع لشيئين أو فكرتين أو حدثين، أو التحول المفاجئ للتوقعات.
قدّم أرسطو فكرةً مُبكِّرَةً عنها؛ إذ وجد أن أفضل طريقة لتضحك الجمهور هو جعلهم يتوقعون أشياء محددة ثم تقدّم لهم ما يناقضها أو مثل النكات التي تعتمد على تغيير أحرف الكلمات أو ابتكار ربط غير مألوف بين شيئين لا يوجد أي ارتباط بينهما.
ويؤيد آرثر شوبنهاور هذا النظرية ويرى أنه كلما كان التطابق أكبر وغير مألوف تكون الدعابة مضحكة أكثر، ولكن هذه النظرية فشلت في تفسير سبب ضحكنا عند الدغدغة.
نظرية التنفيس:
يناقش أتباعها البنى الأساس والعمليات النفسية التي تسبب الضحك، ومن أبرز منظّريها الفيلسوف وعالم الأحياء هربرت سبنسر الذي يقول بأن الضّحك هو التحوّل المفاجئ للإحساس من الأعصاب إلى العضلات، وشكل من أشكال الإفراج عن الإثارة العصبية أو التوتر العاطفي، ويوافق سبنسر على نظريتَيْ التفوق والتناقض.
ويعدُّ عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد من أهمِّ القائلين بها أيضًا، فالدافع لخلق الفكاهة -وفقا لفرويد- هو (مبدأ اللذة)؛ الآلية النفسية البدائية التي تجعلنا نتجنب المشاعر السلبية ونقمعها ونتابع المتعة.
وتتفق نظرية التطور الحديثة مع نظرية التنفيس في القول: إنّ الفكاهة أداة للتخفيف من الطاقة الزائدة والمشاعر السلبية -الناجمتان عن طبيعة البشر العدوانية-؛ وبذلك تعزز من ميزات البقاء على قيد الحياة، وتعزز التماسك بين أفراد المجتمع؛ فالفكاهة هي دعوة للتفاعل وشكل من أشكال التواصل الاجتماعي.
جميع النظريات التي ذُكِرت أعلاه عامة وليست تفصيلية؛ لأنه من الصعب إدراج كافة الظواهر المرتبطة بالفكاهة تحت نظرية واحدة، لكنها ساهمت في إثارة التفكير لفهم بعض من السلوكات الإنسانية المعقدة والمهمة.
نظرية الفكاهة هي موضوع متعدد التخصصات؛ لذا يتطلب مساهمات مختلفة من الدراسات الثقافية والتاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الأعصاب والبيولوجيا التطورية..إلخ لوضع نظرية متكاملة عن الفكاهة تتضمن جميع جوانبها وظواهرها، وتعدُّ الفلسفة حاضنة لنظريات الفكاهة أجمعها بسبب طبيعتها متعددة التخصصات.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- برغسون، هنري. الضحك، ترجمة علي مقلد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط2، 2007. ص10 ص11