سيمون دي بوفوار، اقتحمت عالم الفلسفة
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> أعلام ومفكرون
- امرأة فيلسوفة!؟
- نعم!
إن كنت تعتقد أنّ الفلسفة حِكرٌ على الذكور فأنت بالطبع مُخطئ. فها هي دي بوفوار بملامحها الأنثوية تُثبت لكَ العكس! "على المرأة أن تكسب وجودها، لا أن تصل هويتها بهوية الرجل. فاضطهادها لا يأتي من الرجل وحده. إنها تضطهد نفسها". هكذا كانت ترى دي بوفوار حقوق المرأة. التفاصيل في المقال التالي:
حياتها بإيجاز:
من مواليد باريس، 1908. اتّسمت حياتها المُبكرة بطابع الالتزام الديني؛ قبل أن تتخذ في الرابعة عشر من عُمرها منحىً مخالفاً تماماً. تعرفت خلالها على رفيق دربها جان بول سارتر في جامعة السوربون عام 1926 وارتبطا بعلاقة حب سرية دامت طوال حياتهما، لم يُكشف عنها إلّا بعد وفاتهما. نالت درجة الأستاذية الفلسفية بعام 1929 بعد أن التحقت بـ "مدرسة الأساتذة العُليا" التي تخرّج منها مُعظم مفكري فرنسا البارزين. درّست في المدارس الثانوية الفرنسية لكنها لم تُدرّس قط في الجامعات. قامت برحلات عديدة ومتنوعة خلال حياتها جابت فيها مُعظم قارات العالم. وقامت بكتابة سيرتها الذاتيّة على أربعة أجزاء بين الأعوام 1958-1974. عن عُمر يُناهز ال 78 توفّيت بوفوار عام 1986؛ تاركةً إرثاً فلسفياً وثقافياً سيبقى حياً إلى الأبد.
دي بوفوار وقضايا المرأة:
خصّصت بوفوار جزءاً كبيراً من دراستها للنشأة التاريخية لـ المرأة والدور الاجتماعي الثانوي المخصص للمرأة في المجتمعات الذكورية على مر التاريخ. و قد كان سؤالها الأساسي هو كيف أصبحت المرأة نوعاً آخر من الجنس البشري.
تبعاً لـ دي بوفوار، ما من وجود لطبيعة نسوية خالدة أو طبيعة رجولية خالدة. الأمر الذي يعاكس النظرة التقليدية السائدة. حيث أنها تجد في العرف السائد بأن "الرجل هو الكائن السبّاق للبحث عن معنى أو هدف للحياة، والمرأة هي ذاك المخلوق الراغب دوماً حيث يوجد، ومجالها الأسرة والأشياء القريبة التي تُحيط بها" عُرفاً خاطئاً لا يتوافق جدلياً مع مبادئ الوجود.
لقد كانت ترى أنّ على الرجال أن يتحرروا من المستبقات والمُثل كاعتبارهم أن المرأة تهتم بالقيم الرقيقة أكثر من الرجل. وهذا ما تعنيه بعدم وجود طبيعة ذكورية أو طبيعة أنثوية. وعن ذلك تقول: "لا يولد المرء امرأة، بل يصبح كذلك".
في عام 1949 ظهر أحد أهم كتب دي بوفوار بعنوان "الجنس الثاني"، وكانت ترى فيه أنّ المرأة التي ردّتها الحضارة إلى مستوى الجنس الثاني. وما دامت النساء قد رُددن إلى مستوى الأشياء، بالنسبة إلى الرجال، فإن هؤلاء وحدهم سيكونون ‘ذوات‘ وهكذا تفقد المرأة حياتها الخاصة. ولكن على المرأة أن تكسب وجودها، لا أن تصل هويتها بهوية الرجل. فاضطهادها لا يأتي من الرجل وحده. إنها تضطهد نفسها. عندما لا تعود إلى تحمُّل المسؤوولية المُتعلقة بحياتها.
دي بوفوار والوجودية:
عندما نشرت دي بوفوار عملها ‘الجنس الثاني‘، كانت بالفعل قد حققت شهرة واسعة. وكانت كتاباتها اللاحقة والتي شكلت أحد نصوصها العمود الفقري لما سيُعرف بالحركة النسائية. شدّدت دي بوفوار على الدور الذي يلعبه الفرد في بناء المجتمع، وترى أن ما بُني اجتماعياً يُمكن تفكيكه اجتماعياً. فإن تحرير الأفراد ممكن دائماً، لكن في ضوء البُعد الواعي اجتماعياً للحركة، يدرك المرء أنه لا يمكننا القيام بفعل مباشر باتجاه حريّة القامع والمقموع. حيث يتوجب علينا أن نتجاهل قوة الظروف، أي تأثير العوامل مثل الرأي العام والتقاليد في الشكل واللغة.
"الأمر رهنٌ بالإنسان كي يؤسس الحرية وسط عالم جبري. ولكي ينال النصر الكامل، من الضروري أن يثبت الرجال والنساء أخويتهم بشكل قاطع، عن طريق اختلافاتهم الطبيعية مثلاً"
هكذا كانت رؤية دي بوفوار التّواقة لمجتمع يكون فيه الإنسان حراً، إناثاً وذكوراً على السّواء.
بعض الاقتباسات:
- "يتخذ مُركب النقص لدى المرأة شكل الرفض المخجل لأنوثتها: قد تكون المرأة عاجزة عن تحريك أداة ثقيلة فيبدو عجزها واضحا بالنسبة إلى الرجل إلا أن التطور الفني لديها قد يلغي الفارق العضلي الذي يميز الرجل عن المرأة وتصبح معادلة له في العمل"
- "أن يريد الإنسان الحرية لنفسه معناه أيضاً أن يريد الحرية للآخرين، تتطلب حريتي لكي تكتمل أن تتفتح على مستقبل منفتح، إن الناس الآخرين هم الذين يفتحون لي أبواب المستقبل"
- "لا يمكننا أن نقارن بين الأنثى والذكر في النوع البشري إلا من الزاوية الإنسانية ولا يُعرف الإنسان إلا بأنه كائن غير معطى وأنه يصنع نفسه بنفسه ويقرر ما هو عليه"
- "إنّ اللذة تبقى قذرة إذا لم تصهر بنار العاطفة"
المصادر:
_ توماس آر فيلين: الوجودية، ترجمة: مروة عبد السلام. مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
_ جوستان غاردير: عالم صوفي أو موجز تاريخ الفلسفة. ترجمة: حافظ الجمالي. دار طلاس.
_ هنا
_ هنا