الإيجابية والسعادة؛ وجهان لعملة واحدة
علم النفس >>>> المنوعات وعلم النفس الحديث
أظهرت الدراسات أن سمات الشخصية (مثل التفاؤل والتشاؤم) يمكن أن تؤثر في عدة جوانب من صحتنا وعافيتنا. ولطالما كان التفاؤل مرتبطًا بالتفكير الإيجابي وملازمًا له.
إذا كنت تميل للتفكير المتشائم فلا داعي لليأس لأنه بإمكانك أن تتعلم مهارات التفكير الإيجابي؛ إذ يقتضي منا التفكير الإيجابي أن نتعامل مع المواقف المزعجة بطريقة أكثر إيجابية وإنتاجية، وأن نعتقد أن الأفضل سيحدث وليس الأسوأ. ويُعدُّ التفكير الإيجابي ممارسة ممتعة وسهلة؛ فقد اتضح أن زيادة سعادتك ورضاك عمومًا لا يتطلبان تذكرة يانصيب رابحة أو تغييرًا جذريًّا في الظروف! فالأمر يتطلب فقط تغييرًا داخليًّا للمنظور والموقف، وهذا خبر جيد حقًّا لأنه شيء يمكن لأي شخص فعله؛ وإليك الخطوات:
- يبدأ التفكير الإيجابي دائمًا بالحديث مع النفس:
عندما تكون معظم الأفكار التي تجري في رأسك سلبية، تكون نظرتك للحياة متشائمة. أما الأفكار الإيجابية فتجعلك شخصًا متفائلًا؛ أي شخصًا يمارس التفكير الإيجابي.
يُظهِر لنا الجدول أدناه مقارنة بين الإيجابية والسلبية في الحديث مع النفس:
الحديث السلبي مع النفس التفكير الإيجابي
- لم أفعل هذا من قبل - إنها فرصة لتعلم شيء جديد
- إنه أمر معقد للغاية - سوف أتعامل مع الأمر من زاوية أخرى
- لا أملك الموارد اللازمة - الحاجة أمُّ الاختراع
- أنا كسول جدًّا ولن أتمكن من فعل هذا - لم أستطع إدراجها في جدول أعمالي،
ولكن يمكنني إعادة تقييم بعض الأولويات
- لا توجد طريقة لأداء هذا الأمر - سأحاول فعله
- إنه تغيير جذريٌّ للغاية - لا بأس، لنُجرِّب
- لا أحد مهتمُّ بالتواصل معي - سوف أرى إن أمكنني فتح قنوات التواصل
- ليس بوسعي فعل أفضل من ذلك - سأحاول مرة أخرى
- تذوق المتع الصغيرة:
هل لديك -مثل معظم الناس- قائمةً ذهنيةً بالأشياء التي تعتقد أنك بحاجة إليها لتكون سعيدًا؟
تلك الأشياء التي يُعلِّمنا مجتمعُنا أن نُطاردها كالنجاح والثروة والشهرة والحب الرومانسي؛ فهل حقًّا هي مفتاح السعادة؟
تجيبنا الأبحاث بـ لا، على الأقل فيما يخص السعادة الطويلة الأمد. فعادةً ما تمدُّنا تلك الأشياء بفرحة عارمة في البداية، إلا أن هذا الحماس لا يدوم طويلًا لأن البشر سريعو التكيف.
لست مضطرًّا لمطاردة تلك الأهداف المستهلكة، فقط لاحظ وتذوق المتع الصغيرة.
- لا تنظر إلى النصف الفارغ من الكأس:
صُمِّمَت أدمغتنا بحيث تلتقط الأخطاء وتتذكرها، وساهمت آلية البقاء هذه في حماية أسلافنا في عالم كان مليئًا بالتهديدات الجسدية. أما في عالم اليوم -الآمن نسبيًّا- فإن هذا الاستعداد البيولوجي للتركيز على العناصر السلبية يُسبِّب الإجهاد والتعاسة. ولا يمكننا -بالطبع- تغيير طبيعتنا؛ إلا أنه يمكننا تدريب أدمغتنا لتكون أكثر إيجابية.
ليس عليك أن تتجاهل الواقع أو تتظاهر بأن الأشياء رائعة حتى لو لم تكن كذلك.
أجل؛ إن الخوض في المشكلات والأمور السيئة يُسبِّب التعاسة، ولكنَّ اختيارك أن تُلاحظ وتُقدِّر وتتوقع الأشياء الجميلة التي تعزز السعادة بالمقابل.
- عوِّد نفسك على الشعور بالامتنان:
يُعزِّز الامتنانُ المشاعرَ الإيجابية ويُقلِّل الاكتئاب ويمنحك شعورًا أفضل تجاه نفسك ويُحسِّن علاقاتك.
كُن سريعًا في التعبير عن شكرك وتقديرك، فلن يجعلك هذا تشعر بالراحة فحسب؛ بل سوف يمنحك السعادة أيضًا.
دوِّن الأشياء الجيدة التي تحدث لك في أثناء اليوم، فالاحتفاظ بمدونة الامتنان يُزوِّدك بالسعادة باستمرار ويجعلك تشعر بأنك شخص مهم.
فكِّر مَليًّا في الأشياء الجميلة التي يجب أن تكون شاكرًا لها، كالأشخاص والخبرات والأشياء الجيدة في حياتك -الصغيرة منها والكبيرة- بَدءًا بالأشخاص الذين يحبونك وصولًا إلى السقف الذي يؤويك.
- ابحث عن العبرة:
ابحث عن الأمور الإيجابية في حدث سلبي من ماضيك؛ إذ حتى أكثر الظروف إيلامًا تنطوي على دروس إيجابية.
قيِّم الحدث وفكِّر في ما تعلمته (كيف أصبحت أقوى وأكثر حكمة وتعاطفًا)؛ فسوف يجعلك هذا أكثر سعادة وامتنانًا وسوف يعطي معنى لتلك المعاناة.
- استثمر في علاقاتك:
تُعدُّ علاقاتك إحدى أفضل الاستثمارات العاطفية التي يمكنك إقامتها. ابذل مجهودًا لتنمية علاقتك بالأشخاص الذين يجعلون حياتك أكثر إشراقًا ولاحِق السعداء، وشارك الآخرين سعادتهم وحماسهم بإنجازاتهم من أجل علاقات أوثق، وتذكَّر أن السعادة مُعديَة؛ فكلما تشاركت التجربة ستدور السعادة لتعود إليك.
- تأمَّل الحياة:
حاول أن تعيش اللحظة وتتذوق طعم الحياة، ستشعر بالسعادة والسلام الداخلي وستلاحظ الأشياء الجميلة وتقدِّرها على نحو أفضل؛ إذ يُعدُّ التأمُّل تقنيةً مهمةً لكي تتعلم أن تحيا وتستمتع باللحظة.
- اجعل يومك ممتعًا:
اعتمد عادات يومية ممتعة لتملأ يومك بالمرح؛ عادات بسيطة للغاية (مثل تناول فنجان من القهوة في الصباح والذهاب في نزهة قصيرة تحت أشعة الشمس في أثناء ساعة الغداء، أو ملاعبة كلبك عندما تصل إلى المنزل)، لا يهم ما تفعله ما دُمت تستمتع به وتُقدِّره.
- قلل من تعدد المَهام قدر الإمكان:
يقتضي تذوق الحياة انتباهَك الكامل؛ وهو أمر مستحيل عندما تحاول أداء أشياء متعددة في آن معًا؛ على سبيل المثال: إذا كنت تتناول وجبة لذيذة وأنت تتصفح الإنترنت على نحو يصرف الانتباه؛ لن تحصل على أقصى قدر من المتعة من الطعام.
- تتبَّع مصدر إلهامك:
إنَّ تذكُّر ذكريات وتجارب سعيدة يؤدي إلى مزيد من المشاعر الإيجابية في الوقت الحاضر.
حدِّد المشاعر الإيجابية التي تعرفها والتي جربتها في حياتك اليومية وحضِّر قائمة بها، وعندما تلاحظ مشاعر جديدة دوِّنها في قائمتك.
أضِف المواقف والأشخاص المرتبطين لديك بهذه المشاعر كشعورك بالفخر في نهاية مباراة كرة قدم جيدة مع أصدقائك، والمتعة لدى سماعك إحدى نكات مدرِّس التاريخ.
إن تتبُّع المشاعر الإيجابية يجعلنا أكثر وعيًا بها ويجعلنا نُدرك المواقف والأشخاص الذين يمدُّوننا بالإيجابية.
- اجمع الأشياء التي تُذكِّرك باللحظات العاطفية الإيجابية التي مررت بها:
كالصور والهدايا وتذكارات الطفولة والجوائز التي تُذكِّرك بالإنجاز والمقولات المُلهِمة المفضلة لديك.
- ساعد الآخرين:
سيشعرك ذلك بأنَّ تصرفاتك تُحدِث فرقًا، وسيُعزِّز تقديرَك لذاتك.
- حدد نقاط قوتك:
أسعدُ الناس هم الذين يعرفون نقاط قوتهم الفريدة ويبنون حياتهم حول الأنشطة التي تُتيح لهم استخدام نقاط القوة هذه من أجل الصالح العام. يمكن أن تتنوع نقاط القوة بين اللطف والفضول والصدق والإبداع وحب التعلم والمثابرة والولاء والتفاؤل والفكاهة.
- مارس الأنشطة التي تأسرك تمامًا:
إن الأنشطة التي تجذب انتباهك الكامل وتجعلك في حالة الانغماس التام وتلك الأنشطة المليئة بالتحديات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسعادة.
- مارس الرياضة بانتظام:
فهي تقلل التوتر والقلق والغضب والكآبة.
- النوم من أجل سعادتك:
احصل على القدر الكافي من النوم لأن ذلك يؤثر مباشرة في سعادتك وحيويتك واستقرارك العاطفي في أثناء النهار. عندما تكون محرومًا من النوم تكون أكثر عرضة للإجهاد. ومن الصعب أن تكون منتجًا أو أن تفكر على نحو خلَّاق وتتخذ قرارات حكيمة.
إن للتفكير الإيجابي والتفاؤل آثارًا في الصحة؛ منها:
- خفض معدلات الاكتئاب.
- تحسين مهارات التكيف مع الضغط النفسي والأوقات الصعبة.
- تقليل مستويات الشعور بالتوتر.
- تعزيز الصحة النفسية والبدنية.
- تحسين مقاومة الجسم لنزلات البرد.
- التقليل من مخاطر الوفاة الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية.
ترجع هذه المنافع الصحية إلى أن التحلي بنظرة إيجابية يتيح لك التكيف بطريقة أفضل مع المواقف الصعبة؛ مما يقلل الآثار الصحية السيئة التي يسببها الضغط النفسي لجسدك.
ومن المعتقد أيضًا أن الأشخاص الإيجابيين والمتفائلين يميلون إلى اتباع أنماط حياة أكثر صحة، ويمارسون المزيد من الأنشطة البدنية، ويتبعون نظامًا غذائيًّا صحيًّا ويبتعدون عن التدخين والكحوليات.
ختامًا؛ إن السعادة ليست شيئًا تملكه ولا أمرًا يحدث لك؛ بل إنها فقط خيار ووجهة نظر.
وكما يقول رشاد حسن في روايته (مرآة تبحث عن وجه): "إنك لن تصبح سعيدًا لمجرد أنك خرجت في نزهة، على النزهة أن تكون داخلك أولًا".
المصادر:
هنا
هنا
هنا