نظرية اللعبة وحوض الأبرش حلٌّ جديد لإدارة مناطق الأحواض النهرية في سورية
المكتب الإعلامي >>>> مقابلات
الأحواض النهرية:
مع تزايد أهمية الربط بين مختلف مستويات التخطيط والأبعاد البيئية الآنية والمستقبلية، أدَّت الأحواض النهرية دورًا حاسمًا بوصفها حالات دراسية تمتلك حساسية بيئية عالية، إضافةً إلى كونها وحدةً جغرافيةً رئيسيةً للتنمية المستدامة، نظرًا للروابط الاجتماعية والاقتصادية والمادية التي تربط تجمُّعاتها السكنية الريفية والحضرية خلافًا لغيرها خارج الحوض. وتبرز في الحالات الدراسية لإدارة الأحواض النهرية مجموعةٌ من النزاعات بين محاولةِ زيادة العوائد الاقتصادية الناتجة عن طريق تطوير استثمار أراضي المنطقة بمختلف أشكاله (سياحي أو صناعي أو زراعي) من جهة، وبين محاولة السيطرة على تفاقم تلوث مصادر المياه بوصفها أحدِ أهمِّ الأصول التخطيطية الطبيعية من جهة أخرى، ممَّا يجعل الأحواض النهرية حالةً دراسيةً تخطيطيةً بيئيةً متكاملةً للوصول إلى مجموعةٍ من الأطر الناظمة لإدارةٍ بيئيةٍ متكاملة للحوض بين جميع الأطراف الفاعلة وبين سلطات الحكومة المحليَّة (البلديات - المحافظة)، وقد اعتُمِدت نظرية اللعبة في هذه الدراسة.
لنبدأ بحوض الأبرش:
1. حوض نهر الأبرش:
يُعَدُّ من أهم الأحواض النهرية في المنطقة الساحلية في سورية، بمساحة 250 كم2، وينبع من الجبال الشرقية بارتفاع 1000 م عن سطح البحر، متَّجهًا غربًا بطول 45 كم وعرض يتراوح بين 5 و10 كم ليصبَّ في البحر الأبيض المتوسط.
يُقسم الحوض إلى ثلاث مناطق رئيسية تتميَّز كلٌّ منها بمجموعةٍ من الخصائص الجغرافية وهي:
1- المنبع: يرتفع من 400 إلى 1000 م عن سطح البحر.
2- المنطقة الوسطى: ترتفع من 100 إلى 400 م عن سطح البحر.
3- المصب.
Image: ©Tarek Rahmoun& Mohammed Rahmoun
Image: ©Tarek Rahmoun& Mohammed Rahmoun
الأنشطة الاقتصادية:
تتوزَّع الأنشطة الاقتصادية في منطقة الحوض بين السياحية والزراعية والصناعية، إضافةً إلى انتشارٍ غير منتظم للتجمُّعات السكنية، إذ يضمُّ الحوض أكثر من 90 ألف نسمة موزَّعة على 96 تجمُّعٍ بين قرىً ومزارع وأحياء، وتصبُّ جميع هذه الفعاليات فضلاتها مباشرةً في الحوض مسبِّبةً تلوُّثًا كيميائيًّا وبكتيريًّا؛ وخاصةً فضلات معاصر الزيتون ممَّا يسبِّب موت الأسماك وغيرها من الحيوانات في منطقة البحيرة. ويؤثِّر التلوُّث في المناطق الزراعية المروية أيضًا، مسبِّبًا أمراضًا سرطانيةً وانتشارًا للروائح الكريهة؛ خاصةً عند هبوط مستوى مياه البحيرة الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة والتغير المناخي. إضافةً إلى التلوث الناتج عن الاستخدام المتزايد للمبيدات الحشرية والأسمدة في المناطق الزراعية.
Image: ©Tarek Rahmoun& Mohammed Rahmoun
Image: ©Tarek Rahmoun& Mohammed Rahmoun
ماهي نظرية اللعبة؟
نشر الباحثان Neumann وOscar Morgenstern في عام 1944 كتاب "نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي" "Theory of Games and Economic Behavior"، والذي يعده الكثيرون أفضل إنجازٍ علميٍّ في النصف الأول من القرن العشرين، إذ أرسى هذا الكتاب القواعد الأساسية لنظرية اللعبة والتي ذُكِرت أول مرة عام 1913 من قبل عالم الرياضيات الألماني Ernst Zeemelo في ورقةٍ بحثيةٍ تتحدَّث عن لعبةِ الشطرنج تطبيقًا واضحًا للعبةٍ إستراتيجيةٍ من شخصين لا يؤدي الحظ فيها أي دور في عملية اتخاذ القرارات ولا يؤثِّرُ في النتيجة النهائية.
في العام 1949 قدَّم العالم Jhon Nash "الذي لعب دوره الممثِّل Russell Crowe في فلم A Beautiful Mind" دراسةً عن الألعاب القائمة على عدم التعاون "non-cooperative games" والتي أعادت الاهتمام بنظرية اللعبة من جديد. وما قدَّمه ناش هو نقطةُ التوازن التي سميَّت باسمه "Nash Equilibrium" وعرَّفها بأنَّها أفضل مجموعةٍ إستراتيجية يمكن أن يتَّبعها اللاعب ردًّا على اللاعبين الآخرين، أو هي الحالة التي يؤدي بها اللاعبون أفضل ما يمكنهم نظرًا لما يؤديه الآخرون.
لم اعتمدت نظرية اللعبة؟
تُستخدم نظرية اللعبة على نحوٍ واسع في الاقتصاد وعلوم الاجتماع والسياسة والأحياء، لتساعدَ المختصِّين على تحليل الظواهر الاجتماعية والسلوكية، بسبب قدرتها على تقديم نماذج رياضية للتفاعل الإستراتيجي وخصوصًا عملية اتخاذ القرارات. أمَّا نظرية اللعبة القائمة على عدم التعاون فهي مصدرٌ مهم للنماذج المتعلِّقة بعملية صنع السياسات، فهي أداةٌ تخطيطيةٌ تحليليةٌ صلبة في الحالات التي تتضمَّن صنَّاع قرار متعدِّدين مع تضارب مصالح كلِّي أو جزئي بينهم.
في الحالة الدراسية لحوض الأبرش يتَّخذ جميع اللاعبين (أطراف النزاع) قراراتهم على نحوٍ مستقل دون أيِّ تواصلٍ بينهم بهدفِ تحقيقِ أكبر مكسبٍ يمكن الحصول عليه. وقد حلَّلت الدراسة ورتَّبت الإستراتيجيات المتَّبعة من قبل الأطراف ضمن مصفوفة المكاسب للوصول إلى نقطة التوازن بينهم، وهي النقطة التي تضمن تحقيق أكبر مكسبٍ ممكنٍ لجميع الأطراف ضمن الشروط القانونية والبيئية المناسبة.
في البداية حُدِّدت وصُنِّفت المناطق ذات الاستخدامات الوظيفية الحسَّاسة والخطرة على المنطقة من الناحية البيئية باستخدام برنامج الـ GIS، ثمَّ صُنِّف اللاعبون الفاعلون والمؤثرون في المنطقة لينحصروا ضمن فئتين:
١- أصحاب المصالح (steakholders)؛ وتضمُّ هذه الفئة أصحاب الملكيات الصناعية (مكاسر الحجر ومعاصر الزيتون ومصابغ الأقمشة)، والملكيات السياحية (مقاهي ومطاعم بدرجاتها المختلفة)، والملكيات الزراعية والسكنية والتي تؤثر بمجموعها وعلى نحوٍ حاسم في معدَّلات تلوث المصادر المائية ( بحيرة و نهر) بمعدَّلاتٍ تراكميةٍ مسبِّبةً استنزافًا باتجاهٍ واحد لموردٍ طبيعيٍّ حيوي لسببين؛ الأول هو ضعف البنى التحتية المخصَّصة لمعالجة النفايات الصلبة والسائلة على الرغم من وضع إحدى محطَّات المعالجة في الخدمة في الآونة الأخيرة، لكنَّ البنية التحتية اللازمة لتغطية الرقعة الجغرافية للحوض ما زالت ضعيفة. والثاني هو عدم جاهزية المنشآت الاقتصادية بالتقنيات والتجهيزات اللازمة للفرز والمعالجة المرحلية للنفايات المختلفة.
٢- الجهات الحكومية المحلية؛ وتضم (البلديات السَّبع التي يقع الحوض ضمن نطاقها الإداري)، والمحافظة والتي يقع على عاتقها مجتمعةً وبتخطيطٍ متكاملٍ العمل على تطبيق قوانين وتشريعات حماية البيئة وتنظيم مختلف النشاطات في منطقة الحوض لحمايته من التلوث.
بتطبيق نظرية اللُّعبة على الحالة المدروسة بعد دراسات كلِّ الإستراتيجيات المحتملة لكلٍّ من اللاعبين مع إظهار إيجابيات وسلبيات كل إستراتيجية ومكاسبها، أظهرت النتائج الأولية أنَّ نقطة التوازن (Nash equilibrium) في اللعبة هي (عدم تعاون - عدم تعاون)؛ أي أنَّ كلًّا الطرفين سيميل إلى اتباع إستراتيجية عدم التعاون مع الطرف الآخر كونها أفضل إستراتيجية يمكن اتباعها، ويستطيع عن طريقها تحقيق أفضل كسبٍ ممكنٍ بغضِّ النظر عن أي إستراتيجيةٍ يمكن أن يتبنَّاها ويعتمدها اللاعب الآخر، بسبب انعدام الثقة بين الأطراف وعدم الدراية الكاملة بالمكتسبات الاقتصادية البعيدة الأمد في حال التعاون، بغض النظر عن الخسارة الاقتصادية في المدى القصير.
تنتقلُ الدراسة بعدها إلى المرحلة الثانية بتدخُّل الجهات الحكومية الأعلى (المحافظة) بوصفها سلطة إقليمية وجهة مفوَّضة بحماية المصادر الطبيعية بسلطة القانون، مقدِّمةً إستراتيجيةً تنمويةً محليةً مبنيةً على سياسات تخطيطية تنافسية وتحفيزية بين المناطق المتشابهة جغرافيًّا وبيئيًّا (تنافس الحوض مع غيره من الأحواض النهرية المجاورة)، لتتغيَّر النتيجة بعدها ويميل اللاعبان إلى إستراتيجية (تعاون - تعاون) في ضوء التبدُّل في ميزان الربح والخسارة، ممَّا يؤدي إلى التغيير في نقطة التوازن للعبة في النهاية وتحقيق توازنٍ بيئيٍّ - اقتصادي في حوض النهر ومساعدة اللاعبين لاتخاذ قرارات منطقية.
يُعَدُّ البحث المقدم طريقةً جديدةً في إدارة العلاقات وبناء السياسات التخطيطية ضمن شبكة الفاعلين -اللاعبين وأصحاب المصالح الاقتصادية والجهات الحكومية التي تشمل البلديات المعنية بمنطقة الدراسة ثم المحافظة- تدريجيًّا باستخدام نظرية اللعبة (Game Theory) اعتمادًا على أنموذجٍ رياضي للانتقال من مرحلة الهدم البيئي الحالي إلى نقطة توازنٍ Nash equilibrium مرحلية، ثمَّ الوصول إلى معادلةٍ اقتصاديةٍ بيئيةٍ متوازنةٍ طويلة الأمد.
ومن هنا يمكن تصنيف البحث بوصفه أحد الحلول المقترحة لتطبيق التخطيط التشاركي واللامركزية التخطيطية بهدف تحقيقِ تنميةٍ اقتصاديةٍ وبيئيةٍ مستدامة.
ولقراءة المزيد من التفاصيل تستطيعون الاطلاع على البحث وقراءته عن طريق الرابط:
هنا
بطاقة تعريف:
طارق رحمون: حاصل على دكتوراه في الهندسة المعمارية اختصاص تخطيط إقليمي (التخطيط الحضري والريفي) من جامعة تشونتشينغ، وباحث ناشر ومشارك في عدة مؤتمرات علمية دولية.
محمد رحمون: طالب ماجستير في التصميم المعماري في جامعة تشونتشينغ، وعضو في منظَّمة الباحثون السوريون ومدير قسم العمارة والتشييد فيها.