لقاء صحفي مع الدكتورة شاديه حبال
المكتب الإعلامي >>>> مقابلات
لينا: بالتأكيد كانت رحلة علمية شاقة في الوصول إلى ما أنتِ عليه الآن، هل لك أن تلخصي لمتابعينا أهم الصعوبات التي واجهتكِ في مسيرتك الأكاديمية؟
د.شاديه: دائماً ما يطرح هذا السؤال نفسه في كل ما يتعلق بحياة المرأة وخصوصاً المراحل الأكاديمية منها، بشكل عام تكمن الصعوبات في نظرة المجتمع العملي للمرأة ولا يقتصر هذا على المرأة الشرقية فالمجتمعات الغربية لا تخلو من ذلك، حيث يتوجب عليكِ إثبات الجدارة والكفاءة بصورة مستمرة.
أما بشكل خاص فربما كانت مرحلة الدراسات العليا من أصعب المراحل التي تجاوزتها بنجاح، نظراً لكوني متزوجة آنذاك وما يترتب عليه من واجبات عائلية كالعناية بطفلتي، حيث أنهيت تلك المرحلة بالتزامن مع أقراني من الأكاديمين الشبان مع فرق المسؤوليات العائلية التي تقع على عاتق الأم الأكاديمية.
لينا: من المعروف أن الفتيات في الوطن العربي -مع الأسف- يواجهنَ الكثير من التحديات وخصوصاً الطموحات منهن أكاديمياً، بم تنصحين الفتيات لكي يواجهنَ تلك التحديات؟
د.شاديه: لابد من توجيه النصيحة للأهل أولاً، حيث أن مساندة العائلة قد تلعب الدور الرئيس في تشجيع أبناءها من الجنسين لمتابعة تحصيلهم العلمي والمثابرة على تحقيق أحلامهم في مختلف المجالات، كما يجب أن تعمل على تنمية قدراتهم ومهاراتهم. بالنسبة للفتيات المقبلات على المراحل الأكاديمية المختلفة، فعليهن التحلي دائماً بقدر كبير من الثقة بالنفس وإيمان قوي بقدرتهن على اجتياز كل ما يَعوقُهُنّ عن تحقيق أهدافهِن؛ الثقة بالنفس وعدم الاستسلام هي عوامل أساسية لتحقيق أي حلم.
لينا: هل لكِ أن تحدثينا عن مجال أبحاثك العلمية الحالي؟
د.شاديه: حاليا أتابع أبحاثي حول الإكليل الشمسي (Solar Corona) الذي يلعب دوراً أساسياً في تفاعل الشمس مع الجو المغناطيسي وغير المغناطيسي والذي يؤثر على كافة كواكب المجموعة الشمسية. لدي أبحاث أخرى حول الرياح الشمسية (Solar Wind) التي تنشأ من الشمس منتشرةً نحو الفضاء. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، ترأست فريقاً من الباحثين لمتابعة ورصد الشمس أثناء الكسوف الكلي، حيث توجب علينا السفر حول العالم وفقاً لأماكن حدوث الكسوف. صعوبة مثل هكذا رحلات بالنسبة لي لا تتعدى الصعوبات البحثية والتعامل مع التجهيزات في موقع البحث كأي باحث آخر، بمعنى أن معظم الزملاء هم من الرجال ولكن لم يمنعني ذلك من المشاركة حيث أننا في الفريق ننظر إلى بعضنا بعين الفرد الباحث نحو هدف مشترك، وليس بعين التفريق بين المرأة والرجل طالما أن الخبرات والقدرات الشخصية هي التي تحدد كفاءة الباحث بعيداً عن جنسه.
لينا: ما الذي دفعك لاختيار الفيزياء كدراسة وبم تنصحين الطلبة والطالبات المقبلين على دراستها؟
د. شاديه: لطالما جذبتني المواد العلمية، ولكن قرار التخصص في الفيزياء اتخذته عندما كنت في الصف التاسع بفضل مدرّسة الفيزياء آنذاك، حيث كانت طريقتها حيوية وممتعة. كما تأثرت لاحقاً بقصة (ماري كوري) الملهمة، كأول شخص والمرأة الوحيدة التي تحصل على جائزة نوبل مرتين.
وللطلاب الحاليين أقول: إن الفيزياء كعلم أساسي تتفرع عنه معظم العلوم الآخرى، فهو معرفة أساسية تمنح الانسان القدرة على فهم الأشياء والكون من حوله بشكل أفضل، لذلك أنصحهم بالجد والمثابرة لتحصيل علمي ومعرفي أكبر ما يمكن في كل المواد العلمية والمعرفية ذات الصلة، إذا كانوا من الهتمين بعلم الفيزياء.
لينا: هل أنت على اطلاع بالحركة العلمية العربية الالكترونية، وما تعليقك عليها؟
د.شاديه: لم أكن من متابعي الحركة العملية الاكترونية (الافتراضية) سابقاً، ولست مقتنعة بتجربة ترجمة ونشر المقالات العلمية، حيث يوجد عدد هائل من المقالات ولا أظن أنه يوجد كادر كافٍ من الأشخاص لديهم الوقت الكافي والقدرة لترجمة هذه المقالات بمختلف التخصصات، ولكن الأفضل برأيي هو ترجمة بعض المقالات العامة التي تشكل الخلاصة في مجال ما.
أرى انه يجب على الراغبين في استكمال مشوارهم العلمي بنجاح أن يتقنوا اللغة الانجليزية، وعلينا تشجيع الشباب لتعلم الانجليزية؛ لأنها لغة العلم الحالية. فعلى سبيل المثال، تفوق الصين بعدد سكانها أي دولة ولكن اللغة العلمية فيها هي الانجليزية، فهي اللغة العالمية للانتشار والنشر العملي.
علينا تقبل هذا الواقع، كما كانت اللاتينية هي اللغة العلمية أو العربية في مرحلة تاريخية سابقة أيضاً.
لينا: هل يمكن القول أنه قد فاتنا القطار للحاق بركب التقدم العلمي في الغرب؟ ما الذي يمكننا فعله للتحسين من وضعنا؟ هل سيكون هناك تأثير للخطوات العلمية التطوعية مثل "الباحثون السوريون" ؟ وما مدى تأثيرها حسب رؤيتك؟
د.شاديه: لا بد أن الطريق أمامنا سيكون طويلاً وصعباً، ولكنني لا أؤمن أبداً أن القطار فاتنا في أي مجال، طالما وجدت الإرادة ستوجد الوسيلة. الشباب العربي دائماً لديه أفكار متجددة ومحب للاستطلاع والابتكار بطبعه.
أما مبادرة "الباحثون السوريون" فهي خطوة جيدة جداً على الوطن العربي خصوصاً، وسيكون لها تأثير عميق إذا حققت الانتشار بين مجتمع الشباب.
لينا: كونك فلكية، ماذا يعني لك النظر إلى السماء؟ كيف تصفين شعورك عندما دخلت مرصداً فلكياً لأول مرة؟
د.شاديه: لطالما أثار النظر في السماء العديد من التساؤلات بداخلي عن الكون ومعجزاته، وعن كيفية تكون الكون، والقوانين الفيزيائية والأنظمة التي تتبعها الأجرام السماوية في انتظامها العجيب.
ومع وجود المرصد يتزايد هذا الشعور، ويصبح من الممكن مشاهدة تفاصيل أدق كانت لا ترى بالعين المجردة؛ الأمر الذي ولّد بداخلي تساؤلات أكثر ودفعني للتعمق بشكل أكبر في الدراسة والبحث.
لينا: هل تجدين صعوبة بالحصول على تمويل لأبحاثك؟
د.شاديه: الحصول على التمويل في مجالنا دائماً ما يتطلب التنافس، وتلعب الكفاءات العملية الدور الأكبر للحصول على التمويل، ولكن -بفضل الله- حالفني الحظ وحصلت على تمويل بشكل شبه مستمر على طول مسيرتي البحثية، حتى الوقت الحاضر. ولكن لا بد للباحث من الاستمرار في إثبات جدارته وأن يبرهن أهمية القيمة العلمية لأبحاثه بشكل مقنع للجهات التي تقدم التمويلات.
لينا: يوجد الكثير من الصور السلبية النمطية حول قدرة الفتيات وعلاقتهم بالرياضيات، كيف تصفين هذه العلاقة؟
د.شاديه: أرى أن هذه الصورة مهينة ومذلة لأنها تنتقص من قدر المرأة كإنسان ذكي ومبتكر، والغريب أن هذه الصورة موجودة ربما بشكل أكبر في المجتمع الغربي كما لاحظت، حيث أنني لم أواجه صعوبات أثناء وجودي في سوريا كتلك التي صادفتها في الولايات المتحدة لكوني أمرأة باحثة في المجال العملي.
لينا: لماذا علينا دعم العلوم؟ بالأخص تلك التي لا تعود بنفع اقتصادي مباشر مثل؛ أبحاث فيزياء الجسيمات أو الفيزياء الفلكية؟
د.شاديه: دعم العلوم من أساسيات الحياة وتقدم أي حضارة، التقدم ليس بالضرورة أن يكون ملموساً من قبل الجميع ولكن النتائج تخبرنا دائماً أين نحن من العلم والتقدم. العلوم كالفنون، تحتاج الى إبداع وخيال ومعرفة منها ينطلق الإنسان الى مجالات وآفاق جديدة؛ تؤدي الى إنجازات، خطواتها مدروسة ونتائجها متوقعة أو غير متوقعة بل ومذهلة أحياناً.
لينا: كلمة أخيرة توجهينها لكل فتاة سورية وعربية لديها طموح علمي ومعرفي؟
د.شاديه: الثقة بالنفس هي الأهم، ومن الضروري أن يتحلينَ بمستوى عال من الثقة بالنفس وأن يكنّ على قدر كبير من المثابرة والإصرار، وأن لايسمحن للتأثيرات الخارجية أن تحيد بهم عن المسار العملي وأهدافهن، فالمجال العلمي ليس حكراً على الذكور، ويمكن للمرأة أن تكون مبدعة جداً فيه.
الباحثون السوريون:
شكراً لك د.شادية على هذا الحوار اللطيف والممتع والغني بكل مايشجع الشباب السوري خاصة والعربي عامة للمضي قدماً نحو تحقيق أهدافهم الأكاديمية والإصرار عليها مهما كانت الصعوبات والمعوقات، فهناك دائماً نهاية لكل مرحلة صعبة مهما طالت نحو بداية جديدة في سلسلة لا تنته على طريق العلم والعمل.
تعلمنا منك "الثقة بالنفس وعدم الاستسلام، هي عوامل أساسية لتحقيق أي حلم"