النيكوتين؛ دواء معجزة؟
الكيمياء والصيدلة >>>> تأثير أدوية
بعيدًا عن السجائر؛ يوجد النيكوتين في أشكال صيدلانية مثل العلكة التي تحوي مقادير من النيكوتين أو اللصاقات الجلدية التي تُحرر النيكوتين شيئًا فشيئًا، وعلى نحو لافت أظهر هذان الشكلان (العلكة واللصاقة) تأثيرًا في التخفيف أو الوقاية من بعض الأمراض العصبية، وتحسين الانتباه والذاكرة.
من هذه الأمراض نذكر:
1- داء باركنسون؛ وهو مرض يُصيب الجهاز العصبي المركزي ويُسبب مشكلات في حركات الجسم متضمنة الرعاش، والتصلب العضلي، وبطء في حركة الجسم، وصعوبة المشي.
2- قصور الإدراك المتوسط MCI؛ وهي مرحلة ما بين التراجع الإدراكي (بسبب الشيخوخة الطبيعية) وبين الضعف الإدراكي الأكثر خطورة الناتج عن الخرف ومرض ألزهايمر.
3- متلازمة توريت Tourette Syndrome؛ وهي مشكلة في الجهاز العصبي من أبرز أعراضها التشنجات الحركية اللاإرادية والتشنجات الصوتية اللاإرادية.
4- الفُصام.
وكذلك ارتبط بعدد من التأثيرات مثل تحسين التركيز والانتباه ونقصان الوزن أيضًا.
مشكلة النيكوتين الأساسية هي وجوده في السجائر، ولا يمكن للناس أن يفصلوا بين النيكوتين والسجائر في أذهانهم.
أظهرت عالمة البيولوجيا العصبية Chesselet في جامعة كاليفورنيا أن النيكوتين يزيد من مستويات الدوبامين، وهو ناقل عصبي يؤدي إلى زيادة الانتباه، وسلوك المكافأة، وخطر الإدمان كالمراهنة أو حتى تعاطي المخدرات، ثم إنه يُساعد على التحكم بالحركة وينظم السلوكيات التي تُسبِّب الإدمان أو ما يُعرف بالإدمان السلوكي؛ وهو اضطراب يتميََز بتكرار سلوكيات وأفعال معينة حتى وإن كانت مضرَّة، مع ضعف التحكم بتواتر هذا السلوك نتيجة فشل مقاومة رغبة الفعل ذاته أو إغرائه، ويمكنكم معرفة المزيد بقراءة مقالنا هنا.
توجد مستقبلات النيكوتين في الجسم المخطط بالقرب من مركز الدماغ الذي تحدث فيه عمليات التخطيط والتحكم بالحركة. وأيضًا وجدت أن جرعة صغيرة من النيكوتين تُحفِّز إطلاق الدوبامين في الجسم المخطط، وهذا التأثير يُشير لنا لماذا يمكن أن يُساعد النيكوتين على علاج مرض باركنسون الذي من أهم مظاهره الاهتزاز وصعوبة المشي والتنسيق. وعلى الرغم من أن السبب النهائي لا يزال غيرَ واضح؛ لكن عرف علماء الأعصاب منذ زمن طويل أنه مع تفاقم الأعراض تتلاشى الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين في الجسم المخطط.
واعتمد العلاج المعياري -منذ ستينيات القرن الماضي- لهذا المرض على دواء ليفودوبا L-dopa؛ وهو طليعة الدوبامين الذي يمكنه اجتياز الحاجز الدماغي الدموي ليتحول إلى دوبامين.
وبالدراسة بدا أن النيكوتين يُخفِّف من الارتعاشات والتشنُّجات اللاإرادية الناجمة عن مرض باركنسون وحتى اضطراب الحركة الناجم عن العقار الرئيس المستخدم لعلاج باركنسون L-dopa.
وإلى جانب تأثيرات النيكوتين على الدوبامين؛ فإن إحدى وظائف مستقبلات النيكوتين هي إدخال الكالسيوم إلى الخلايا باعتدال، فإن وجود النيكوتين يزيد من كمية الكالسيوم داخل الخلايا وهذا يبدو أنه يُحسِّن من البقاء الخلوي.
ثم إن له تأثيرًا مضادًّا للأكسدة أيضًا؛ فيساعد على التخلص من الجذور الحرة الناتجة عن عملية الاستقلاب؛ وبهذا حماية الدماغ. وفي تجربة سريرية عشوائية شملت 67 من الأشخاص في مرحلة مبكرة من ألزهايمر؛ تلقَّى قسم منهم جرعةً من النيكوتين قدرها 15 ملغ عن طريق اللصاقات الجلدية، وتلقَّى القسم الآخر علاجًا وهميًّا مدة ستة أشهر؛ ووجدت النتائج تحسُّنات ملحوظة مرتبطة بالنيكوتين في الانتباه والذاكرة.
وأظهرت دراسات أخرى أن النيكوتين يُحسِّن من قدرة المصابين بالفُصام على تركيز انتباههم وتذكر الأحدث الأخيرة، إضافة إلى ذلك فهو يخفف من الأعراض التي يسببها عقار هالوبيريدول haloperidol المضاد للذهان من خلل بالحركة.
ولربما الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن النيكوتين -في دراسات أخرى- لم يُسبِّب الإدمان أو الانسحاب عند استخدامه لعلاج الأمراض.
باختصار؛ ما يُقدَّر بنحو 45.3 مليون شخص (أي ما يُمثِّل 19.3% من مجموع البالغين المدخنين في الولايات المتحدة) هم ليسوا مدمنين على النيكوتين؛ بل مدمنون على المجموعة عامة من نيكوتين (Nicotine) - أنابازين (Anabasine) - نورنيكوتين (Nornicotine) - أناباتين (Anatabine) - كوتينين (Cotinine) - ميوسمين (Myosmine) - أسيتالدهيد (acetaldehyd) وغيرها. إذ يحوي التبغ آلاف المكونات الكيميائية وهو فعلًا ما يستحق خوفنا لكونه الشيطان الأكبر للإدمان.
ولكن على الرغم من فوائد النيكوتين المحتملة؛ فإن الباحثين يحتاجون مزيدًا من الأدلة قبل أن يوصوا بلصاقة النيكوتين لأي غرض آخر غير غرض المساعدة على الإقلاع عن التدخين الذي وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء FDA.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا