النرجيلة بين المعتقدات والواقع، هل ستصبح آمنة يوماً ما؟
الكيمياء والصيدلة >>>> كيمياء
الشيشة كما تُسمّى في مصر وجنوب إفريقيا أو النرجيلة كما تُسمّى في أغلب الدول مثل سوريا والعراق وفلسطين والأردن ولبنان وتركيا واليونان وأرمينيا أو ال hookah كما تعرف في الولايات المتّحدة الأمريكية والهند وباكستان، كما وتعرف في إيران باسم قليان وفي فيتنام ديو كاي.
تُعرف النرجيلة كنوعٍ من أنواع أنابيب المياه التي تُستخدم لاستنشاق دخان التبغ المنكّه بنكهاتٍ مختلفة، وتتمّ عملية الاستنشاق هذه على فترةٍ طويلةٍ من الزمن عبر خرطومٍ يشبه جذعاً متفرعاً من أنبوبٍ طويل يمرّ بحوضٍ أو زجاجةٍ صغيرة مملوءة بالماء.
عرفت النرجيلة أولاً في الهند وفي الشرق الأوسط منذ أكثر من 400 سنة، وازدادت شعبيتها أكثر حتّى انتشرت بين البالغين والشباب الجامعيين خلال السنوات العشر الماضية انتشاراً أوسع، حيث وصلت إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن الطبيعي جداً أن تمتد النرجيلة إلى العالم بهذه السرعة بسبب شعبيتها الزائدة بين الناس، حيث أنّها تنتشر في كافّة المتاجر والمقاهي التي تُخصّص عادةً لشربها بنكهات مختلفة.
بدأ أغلب مدخني الأرجيلة في تدخينها في سوريا منذ أوائل التسعينات بعد بدء انتشار المعسل، حيث أكّدت إحصائية أجريت عام 2002 في مقاهي الأرجيلة في حلب، أن معظم مدخنيها بدأوا التدخين بعد عام 1990 وهو تاريخ يتسم ببدء انتشار المعسل
الآن ..
هل أنت مدخن ؟
نتعرّض أغلبنا لمثل هذا السؤال ..
يعتقد البعض أنّ تدخين نرجيلة المعسّل بنكهاتها الطبيعية لا يشبه أبداً تدخين التبغ أو السجائر، لذلك غالباً ما يجيب بأنه يدخن ولكن فقط نرجيلة المعسل، وهي ليست كالسجائر.
وقد ساد هذا الاعتقاد لفترة من الزمن ضمن الأوساط العلمية أيضاً، ويستند إلى أنّ النرجيلة تعمل كجهاز ترشيح، فالمياه ترشّح التبغ من كل ما فيه من مواد ضارّة كالتي توجد في السجائر، حيث تقوم المياه باستقطاب الجزيئات القطبية الضارة من دخان التبغ الذي يمر عبرها.
يقول في ذلك الدكتور خالد أنيس ، رئيس حملة NTAG التثقيفية لتدخين النرجيلة في مانشستر :
" هناك اعتقادٌ خاطئ بأن النرجيلة ليست سيئة كالسجائر، فالتبغ الموجود فيها منكّه ويمرّ عبر الماء أولاً ليصفّى، لكن المواد المسرطنة والنيكوتين لا يمكن أن تصفّى بهذه الطريقة وستبقى موجودة وعالقة، لذلك فإنّ مدخن النرجيلة معرّض كمدخن السجائر للمخاطر ذاتها من أمراض القلب والسرطان والجهاز التنفسي وحتّى الإدمان ، و عادةً ما يشعر بالحاجة للنرجيلة في كل يوم كمدخن السجائر تماماً "
ويمكنكم الاطلاع على مقالنا السابق الذي ينفي صحة هذا الاعتقاد:
هنا
والآن لنتحدّث بلغة الواقع، فأغلبنا يعلم أنّ تدخين النرجيلة لا يختلف أبداً عن السجائر إذ يحتوي دخانها على العديد من المواد الكيميائية الخطرة التي تحويها السجائر وقد تكون أحياناً بتراكيز أعلى، ولا ننسى أن زمن تدخين النرجيلة الطويل يجعل المدخن عرضةً لأخطار هذه المواد بشكل أكبر من السجائر أحياناً أخرى ، فمتوسط جلسة النرجيلة تمتد 30 إلى 60 دقيقة، أي ما يعادل تدخين علبة سجائر كاملة!
جدير بالذكر أن المعسّل المنكه هو تبغ أضيفت له مجموعة من المواد الكيميائية ابتداءاً بالملونات والمنكهات لإعطائه نكهة ورائحة ولون الفاكهة المراد تذوقها، وليس انتهاءاً بمحلول الغليسرين الذي يرطب التبغ ويزيد كثافة الدخان الصادر عن احتراقه.
إذاً فتدخين النرجيلة ليس مجرّد أمر للتسلية، إنّه يحمل من الخطورة والإدمان ما تحمله السجائر تماماً ،وقد حذّرت المراكز الطبيّة للوقاية من الأمراض (CDC) من استخدام النرجيلة، فهي على الأقل سامّة كدخان السجائر إن لم نقل أكثر، وقد ذكر الباحثون في تلك المراكز أنّ مدخنيها يتعرضون لأوّل أكسيد الكربون و للمعادن الثقيلة والنيكوتين ومجموعة متنوعة من المواد المسبّبة للسرطان وممكن أن تضعف وظيفة القلب وتؤدي إلى سرطان الرئة والمعدة والفم وانخفاض معدل الخصوبة.
والخطر الأكبر في استخدام النرجيلة هو التعرّض لمستويات عالية من أول أكسيد الكربون ، فاستنشاق مستويات عالية منه يمنع جريان الأوكسجين داخل الجسم بشكل فعّال ضمن الخلايا و يعرف ذلك بحالة (نقص الأكسجة) وعدم كفاية إمدادات الأوكسجين ، وهذا ما يلاحظ آثاره مدخني النرجيلة أثناء تدخينهم من صداع وشعور بالدوار أحياناً وضيق في التنفس ، وتتناقص هذه الآثار تدريجياً عند عودة المدخن إلى وضعه الطبيعي واستنشاقه الهواء النقي.
وما يثير الغرابة حقاً هو وجود بعض التناقضات في دراسة خطورة النرجيلة رغم وضوح هذه الخطورة ولكن قلّة الأبحاث في ذلك خلقت بعض التفاوت في تقديرها، فوفقاً لبحث قامت به منظمة الصحة العالمية (WHO) ،قُدّر حجم الدخان المستنشق في جلسة تدخين واحدة للنرجيلة لمدة ساعة ما يعادل 100 إلى 200 سيجارة!
ورغم وجود دراسات مناقضة لما سبق، يؤكّد الدكتور كمال الشواشي، وهو خبيرٌ في دراسة التبغ أجرى أبحاثه حول النرجيلة على مدى 15 عاماً، أن سبب التناقضات يعود لقلّة الأبحاث في هذا الموضوع رغم خطورته المنتشرة بسرعة حتّى بين الأطفال والمراهقين الصغار، إذ من الممكن جداً أن تنتقل أخطار النرجيلة إلى الأطفال من خلال استنشاقهم دخانها عن طريق المدخنين من الآباء أو الأقرباء في المقاهي والمطاعم التي تكاد لا تخلو منها ، وذلك وفقاً لنتائج إحدى الدراسات الإحصائية التي أجريت على بعض الطلاب الصغار من الصف السادس والسابع في لبنان .
رغم كل ما ذُكِر، فإن مدمني النرجيلة يجدون صعوبةً بالغة في الإقلاع عنها، فهل من حلّ إذاً ؟
ربما نرجيلة غير مؤذية بالصحة مثلاً ..!!
نعم ، ولم لا؟
فما زالت تجري أبحاث عديدة إلى الآن لإيجاد طريقة آمنة لتدخين النرجيلة، وقد وجدت إحدى الدراسات الحديثة أسلوباً جديداً في تدخين النرجيلة و أطلقت من خلالها أحدث الإضافات إلى السوق، وهي حجارة البخار التي يُعتقد أنّها أكثر أماناً من تدخين النرجيلة التقليدية وهي عبارة عن صخور مسامية أو حصاة تنقع في منكّهات حلوة المذاق مماثلة لتلك الموجودة في تبغ نرجيلة المعسل المعروفة .
حيث يتم تسخينها بدلاً من التبغ على النرجيلة فيندفع تيار بخار عبر الدخان ليتم سحبها بعد ذلك، وإحدى مشاكل هذه الطريقة هي في تسخين هذه الحجارة، فإن تمّ تسخينها عبر الفحم فلن تختلف كثيراً عن النرجيلة التقليدية التي نعرفها ، وعلى هذا الأساس فإنّ حجارة البخار لا توفّر بالضرورة نظاماً آمناً لتدخين النرجيلة وهذا ما أكّده المهندس أريان سافري، وهو مهندس كيميائي من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، فهناك الكثير من المعادن السّامة تأتي من الفحم بغضّ النظر عن كون أنّ هذه الأحجار تمتلك نسبةً أقل من المعادن السامّة مقارنةً مع التبغ العادي ولذلك اقتُرح استخدام سخّان الكتروني بدلاً من الفحم، فهذا من شأنه تحسين السلامة الصحيّة في تلك الطريقة.
من جهة ثانية، وجِد أيضاً من خلال تجربة إضافية لبحثٍ تمّ نشره في مجلة (Microchemical) أنّ الحجارة ذاتها بعيداً عن الفحم تحتوي كمية صغيرة من الزرنيخ السام.
إذاً فحتّى باستخدام السخّان لا يمكن للتدخين أن يكون آمناً تماماً بهذه الطريقة.
فما الحل اذاً؟
هل يمكن أن توجد وسيلة آمنة لتدخين النرجيلة يوماً ما؟
والسؤال الأهم في النهاية :
هل يمكن لمثل هذا المقال أن يغيّر من نظرتك إلى النرجيلة باتجاه الإقلاع عنها ؟ شاركونا آرائكم
المصادر: هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا