هل "لغة الأطفال" أوضح للصغار حقًا من "لغة الكبار"؟
التعليم واللغات >>>> اللغويات
نحاول عادة أن نجعل الأصوات التي نصدرها أوضح عندما نوجه كلامنا إلى شخص قد يعاني صعوبة في فهم ما نقول، كأن نتحدث إلى شخص ما عبر خط هاتف يحيط به الضجيج، وافترض بعض الباحثين أن الأهل يفعلون الأمر عينه عند الحديث إلى أطفالهم في محاولة عفوية منهم لمساعدتهم على فهم الأصوات واللغة، ففتحُ فمك أكثر عند قولك "آه" للطفل، على سبيل المثال، سيسهِّل على الطفل تمييز هذه الصوت عن غيره من الأصوات، ولكن قليلًا فقط من الدلائل العلمية يثبت هذا الاعتقاد، وفي جهود تعاونية بحتة قرر فريقا بحث في كل من باريس في فرنسا وطوكيو في اليابان أن يضعا هذه الفرضية تحت الاختبار.
سجل الباحثون أولًا أصوات 22 أمًّا يابانية في أثناء حديثهن مع أطفالهن (الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و24 شهرًا) ومع مختَبِر، ومن ثمَّ أمضى فريق من الخبراء في مختبر تطوير اللغة في معهد RIKEN لعلوم الدماغ في طوكيو 5 سنوات في تدوين ملاحظاتهم عن التسجيلات التي تبلغ مدتها 14 ساعة لتحديد جوانب معينة من الكلام مثل بدايات الأحرف الساكنة والصوتية والعبارات ونهاياتها، ويقول الباحثون إن هذه التسجيلات تُعدُّ على حدِّ علمهم من أكثر الخطابات الموجهة إلى الأطفال التي دوِّنت عليها ملاحظات دقيقة، وذلك على مستوى العالم.
ومن ثمَّ طَبَّق الباحثون تقنيةً طوروها لقياس التشابهات الصوتية بين أي مقطعين صوتيين مثل "ba" و"pa" و"bo" و"po"، ولكون التحليل أوتوماتيكيًّا فقد تمكن الفريق من اختبار أكثر 118 تباينًا شائعًا بين المقاطع الصوتية في كل من الكلام الموجه إلى الكبار والصغار، وكانت النتائج مفاجئة؛ فقد كان كلام الأمهات مع أطفالهن أقل وضوحًا من كلامهم مع المختَبِر.
تقول (أليخاندرينا كريستيا)، الباحثة في المركز الوطني للبحوث العلمية في باريس: "تكمن أهمية هذه النتائج في كونها تخالف الفكرة الشائعة بأن على الأهل الإفراط في التوضيح عند تحدثهم مع الأطفال، وقد استندت الدراسة إلى بياناتٍ تحوي طيفًا واسعًا من الاحتماليات وتحليلٍ قائم على دراسة تشمل تباينات صوتية أكثر بمقدار 10 مرات مما شملته دراسات سابقة".
وينوه الباحثون بأن هذه النتائج ليست دليلًا على أن استخدامك لكلمات واضحة أو أقل وضوحًا في حديثك مع صغيرك يساهم في تحفيز اكتسابه للُّغة، لكنها قد تلقي الضوء على السبب الذي يجعل الأطفال يفوقون الكبار مهارةً في تعلم الأصوات المميزة في لغاتهم.
ويقول (أندرو مارتن)، وهو عضو في فريق الباحثين في طوكيو، شارحًا: "تشير نتائج الدراسة إلى أن السرَّ وراء عبقرية الأطفال الرضع في تعلم اللغة، على الأقل فيما يتعلق بالتباين الصوتي، قد يكمن في الأطفال أنفسهم، فقدرتهم على تمييز الأصوات مما يتلقونه من كلامٍ أقلَّ وضوحًا من الذي يستخدمه الكبار فيما بينهم تجعل هذا الإنجاز أكثر إذهالًا".
ويشير الباحثون إلى أن الطريقة التي جمعوا بها الكلام وحللوه تمثل منهجًا يخالف جوهريًّا الدراسات السابقة التي تناولت عددًا أقلَّ بكثير من التباينات الصوتية، وكذلك من ناحية عينات الكلام التي جُمعت من مشاركين طُلب منهم قراءة نصوص محددة مسبقًا، وتقول (كريستيا): "بدراسة التباينات المتكررة في الكلام العفوي نحن على ثقة بأننا أخذنا فكرة أكيدة عن أن ما يتلقاه الطفل شامل وواقعي".
ويشير الباحثون إلى أن منهجهم متعدد التخصصات -الذي يعتمد على علم النفس النمائي واللغويات وتكنولوجيا الكلام- يفتح مجالًا واعدًا أمام اكتساب معرفة واسعة عن طبيعة المُدخَلات التي يستخدمها الأطفال في اكتساب لغتهم الأم.
تثير هذه النتائج بكل تأكيد مزيدًا من الأسئلة التي تطمح (كريستيا) وزملاؤها لاكتشافها؛ على سبيل المثال، لِمَ تنطق الأمهات الأصوات بطريقة أقل وضوحًا؟ يعتقد الباحثون أن الأمهات يركزن فطريًّا على تحقيق أهداف تتعلق باللغة وتتعداها، مثل إيصال المشاعر أو لفت انتباه الطفل، واللفظ الأقل وضوحًا هو نتيجة غير مقصودة لهذه الغايات، وسيساعد التعاونُ مع مختبرات لغوية أخرى حول العالم على الإجابة عن سؤال مثير آخر ألا وهو: هل يفعل الأهل في الثقافات الأخرى هذا الأمر أيضًا؟
المصدر:
هنا