مراجعة رواية (أرواح عالقة): الظلم والعنصرية والأحكام المُسبقة
كتاب >>>> روايات ومقالات
تحاول الكاتبة عن طريق الرواية فَهْم النفس البشرية، وتساعدنا في فهم نفس الآخر سواءً الشريك أو الصديق أو أيَّ شخص نتعامل معه بتلقائية أو كالمتعارف عليه من طرائق التعامل، فتتحدث عن أرواح كثيرة تبدَّلت فجأة وبطريقة غامضة لتذهب في رحلة اكتشافِ الآخر وتجربة العيش في جسده؛ ولكن، ألم نتمنى أن نكون في مكان شخص آخر ونعيش حياته أو ما يظهر لنا من حياته أحيانًا؟ وماذا لو حدث ذلك فعلًا ورأينا ما لم نره من قبل؟
تبدأ الرواية بزوجين يتشاجران لأتفه الأسباب دومًا، وبعد مشاجرة من مشاجراتهما استيقظا صباحًا ليجدا أنَّ روح كل منهما قد سكنت جسد الآخر، فأُصيبا بذهول في بادئ الأمر ثم قرَّرا التعامل مع الوضع الجديد إلى أن يعودا إلى جسديهما، وتمنَّيا أن يعودا إلى وضعهما الطبيعي في أقرب وقت؛ لئلا تضطر الزوجة (غادة) للذهاب إلى عمل زوجها (عماد)، ولكنَّ شيئًا لم يتغير، فذهبت غادة إلى العمل وتولَّى عماد شؤون المنزل، وقد نتج عن ذلك بعض المواقف الطريفة؛ كنسيان غادة لأمر التحوُّل ودخولها حمام السيدات في العمل قبل أن تستوقفها العاملة، وجلوسها مع الموظفات في غرفتهم لتحدثهم عن وصفات أكلات أو وصفات للعناية بالبشرة والشعر، وفشل عماد في المقابل في الطهي والعناية بالمنزل، ولكنَّهما احتملا بحب وصبر، وقد عرفت غادة في هذا الوضع مدى سوء ظنِّها بحماتها وزوجها أيضًا، وأنَّ ظنونها خاطئة وليس لها أساس من الصحة، وتفهَّمت تعب زوجها في العمل، وقد تفهَّمها عماد بدوره، وتفهَّم تقلباتها المزاجية في أوقات معينة من الشهر وتعبها في المنزل، وقد جرى ما جعله يعرف سبب توتر علاقة غادة بأمها وأخيها، فالبنات بالنسبة إليهما عارٌ مُحتمل ويجب التخلص منهنَّ بالزواج.
ثمَّ نتعرف إلى الصديقان (محمد) و(مينا)؛ اللذين حدث لهما ما حدث لغادة وعماد ولكن منذ شهور، وقد كانت علاقتهما طيبة دومًا مع أسرتيهما، وبعد أن تبدَّلت روحاهما اضطرا لتبديل مكان إقامتهما؛ فمحمد سكن في منزل مينا، وسكن مينا في منزل محمد، ثمَّ تلتقي غادة بمحمد لتدرك أنَّهما يتشاركان المشكلة ذاتها، ويخبرها بعد ذلك بأنَّه ذهب إلى سيدة يعتقد أنَّ لديها حلٌّ لهذه المشكلة، وربما تجد حلًّا لها ولزوجها، فتذهب معه إلى تلك السيدة وتعرف أنَّ المشكلة أصابت عددًا من الناس؛ فهذا طفل وجدُّه، وهذه تجلس متوترة تبكي وتواري وجهها القبيح عن الأنظار، فتفهم غادة أنَّ لدى تلك الفتاة المشكلة نفسها؛ ممَّا يثير فضولها ويدفعها إلى التعرف إلى قصتها؛ فهي (مايا) الثرية ابنة الأثرياء ذاتِ الجمال الأخَّاذ التي تتعمَّد الإساءة إلى (رباب) ابنة حارس العقار، وإظهارِ جمالها أمامها وإشعارها بقبح شكلها، إلى أن تستيقظ في يوم وتجد روحها داخل جسد رباب وروح رباب داخل جسدها، فتقرر الأم التعامل مع الموقف بجعل رباب تعيش معهما للحفاظ على جسد ابنتها وترسلها مايا إلى مراكز التجميل للسبب نفسه، ولكنَّها تستمر في معاملتها معاملة سيئة، وتظل رباب في خدمتهم، وعلى الرغم من ذلك تتمنى رباب ألا تعود إلى جسدها أبدًا، فقد كانت تتعمَّد الخروج من المنزل في جسد مايا وترى نظرات الإعجاب من الناس.
فاستقروا جميعهم كلٌّ في جسد الآخر وعاشوا حياة غيرهم، فمنهم من فَهِم وشعر بمعاناة الآخر ومنهم من يحاول ومنهم من يكابر ويرى أنَّ الآخر قد سرقه ويجب عليه أن يعيد إليه جسده.
ويجد الجميع عند السيدة رأيًا واحدًا، وهو الحلُّ في نظرها لتلك المشكلة، فهل يستطيعون تنفيذ ذلك الحل؟ وإن استطاعوا، فهل سينجحون في ذلك ويعودون كما كانوا؟ هذا ما سنتركه لكم لتكتشفوه بأنفسكم.
إنَّ الرواية ليست مُقسَّمة إلى فصول واضحة؛ ممَّا يجعل القارئ يرتبك قليلًا قبل أن يعرف عن أيَّة شخصية يتحدث هذا الجزء، ولكنَّ لغتها سلسة وتمزج بين السرد باللغة الفصحى والحوار باللهجة العامية المصرية، فهي تصلح فاصلًا لطيفًا بين القراءات الدسمة.
معلومات الكتاب:
ماهر،أميمة. أرواح عالقة، القاهرة، إبداع للنشر والتوزيع والترجمة، ط1، 2013