إننا نحيا بلا حياة ، إننا أموات بغير موت..
كتاب >>>> روايات ومقالات
ففي هذا المكان ليس يندر أن نرى أناساً كانوا مضطهدين مروعين فإذا هم يصبحون حريصين على أن يضطهدوا غيرهم و أن يروعوا غيرهم. هؤلاء السجناء رجال غلاظ لا يخالج ضمائرهم أي ندم، بل إن بعضهم يجسد الشر المطلق، لا يشعر بشيء إلا للشهوات الجسمية، ولا يتورع عن شيء في طريق رغباته. بذور الغرائز الحيوانية موجودة عند جميع الناس، ومهما كان الإنسان خيراً فإن العادة تجعل قلبه قاسياً حتى ليسكره الدم والسلطة فيولد التوحش والفساد.
وعلى الرغم من فداحة هذا الجحيم فإن فيه أناساً يمكن تبرير أفعالهم من الناحية الأخلاقية بدفاعهم عن حبهم، أو شرفهم، أو دينهم، أو من أراد أن يغير مصيره وقسوة عيشه فاختار الجحيم مباشرةً ليتخلص من عذابه. هؤلاء دفعتهم قسوة مضطهديهم إلى الجريمة لتكون مصيبة لهم مدى حياتهم. جريمة لم يستطيعوا الابتعاد عنها ليصبحوا أشقياء أبد الدهر.
ومهما كان هؤلاء أشراراً فلربما لم يكونوا أكثر شراً من غيرهم، من أولئك الذين يعيشون خارج هذا الجحيم و يرتكبون شتى أنواع القسوة والاضطهاد. فجذور الخير ما زالت موجودة فيهم ولربما يملكون ملكات رائعة ولكنها دفنت إلى الأبد بين أسوار سجنهم هذا.
يطرح دويستوفسكي في روايته هذه الصراع بين الخير والشر في كل نفس بشرية، فهو كان سباقاً في نظرية التحليل النفسي وفي سبر أغوار النفس البشرية عن طريق واقعيته الخيالية التي تميزت بها كل أعماله.
اتبع دويستوفسكي أسلوب الراوي المتكلم في هذه الرواية الذي أطلق عليه اسم ألكسندر بتروفيتش، الذي هو في الحقيقة دويستوفكسي عندما خاض تجربة السجن حيث بدأ بكتابة روايته أثناء وجوده في السجن وقام بنشرها بعد خمس سنوات من خروجه لتحدث ضجة كبيرة أدت إلى إلغاء العقوبات الجسمية في روسيا القيصرية آنذاك.
الكتاب: ذكريات من منزل الأموات
تأليف: فيودور دويستوفسكي
ترجمة: د. سامي الدروبي
دار النشر: دار ابن رشد. بيروت
نوعية الكتاب: 485 صفحة قطع متوسط.