من الشروط اللازم توافرها في العاملين لبعض المجالات - وخاصَّةً المحامين وموظفي المكاتب وغيرهم- اللباسُ الرسميُّ المتأنق، شاملًا ربطة عنق ( كرافة ) تُزيِّن لباس العامل.

ولا شك أن هذه التقاليد تضفي نوعًا من الحرفية والرسمية لبعض الأعمال، ولكن بعض الدراسات اكتشفت أن ارتداء ربطة العنق "عملية اختناق محببة اجتماعيًّا"؛ إذ إنَّ بعض الدراسات بحثت في الاختلافات التي حدثت في التروية الدماغية وحللتها نتيجة ارتداء ربطات العنق، والنتائج لم تكن محببة قط.

ولدراسةِ هذه الظاهرة أقامت مجموعة من باحثين ألمانيين دراسة تضمنت ثلاثين مشتركًا، إذ رُوقِبَتِ التروية الدماغية لديهم باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، وقُسِّم المشتركون إلى مجموعتين متساويتين، المجموعة الأولى لم يرتدِ أفرادها ربطات عنق، والمجموعة الثانية ارتدى أفرادها ربطات عنق، ثم أُجرِي لهم تصوير مغناطيسي (MRI) على ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى حين ارتدائها بطريقة مريحة، وغير مشدودة على نحو مفرط، والمرحلة الثانية حينما اُرتدِيت بطريقة مشدودة تتجاوز حدود الراحة، وهي للأسف الطريقة التي يرتدي بها كثير من الناس، والمرحلة الثالثة كالمرحلة الأولى تمامًا؛ أي، عند ارتدائها بطريقة مريحة.

ومن منطلق أن الضغط على الوريد الوداجي والشريان السباتي لا بدَّ أن يسبب اضطرابًا في التروية الدماغية، بدؤوا في تصوير أدمغة المتطوعين لمراقبة اختلافات تدفق الدم. 

وفعلًا كانت نتائج الدراسة متوافقة مع التصور المنطقي للحالة، إذ تبين أن مقدار التروية الدماغية عند شد ربطات العنق بإحكام قد انخفض بمعدل 7.5%،  في حين كان الانخفاض قد بلغ تقريبًا 5.7% لدى ارتدائها بطريقة مريحة غير مشدودة بقوة، وهذا الانخفاض في التروية الدماغية كفيل بإحداث فروقات قاتلة عند مرضى ارتفاع ضغط الدم، وأظهرت المجموعة التي لم ترتدِ أي ربطات عنق مقدار تروية دماغية ثابت.

ولكن هذه الدراسة ليست مثالية على نحوٍ كامل؛ إذ إن عدد المشتركين في العينة المدروسة كان قليلًا (30)، إضافة إلى أن الباحثين لم يفسروا نتائج هذا الانخفاض في التروية على النشاط الدماغي وتأثيره على القدرة على الإبداع. 

والجدير بالذكر أن التروية الدماغية ليست العامل الوحيد الذي يتأثر سلبًا بربطة العنق، ففي دراسة سابقة رُوقِبُ تأثير ربطة العنق على الضغط داخل حجرة العين، وكانت النتائج مؤكدة للنظريات التي تتحدث عن أضرار ربطة العنق على العين.

فكانت الدراسة معنية بتحليل بيانات مرضى مصابين بالزرق، مقارنة مع أشخاص أسوياء؛ إذ قيس ضغط العين لدى العينة أولًا في حالة ارتداء قميص مفتوح الرقبة لا يمارس أيَّ ضغط على العنق، وثانيًا في حالة ارتداء ربطة العنق.

وكانت النتائج متمثلة بازدياد الضغط داخل حجرة العين على نحوٍ ملحوظ لدى المجموعتين، وخاصة عند مجموعة مرضى الزرق الذين عانوا من ارتفاع في الضغط؛ بسبب الربطة على نحو أكبر من الأشخاص الأسوياء. 

دراسات عدَّة وضعت ربطة العنق تحت المجهر وراقبت تأثيرتها الصحية السلبية المتعددة، لذلك فمن الطبيعي القول؛ أن صحتنا أهمُّ من المتطلبات التي يفرضها مجتمعنا علينا بكثير، فيجب علينا جميعًا أن نتجنب الارتداء المزمن والمفرط لربطة العنق حفاظًا على صحتنا.

المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا