فرانس هالس ولوحة النساء الوصيَّات على بيت المسنين.
الفنون البصرية >>>> أيقونات فنية خالدة
هناك معلومات ضئيلة عن حياته ونشأته، إذ وُلد Hals عام 1580 أو 1581 في آنتويرب (Antwerp) الفلمنكية (آنتويرب مدينة في شمال بلجيكا الآن)، لكنَّه انتقل إلى مدينة هارلم (Haarlem) الهولندية عندما كان طفلاً وقضى فيها حياته حتى وفاته عام 1666.
أما أوَّل حدث مهم كان قد سُجّل في مسيرته الفنية فهو انتسابه إلى نقابة القديس لوقا للرسامين في (Haarlem) عام 1610، ومع ذلك؛ هناك القليل من المعلومات الدقيقة والموثوقة عن تدريبه بوصفه فنّانًا.
وفي القرن السابع عشر كانت (Haarlem) مدينةً بارزة في هولندا، ومثّلت مركزًا رائدًا للعصرِ الذهبي للفن الهولندي (Golden Age of Dutch Art)، وكانت لوحاتُ الطبيعة الصامتة والمشاهد الطبيعية مشهورةً بين العامة على نحوٍ واسع، ولكن على الرغم من انتشار هذه المواضيع فإنَّ حركة قويَّةً من زيادة الطلب على رسم اللوحات الشخصية قد بُعِثت، وذلك بسبب الثروة المستحدثة لكثيرٍ من التجار الذين تجمَّعوا في هذه المنطقة. ولمّا كان واحدًا من الرسامين الأوائل في تلك الفترة فقد استقبل Frans Hals العديدَ من طلبات رسم اللوحات الشخصية –وبخاصةٍ نخبة شخصيات Haarlem الذين كانوا في سعي دائم إلى كسب محبة الناس وإبراز مكانتهم الاجتماعية. وقد كان أسلوب Hals في الرسم يضعه في مرتبة تميزه من معاصريه من الفنانين؛ إذ إنَّ هناك طريقةً حرة فضفاضة ميزت حركة ريشته، وكانت شخصياته التي جسدها جالسةً في لوحاته تتسم بالحيوية الفريدة من نوعها.
أمَّا أعمالُه التي رسمها دونَ تكليف من أحد؛ فقد رسم Hals صورًا لعامة الناس من المواطنين، كالأطفال والموسيقيين والسكارى، صوَّرَ معظمهم وهم يبتسمون أو يضحكون (وذلك كان بعيدًا عن طريقة تصوير نخبة الشعب الأكثر تكلَّفًا وتحفظًا).
وبذلك اشتُهِر Hals بلوحات البورتريه (الصور الشخصية)؛ إذ كان رسامًا من عصر الباروك وقادرًا في الوقت نفسه على رسم الواقعية الأكثر حميمية وعمقًا باتباعه منهجًا حرًّا تمامًا في الرسم، وتمثل لوحاته طبقات المجتمع المختلفة، كالضباط في اجتماعاتهم ومآدبهم، والرماة والقناصين، وأعضاء النقابات، والعمداء، والجنرالات، والمحافظين، والتجار، والمحامين، والمحاسبين، والموسيقيين المتجولين، والنخبويين، وبائعات السمك، وأبطال الحانات السكارى.
Image: https://cdn.kastatic.org/ka-perseus-images/0c0c344aeacb389f39902f98bd01b75ba2c6527a.jpg
ساعد تصوير هذه الشخصيات الثانوية Hals على حريةِ التجربة في إظهار تعبيرات الوجه مع المحافظة على الفردية التي تميز كل شخصية من الأخرى، وتلقى العديدَ من طلبات الرسم من أفراد المجتمع الأثرياء، ولكنَّه أيضًا صنع اسمًا شهيرًا له عن طريق رسم اللوحات التي تحوي مجموعة من الأفراد، وقد كانت بعضٌ من تكليفات الرسم المرموقة تلك للنقابات (كجمعيات الحرفيين والتجار)، في حين أنَّ بعضها الآخر -كلوحتنا اليوم (النساء الوصيّات على بيت المسنين The Women Regents)- كانت مخصصة لجمعيات خيرية.
لم يُعرَف تمامًا فيما إذا كان Hals قد رسم لوحات المشاهد الطبيعية على الإطلاق، أوالطبيعة الصامتة، أو اللوحات التي تتحدث عن حادثة من قصة معينة، ولكنَّ ذلك ضئيل الاحتمال؛ إذِ اختار العديد من فناني هولندا في القرن السابع عشر تخصصًا لمواضيع لوحاتهم، ويبدو أنَّ Hals أيضًا كان قد اختار تخصصَ تصوير الوجوه.
Image: https://cdn.kastatic.org/ka-perseus-images/69abdeea5b669c6513eb48c7854168596ced09b8.jpg
أنشئ بيت الفقراء للرجال المسنين (Old Men’s Almshouse) (بالهولندية Oude Mannenhuis) عام 1609، وحكمه على مر السنين طاقم كبير من الرعاة والأوصياء، وقدم المأوى والرعاية للرجال العزَّاب الكبار في السن.
وهذه اللوحة The Women Regents (أعلاه) مع مرافقتها التي تصور مجموعة الرجال الأوصياء على بيت المسنين (أدناه) يُحتمَل أنّهما رُسِمتا في عام 1664؛ أي عندما كان Hals يبلغ الـ 81 أوالـ 82 من عمره. وكانت اللوحات كهذه المجموعة من الوجوه توضَع عادةً في مكان عام حيث يعاين الناس مجموعةَ الوجوه في هذه اللوحات ليدركَ الناس ويميزوا الأعمال الصالحة التي تؤدّيها شخصياتُ هذه اللوحات.
Image: https://cdn.kastatic.org/ka-perseus-images/df5a693a3754ed02a08cf6e5b5f9f9c6199ed2d2.jpg
تغيَّرَ أسلوب الرسم الذي اتبعه Hals تغيُّرًا دائمًا؛ إذ تخلّى عن الألوان الزاهية في لوحاته حتَّى أصبح بعد عام 1641 يميلُ إلى أن يجعل لونًا واحدًا هو المسيطر مع تدرجاتِه في اللوحة بدلًا من أن يعبّر عن التدرجات اللونية كاملةً كما هي. ومع مر السنين؛ أصبحت التدرجات أكثر قتامة واستخدمَ كثيرًا من الأسود، وأصبحت ضرباتُ فرشاته أكثر مرونة، وأصبحَ أكثرًا اهتمامًا بالعمل على الانطباع العام للوحة على حساب التفاصيل الدقيقة. وتتجسد البساطة والمهارة في هذه اللوحة التي نتكلم عنها، التي تعدُّ من روائع استخدام اللون في التصوير الزيتي مع أنَّها في جوهرها تقتصر على الأحادية في اللون، وتبدو درجاتُ Hals اللونية محدودةً على نحو خاص في درجات اللون الخافتة لِلونِ البشرة.
Image: http://www.frans-hals.org/thumbnail/91000/91418/mini_normal/Regentesses-Of-The-Old-Mens-Almshouse-Detail-3-1664.jpg?ts=1459229076
يصادف أن يتزامنَ استخدامه لهذه الألوان والدرجات القاتمة مع فقره، إذ اقترحَ بعض مؤرخي الفن أنَّ السبب في ميله إلى استخدام هذه الدرجات من الصبغات السوداء والبيضاء هو سعرها المنخفض مقارنة بالصبغات الملونة الغالية الثمن، التي تُصنع من خلطِ عدة صبغات.
في لوحة النساء الوصيّات (The Women Regents) تتجمَّع خمس نساء حول طاولة موجودة مباشرة في مقدمة اللوحة، واللوحة كئيبة وداكنة اللون، تسيطر عليها الألوان السوداء والرمادية التي يقاطعها اللون الأبيض كل حين على سطح اللوحة في ياقات ملابس النساء. ولا تظهر النساء المرسومة في الملابس التقليدية للطائفة الكالفينية (طائفة بروتستانتية) فحسب (Calvinist traditional clothing)، بل تصوّرُ هيئة النساء أيضًا الدينَ المسيطر والسائد في الجمهورية الهولندية آنذاك.
تبدو هيئة النساء هادئة ومتزمتة، إذ ربَّما يشعرنَ بالإرهاق والضيق من مسؤوليتهن في رعاية كبار السن الفقراء، أو لربما هنَّ جادات في مهمتهن التي تتمثل بإدارة بيت المسنين. مع ذلك؛ هناك جلال ووقار في شخصيات النساء اللاتي صورهنَّ Hals، وتبدو نيته الواضحة في إضفاء طابع شخصي على كل منهن، سواء أكان ذلك من طريق الشبه في وقفتهنَّ وهيئتهنَّ أم من طريق الاختلاف. وخلفية اللوحة بسيطة، إذ هناك لوحة لمنظر طبيعي معلقة على الحائط خلف النساء ورقعة واسعة من القماش الذي يبيّن أن الستارة معلقة في أعلى الزاوية اليسرى من الخلفية.
صُوّرت النساءُ ورُتِّبت شخصياتهنَّ في اللوحة بطريقة تتيح للمشاهد رؤيةً واضحة وكاملة لكلّ منهن، وهناك بعضهن مرسومات باستدارة محور أجسادهن، حتى إنَّ إحداهن تبدو كأنَّها دخلت مشهدَ اللوحة للتو من جهة اليمين، وثلاثٌ منهنَّ فقط يطيلون النظر إلى المشاهد. وتتيح الفرشاة المحكمة المتآلفة مع الأشكال المثلثية المتكررة في أجسام النساء وياقاتهنَّ شعورًا بالحركة. ومع أنَّ اللوحة تبيّن اختلافًا مطلقًا مع أعمال Hals السابقة التي تتسم ببهجة الشخصيات؛ لا يزال شغف Hals لاستخدام ضربات الريشة بطريقة محكمة ومعبّرة واضحًا في لوحة (The Women Regents). وعمومًا؛ يبقى المشهد مع ذلك كله حيًّا بسبب البراعة في استخدام الفرشاة، إذ منح Hals اللوحة شعورًا بالحياة، كما لو أنَّ هذه اللوحة تمثل النساء في حدث معين يحدث في لحظة معينة من الزمن حينها.
أبدى Hals جرأةً رائعة وشجاعة كبيرة وبراعة، وكان لديه قدرة عظيمة على التخلي عن العمل الزائد على اللوحة، فقد كتب Van Gogh في رسالة إلى أخيه ثيو Theo: "يا لَها من بهجة في رؤية لوحة لـ Hals! كم لوحاته مختلفة عن غيرها من اللوحات! -كثير من اللوحات- إذ تُصقَلُ ضربات الريشة لكل العناصر بالطريقة نفسها."
اختار Hals عدم إنهاء لوحاته بضربات ناعمة ومصقولة كما فعل كثيرٌ من معاصريه، واختارَ بدلًا من ذلك تصوير حيوية موضوعه (الأشخاص) باستخدام اللطخات، والخطوط، والبقع، ومساحات كبيرة من اللون، وبالكاد اهتمَّ بالتفاصيل المنمقة.
المصادر:
1- هنا
2- هنا