أصل العالم عند اليونانيين (الفيثاغوريون؛ العدد خامة العالم الأولى)
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة اليونانية
كانت التغيرات المستمرة للطبيعة لافتةً لعقول الفلاسفة الإغريق؛ لذا تساءلوا عن التغيرات المرئية داخل الطبيعة لفهم أحداثها وتفسيرها محاولين صياغة بعض القوانين الطبيعية المُبرهنة دون الرجوع إلى الأساطير التي يعرفونها؛ أي بعيدًا عن جعل الآلهة والقوى الخارقة هي المسؤولة عن نمو النباتات أو حدوث الكوارث الطبيعية؛ على الرغم من اعتقادهم بوجود مادة أولية تعود إليها الأشياء الطبيعية جميعها؛ لكننا معنيون بطريقة تفكيرهم أكثر من مضمون هذا التفكير؛ فالأسئلة التي طرحوها والأجوبة التي أرادوا الوصول إليها ما زالت تهم الإنسان حتى الوقت الحاضر؛ وبذلك نقدِّم سلسلة أصل العالم عند اليونانيين.
لا يُعرَف كثير عن حياة فيثاغورس؛ فقد انحدرت إلينا ثلاث سير من العالم القديم؛ لكنها كتبت بعد مئات السنين من وجود فيثاغورس وهي مليئة بنغمة من الخيال المبالغ فيه عمّا أنجزه وقد وُلِد فيثاغورس بين 580 ق.م و570 ق.م. في ساموس، ولما ناهز الأربعين قصد جنوب إيطاليا.
لسوء الحظ نحن لا نستطيع أن نتحدث عن فلسفة فيثاغورس؛ بل نتحدث فحسب عن فلسفة الفيثاغوريين؛ وذلك لأنه لا يُعرَف نصيب فيثاغورس في هذه الفلسفة وما هو النصيب الذي ساهم به أتباعه.
وتذهب هذه الفلسفة إلى أننا ندرك الأشياء في الكون بصفاتها غير أن غالبية هذه الصفات ليست كلية؛ إذ إنّ لبعض الأشياء بعض الصفات ولبعضها الآخر صفات أخرى؛ فمثلاً ورقة الشجر خضراء ولكن الأشياء ليست كلها خضراء وبعضها ليس له لون على الإطلاق كالماء مثلًا، والأمر نفسه ينطبق على الأذواق والروائح؛ فبعض الأشياء حلوة وبعضها مر، ولكن هناك صفة واحدة ثابتة وشاملة لجميع الموجودات في الكون المادي وغير المادي، ألا وهي أن كل شيء يمكن عدّه، وزيادة على ذلك؛ لا يمكن تصوُّر كون لا يوجد فيه (العدد).
قد وجهوا الانتباه إلى التناسب والتناغم والنظام بوصفها النغمات السائدة في الكون وهي مرتبطة تمامًا بالعدد، ولكنهم خلطوا بين التناغم الكوني والتناغم الموسيقي؛ فقد رأوا أن التناغم الموسيقي قائم على الأعداد؛ لأن اختلاف النغمات يرجع إلى اختلاف عدد الأوتار في الآلة الموسيقية، والمسافات الموسيقية قائمة هي الأخرى على نسب عددية، ولمَّا كان الكون تناغماً موسيقيّاً؛ فقد رتب الفيثاغوريين على هذا أن الطابع الجوهري للكون هو العدد.
إن الحقيقة القصوى - كما قال طاليس - أو المبدأ الأول الذي تتألف منه الأشياء هو الماء؛ وإن الفيثاغوريين يرون أن المبدأ الأول للأشياء هو العدد؛ أي إنه الخامة التي يصنع منها العالم، وقد نجد نوعًا من المبالغة في بعض التفصيلات منها أن كل الأعداد تنشأ من الوحدة وهي العدد الأول وكل عدد آخر هو بكل بساطة وحدات كثيرة؛ إذًا الوحدة هي الأولى في نظام الأشياء في الكون.
وقد أصبحت الفيثاغورية مع مزيد من تطوير نظرية العدد نظرية متعسفة لا مبدأ لها؛ فمثلًا نسمع أن الواحد هو النقطة والاثنين الخط والثلاثة السطح والأربعة الصلابة والخمسة الصفات الفيزيائية والستة الحيوية والسبعة العقل والصحة والحب والحكمة، والتوحيد بين الأعداد المختلفة وبين الأشياء المختلفة متروك لهوى الفرد وخياله، ويرى فيلولاوس -وهو فيثاغوري بارز- أن كيف المادة متوقف على عدد جوانب أصغر جزيئاتها؛ مثلًا المادة التي أصغر جزيئاتها رباعية هي النار.
وكان الفيثاغوريون أول من تخلَّص من فكرة (مركزية الأرض) بل عدَّوا الأرض كوكبًا يدور حول النار المحورية في فترة زمنية مماثلة لما يستغرقه للدوران حول نفسه، وقد يخيل إلينا أن النار هي نفسها الشمس، ولكن برأيهم أن الشمس تدور حول النار المركزية أيضًا.
ونادى الفيثاغوريين أيضًا بالسنة الكبرى وربما هي سنة تستغرق فترة مقدارها عشرة آلاف سنة فيها يظهر العالم وينقضي وتتكرر مثل هذه الفترة بالتطور نفسه بأدق التفاصيل.
المصدر: ستيس، والتر. تاريخ الفلسفة اليونانية، مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1984. صـفحة 37 + صـفحة 39 + صفحة40