النظرية وأهميتُها المعرفية
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> مصطلحات
فما هي النظريةُ وما وظائفُها؟ وما الفرقُ بينها وبين الفرْضيّة؟
يُعَدُّ العلمُ الشكلَ الأعلى للمعرفة، وإنّ تأثيرَه في جوانبِ الحياةِ كافّةً مستمرٌّ دونَ انقطاع. ومَرَدُّ ذلك هو اعتمادُ العلمِ المعاصرِ على النظرياتِ العلميّة، هذه النظرياتُ التي تشرحُ الموجودات، وتقومُ بتنظيمِ الوقائعِ العلميةِ وترتيبِها، وتتنبَّأُ بالظواهرِ الجديدةِ قبل وقوعِها. ولذلك نرى أنّ العلماءَ والمفكرين في السنواتِ الأخيرة، قد اتجهوا بشكلٍ ملحوظٍ إلى الاهتمامِ بالمسائلِ المتعلقةِ بتلك النظرياتِ العلمية، وتركيبِها، ووظائفِها الأساسية، وأهميتِها في بناءِ المعرفة، استنادًا إلى ما تقدِّمُه هذه النظرياتُ مِن مساعدةٍ في عكسِ نتائجِ البحثِ العلميِّ والواقعِ الموضوعيّ.
إنّ النظرياتِ العلميةَ هي التتويجُ النهائيُّ للمنهجِ العلميّ، وحصادُ خطواتِه الأخيرة. وكلُّ ما يهدِفُ إليه المنهجُ العلميُّ موجودٌ دائمًا، فهي التي تحشُدُ الوقائعَ، والمفاهيمَ، والفروضَ، والقوانين في سياقٍ موحَّدٍ حولَ ظاهرةٍ معينة. وكما هو معروف، فإنّ العلمَ لا يمكنُ أنْ يتطوّرَ إلّا مِن خلالِ قوانينِه ونظرياتِه، وإذا كانت الفرْضيةُ حلًّا مؤقتًا يقترحُه الباحثُ لحلِّ قضيةٍ معينة، فلا يمكنُ اعتمادُ هذه النظريةِ إلا بعد التأكدِ مِن صدقِها؛ عن طريقِ التجرِبةِ والاختبار. إنّ أهمَّ ما يميِّزُ النظريةَ عن الفرْضية، هو أنَّ جميعَ الوقائعِ والمفاهيمِ والمقولاتِ التي تحويها النظريةُ تمّ التأكُّدُ مِن صحّتِها اختباريًّا وعن طريق التجرِبة، أو تمّت البرهنةُ على صحّتِها.
من الوظائفِ التي تقومُ بها النظرية:
1- الوظيفةُ الإخباريةُ المعلوماتية، أي جمعُ المعلوماتِ حولَ ظاهرةٍ معينة.
2- الوظيفةُ الترتيبيةُ التنظيميةُ للوقائعِ العلمية، أي تنظيمُ المعارفِ العلميةِ وترتيبُها على شكلِ مبادئَ وأسس.
3- الوظيفةُ التفسيريةُ التنبّؤيةُ للحوادثِ قبل وقوعِها، أي التنبؤُ بحدوثِ الظواهرِ قبل وقوعِها، عن طريقِ القوانينِ العلمية؛ كظاهرةِ الكسوفِ، والخسوفِ، والزلازلِ، والأعاصير.
هدفُ العلمِ ونظرياتِه لا ينحصرُ في تفسيرِ هذا الكون، ولكنْ في تغييرِه نحو الأفضلِ بما يخدُمُ البشرية. ومِن الطبيعيِّ أنْ يكونَ هدفُ النظريةِ العلميةِ كبقيةِ المعارفِ الإنسانية؛ مُتجِهًا إلى خدمةِ الواقع، ومساعدًا بشكلٍ فعّالٍ على تغييرِ البيئةِ الطبيعيةِ والاجتماعيةِ بما يخدُمُ البشريةَ جمعاء.
إنّ النظريةَ -بوصْفِها علمًا وشكلًا معرفيًّا مهمًّا- تكتسبُ أهميتَها مِن قدرتِها على إرشادِنا إلى أفضلِ السُّبُلِ الممكنةِ لفَهْمِ الواقعِ وإدراكِه، ووَضْعِ خططٍ نتعلمُ بها كيفيةَ التأثيرِ في واقعِنا بأشكالِه كلِّها؛ الماديةِ والاجتماعيةِ والفكرية، ومِن ثَمَّ تغييرِ هذا الواقعِ بما يخدُمُ البشرية.
ونظرًا للدورِ الذي تقومُ به النظريةُ العلميةُ مِن خلالِ تأثيرِها على عقولِنا وتفكيرِنا، ومِن خلالِ ما زُوِّدْنا به مِن طرقٍ معرفيةٍ لفَهْمِ واقعِنا وما يحيطُ بنا؛ سوف نذكرَ نظريةَ نيوتن (1642-1727)، والتي تُعَدُّ مِن أهمِّ النظرياتِ التي وُضعت لخدمةِ البشرية.
لقد خَلّفَ نيوتن للعلمِ الحديثِ إرثًا لمْ يُجَارِه سوى عملِ أينشتاين، إذْ توصلَ نيوتن من خلالِ نظريتِه إلى سلسلةٍ مِن الاكتشافاتِ العلميةِ في الرياضياتِ والفيزياء، والتي أصبحتْ بعدَ ذلك أساسًا للفيزياءِ الحديثة، ومهّدتْ لترسيخِ الأساسِ الماديِّ للقرنِ الثامنَ عشر، أو ما يسمى (الماديةَ الميكانيكيةَ الكلاسيكية). وقد حققتْ نجاحًا باهرًا لمْ يَسبقْ له مثيلٌ في تاريخِ العلوم؛ عندما استطاعت أنْ تقدّمَ الأجوبةَ العلميةَ والحلولَ الرياضيةَ للقضايا والمشاكلِ العلميةِ التقليدية. والجديرُ بالذكرِ أيضًا أنهما -أيْ نيوتن وأينشتاين- كانا قد حقَّقا أعمالَهما العلميةَ الأساسيةَ في العِقْدِ الثالثِ مِن عمريهِما، وفي مدةٍ قصيرةٍ نسبيًّا.
المرجع:
إبراهيم رزوق، أسس التفكير العلمي، (اللاذقية: منشورات جامعة تشرين/ كلية الفلسفة، 2008).