مراجعة كتاب (فلسفة علم الاقتصاد): رؤية مختلفة لعلم الاقتصاد
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
ويرى أنَّ طريقة الاقتصاديين في النظر إلى تلك الموضوعات وإلى علم الاقتصاد ككلٍّ لا تخلو من التحيُّز؛ إذ إنَّ الاقتصادي واحد من البشر والإنسان لا يرى الأشياء برؤية محايدة بعيدًا عن أهوائه ومعتقداته ومسلماته عمومًا، فهو حين يتبنَّى جانبًا من العلم يطرح تساؤلاته بناءً على معطيات هذا الجانب ويتجاهل الجانب الآخر بتساؤلاته، فمثلًا؛ الكتابات والأسئلة الاقتصادية الناتجة من مجتمع يعتمد على الزراعة ولا يعرف الصناعة ستختلف عن تلك الناتجة من مجتمع يعتمد على الصناعة، ويعرف الآلات والسلع المختلفة عن سلع المجتمع الزراعي.
ويعدُّ مؤرخو الفكر الاقتصادي أنَّ (آدم سميث) هو أبو علم الاقتصاد، فعلى الرغم من وجود كتابات اقتصادية قبل كتابه (ثروة الأمم)، يرى المؤرخون أنَّ كتاب (سميث) هو أول كتاب كُتِب على أسس علمية، ولكنَّ كتاب (ثروة الأمم) -في رأي (د. جلال أمين)- كُتِب بناءً على تحيُّزات فكرية مُسبقة أيضًا؛ فهو قد كُتِب بناءً على المعايير المقبولة في أوروبا في ذلك الوقت.
وفيما يخص الإنتاج يقول (د. جلال أمين) أنَّ مؤسسي علم الاقتصاد قد أثاروا عدة أسئلة منها: ما هي عناصر الإنتاج؟ وهو سؤال اختلفت إجابته من مدرسة اقتصادية إلى أخرى، فيجيب (وليام بيتي) بأنَّ أصل الإنتاج الأرض والعمل، فالأرض هي "أم الثروة" والعمل "الأب"، ولكن عند (الطبيعيين) أصلٌ واحد للإنتاج هو الأرض، ويقولون إنَّ الصناعة لا تزيد مساهمتها على إعادة تشكيل أشياء سُبِق إنتاجها من الأرض.
ويرى (الاقتصاديون التقليديون) أنَّ عناصر الإنتاج هي ثلاثة: الأرض والعمل ورأس المال، ويقصدون برأس المال كل سلعة من صنع الإنسان عندما تُستخدَم لإنتاج سلع أخرى؛ كالآلات ومباني المصانع ومختلف المعدات والأدوات المستخدمة فيه.
بينما يرى (الاشتراكيون) أنَّ عنصر الإنتاج الوحيد العملُ فحسب؛ لأنَّ رأس المال لم يخلقه إلا العمل، ونتاج الأرض ليس له قيمة -في رأيهم- إن لم تمتد لالتقاطه.
وقد نرى هنا تلك التحيُّزات التي يقصدها (د. جلال أمين) في الآراء المختلفة لكل مدرسة اقتصادية بحسب معتقداتها وأفكارها.
وفيما يتعلق بالسكان يتحدث (أمين) عن كتاب (مقال عن مبدأ السكان) لـ(روبرت مالثس)، والذي طرح قانونًا ظل يثير الجدل منذ صدوره في نهاية القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن العشرين؛ إذ يقول قانون (مالثس) بأنَّه كلما زاد عدد السكان قلَّت الموارد الاقتصادية وقلَّ دَخْل الفرد، وهو ما راق للرأسماليين جدًّا لأنه أعفاهم بنظريته تلك من أي سبب لفقر العمال وعوزهم، وحَصْر السبب في تكاثرهم الذي يجلب عليهم الفقر ويجعلهم لا يجدون كفاف يومهم.
ومن تحيُّزات الاقتصاديين أيضًا، التغييرات التي طرأت على تعريف مصطلح الملكية الخاصة عبر الزمن، فقديمًا كانوا يرون أنَّ الملكية الخاصة حاجةٌ فطرية لدى الجميع، ويدللون على ذلك بدفاع الحيوان عن مكانه الذي يعيش فيه ومَنْع الحيوانات الأخرى من التعرض له، ولكنَّ هذا الأمر قد يكون غير صحيح، فتطور الزمن والظهور المستمر للسلع الجديدة جعل الإنسان يَمَل سريعًا مما يملك ويرغب في تغييره بما هو أحدث، وهذا ما جعل الناس يميلون إلى الاستئجار أكثر، فينتفعون بما يرغبون طيلة الفترة التي يريدونها وبتكلفة أقل من التملُّك.
وقد كُتِبَ هذا الكتاب للاقتصاديين وغير الاقتصاديين على السواء، فهو يصلح مقدمةً لعلم الاقتصاد لمن لم يدرس هذا العلم من قبل، ويصلح مقدمةً لنقد علم الاقتصاد توضِّح أوجه ضعفٍ مهمة في هذا العلم.
معلومات الكتاب:
د. أمين، جلال. فلسفة علم الاقتصاد، القاهرة، دار الشروق، طـ 3، 2014.
عدد الصفحات: 292 صفحة.