أصل العالم عند اليونانيين (أنبادوقليس؛ قوتا الحب والكراهية)
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة اليونانية
كانت التغيرات المستمرة للطبيعة لافتة لعقول الفلاسفة الإغريق؛ لذا تساءلوا عن التغيرات المرئية داخل الطبيعة لفهم أحداثها وتفسيرها، محاولين صياغة بعض القوانين الطبيعية المُبرهنة دون الرجوع إلى الأساطير التي يعرفونها؛ أي بعيدًا عن جعل الآلهة والقوى الخارقة هي المسؤولة عن نمو النباتات أو حدوث الكوارث الطبيعية، على الرغم من اعتقادهم بوجود مادة أولية تعود إليها الأشياء الطبيعية جميعها؛ فإننا معنيون بطريقة تفكيرهم أكثر من مضمون هذا التفكير؛ فالأسئلة التي طرحوها والأجوبة التي أرادوا الوصول إليها ما زالت تهم الإنسان حتى الوقت الحاضر؛ وبذلك نقدِّم سلسلة أصل العالم عن اليونانيين.
نشأ أنبادوقليس -ويكتب أمبيدوكليس أيضًا - في إغريغنتا، واشتهر بالفلسفة والطب والشعر والخطابة، وقال أرسطو عنه: إنه منشئ علم البيان؛ وتتلخص فكرته هنا بالقول بأنّ أصل الأشياء كثرة حقيقية وأنه لا يوجد تحول من مادة إلى أخرى، وإنما الأشياء تأليفات مختلفة من أصول ثابتة.
انطلق أنبادوقليس متأثرًا بمبدأ بارمنيدس بالقول إنّ المادة ليس لها بداية أو نهاية وإنها غير مخلوقة ولا يمكن إخفاؤها، أما المبدأ الثاني فهو عدم إنكاره للصيرورة والتغيير كما جاء به هيرقليطس، فارتأى أن يجد تفسيرًا لهذا التناقض فنفترض أنّ الأشياء - كليةً - تبدأ وتكف عن الوجود؛ لكن الجزيئات المادية التي تتكون منها غير مخلوقة ولاتستنفد، ويشكل هذا المبدأ الأول عند أنبادوقليس.
لم يحاول أنبادوقليس رد الأشياء إلى مادة أولى واحدة كما فعل الإيونيون، ولكنه وضع أصولًا أربعة: الماء والهواء والنار والتراب؛ فكان أول من عدّ التراب مبدأ، وقال في ذلك: إن هذه الأربعة مبادئ على السواء ليس بينها أول ولا ثانٍ، لا تتكون ولا تفسد؛ فلا يخرج بعضها عن بعض ولا يعود بعضها إلى بعض، لكل منها كيفية خاصة: الحار للنار والبارد للهواء والرطب للماء واليابس للتراب؛ فلا تحوّل بين الكيفيات.
ولكن الأشياء وكيفياتها تحدث بانضمام هذه العناصر وانفصالها بمقادير مختلفة، وتجتمع العناصر وتفترق بفعل قوتين يُسميهما المحبة والكراهية أو التناغم والتنافر؛ المحبة تضم الذرات المتشابهة عند التفرّق، والكراهية تفصل بينها، ويتغلب كل منهما حينًا في الدور الواحد من أدوار العالم دون أن تستقر الغلبة للمحبة فتسود الوحدة الساكنة، أو للكراهية فتسود الكثرة المضطربة، ويذكر أن أنبادوقليس هو الفيلسوف الوحيد الذي أدخل التراب في تركيبة النفس، فتجتمع العناصر بمقادير معينة بفعل القوتين وتتقارب هذه الأمزجة اتفاقًا على أنحاء متعددة لتكوّن الحياة والكائنات الحية والنفس.
ويؤمن أنبادوقليس بتناسخ الأرواح؛ إضافةً إلى أنه طرح نظرية من الإدراك الحسي؛ جوهرها هي أن الشبيه يُدرك بالشبيه؛ فالنار نفسها تدرك النار الخارجية، وكذلك الشأن للعناصر الأخرى.
المصادر:
1- ستيس، وولتر. (1984). تاريخ الفلسفة اليونانية. ترجمة: مجاهد، مجاهد عبد المنعم. القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع. (د. ط.). صـ 77-79
2- كرم، يوسف. (2012). تاريخ الفلسفة اليونانية. (د.ط)، القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. صـ 51 -52