ما ورائيات الجنس.
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة
فلسفة الجنس هي إحدى فروع الفلسفة التي استكشفت الحياة الجنسية للبشر: كالحمل والعزوبة والزواج والمثلية والاغتصاب والسادومازوخية والدعارة. فإذا نظرنا إلى كيفية ربط هذه المواضيع، نجد أن أنها ترتبط بطرق مختلفة بالنشاط الجنسي البشري بما له علاقة بالمتعة والرضا من جهة، وخلق إنسان جديد من جهة أخرى.
التشاؤميون في فلسفة الجنس مثل سيغموند فرويد، القديس أوغسطين وإيمانويل كانط يرون بأن الدافع الجنسي والتصرف وفق رغبات هذا الدافع لا يليق بالكرامة البشريّة. إنّ جوهر أي دافع، حسب تصورهم، يجب أن يكون متوافقًا مع أهداف الوجود الإنساني ومبادئه النبيلة. ينبع تشاؤمهم من خشيتهم من أن تطغى سلطة ومطالب الدافع الجنسي على الحياة المتحضرة المتناغمة، ويعتبرون هذا تهديدًا خطيرًا للعلاقات البشرية والأخلاق. بحكم طبيعة الرغبة الجنسية، فإنّ الشخص الذي يرغب بشخص آخر فإنه يقوم بتشييئه قبل وأثناء النشاط الجنسي. فالجنس، كما يقول كانط: "يجعل من الشخص المحبوب شيئاً للشهوة، وذلك في حد ذاته انحطاط للطبيعة البشرية". هذا القول المقتبس من إحدى محاضراته في الأخلاق.
وتعد الألاعيب والخدع ضرورية قبل ممارسة الجنس مع الشخص الآخر، وبالتالي فالخداع جزء أساسي من طبيعة الجنس. فيفعل الإنسان أقصى ما لديه ليبدو أكثر جاذبية للشخص الآخر، بل ويذهب أشواطاً بعيدة في إخفاء عيوبه وتضخيم محاسنه ليبدو مرغوبًا وبالتالي فعنصر الخداع جزء أساسي من الرغبة الجنسية.
علاوة على ذلك، فالفعل الجنسي له خصوصيته حيث يفقد الشخص السيطرة على نفسه ويفقد أي اعتبار لإنسانية الآخر، فالجنس بشكل عام يعد تهديدًا للشخصية، لأن الطرفين يصبحان أداة للحصول على المتعة مما يجعل إنسانية الشخص في انحطاط لمرتبة الحيوان. ونظرًا لطبيعة الجنس الملحّة فإن الفعل الجنسي من أكثر الأمور المنافية للعقل، لأنه من الصعب السيطرة عليها والتحكم بها وغالباً ما تنتهي دون تخطيط. فهذه الطبيعة غير العقلانية تجعل الشخص يبحث عن الرضا في الأزقة المظلمة أو في زواجٍ متسرع. و بهذه الطبيعة التشاؤمية للجنس، فإنه من البديهي الاستنتاج بأن الرغبة الجنسية منافية للأخلاق حتى ولو كان ضمن نطاق الزواج أو بهدف الإنجاب.
التفاؤليون:
وعلى الضفة الأخرى، نجد الفلاسفة التفاؤليين الذين لا يجدون أي أمر بغيض يتعلق بالدافع الجنسي. ومن هؤلاء الفلاسفة أفلاطون، بيرتراند راسل والعديد من الفلاسفة المعاصرين. فهؤلاء يعتبرون النشاط الجنسي على أنه بُعدٌ آخر لوجودنا كبشر، أٌعطي لنا من خلال عملية تطورنا كمخلوقات دون أن يُنقص من ميولنا الفكرية والعقلانية وبالتالي فهم يثنون على قوة هذا الدافع الذي يمكن أن ينقلنا إلى شكلٍ أعلى من السعادة والرضا.
يعتقد التفاؤليون أن الجنس آلية طبيعية للربط بين البشر، لأنه ينطوي على إرضاء الذات والآخر في نفس الوقت مما يؤدي إلى الامتنان والمودة، وهذا بدوره يعمق العلاقات الإنسانية ويجعلها أكثر عاطفية وقوة. وقد عبّر إيرفينغ سينغر أحد فلاسفة الجنس المعاصرين عن هذه النظرة التفاؤلية بقوله: "على الرغم من أن الجنس يشبه الشهوة للطعام أو الشراب، إلا إنه يختلف عن الجوع أو العطش في كونه يتضمن مراعاة الآخرين، الأمر الذي يُمكِنُنا من الشعور بالرضا في عقل وشخصية الآخرين كما في أجسادهم، فلا يوجد شيء في طبيعة الجنس يؤدي بالضرورة إلى التقليل من إنسانية الأشخاص، بل على العكس تمامًا، يمكن أن يكون الجنس أمراً غريزياً يجعل الأشخاص يستجيبون لبعضهم البعض من خلال أجسادهم". (طبيعة الحب: الجزء الثاني).
ثم يأتي بوسنيس ليؤكد في محاورات أفلاطون بأن الجنس في حد ذاته ليس بالأمر الجيد أو السيئ، ولكنه يعترف بأن النشاط الجنسي بحد ذاته يمكن أن يكون مبتذلًا أو جيدًا. يكون الابتذال في الانحلال الجنسي في الشخص الأناني الذي يسعى لإرضاء نفسه وملذاته. وعلى النقيض الآخر، يكون الجنس مقبولًا حين يتعلق بشخص معين ويتضمن الاهتمام بالآخر ومراعاته والشعور بالغيرة عليه.
الانقسام بين التفاؤليين والتشاؤميين يُمكن أن يُلخّص على النحو التالي:
- التشاؤميون يعتقدون بأن الجنس إن لم يتقيد بصرامة بالأعراف الاجتماعية السائدة، فإنه سيؤدي إلى انحدار البشرية والحضارة.
- في حين أن التفاؤليين يعتقدون بأن الجنس بحدّ ذاته لا ينافي الطبيعة البشرية بل ويجعل التواصل البشري أعلى وأسمى.
المراجع:
Internet Encyclopedia of Phylosohy. هنا
Kant، Emanuel. Lectures on Ethics. Ed. Peter Heath. Cambridge:1997.
Singer، Irving. The Nature of Love، vol. 2: Courtly and Romantic. Chicago، Ill.: University of Chicago Press، 1984.