احذر التوتر؛ صحتك الجسدية في خطر!
الطب >>>> مقالات طبية
ولكن هناك العديد من العوامل التي قد تؤثّر في استجابة الجهاز المناعيّ؛ إذ لُوحِظ وجود علاقةٍ بين الجهاز العصبيّ المركزيّ والجهاز المناعيّ، وقد أكّدت العديد من الدراسات أنّ للتغيرات السّلوكيّة التي تصاحب حالات التّوتر المزمن، واضطرابات النوم.. وغيرها، عواقب صحيّةٍ مباشرةٍ وخطيرة، مما قد يؤثّر في صحّة حياة الأفراد ونوعيّتها. (4)
كيف يؤثّر التّوتر في الغدد الصّماء وهرموناتها؟
ينظّم محور الوطاء -الغدّة النّخاميّة- الغدّة الكظريّة (HPA) الاستجابة الهرمونيّة للإجهاد الحادّ والمُزمن، ويعمل من خلال مؤثّراته النّهائيّة -الستيروئيدات السّكريّة- المفرزَة من قشرة الغدّة الكظريّة.
ويتميّز إفراز السّتيروئيدات السّكريّة بخضوعهِ لنظام إفرازٍ يوميٍّ معيّن، وأيضاً تؤثّر الستيروئيدات السّكريّة في العديد من الأعضاء وأهمّها الجهاز المناعي.
ولقد لُوحِظ تأثير التّوتر والإجهاد على إيقاع محور (HPA)؛ ممّا قد يؤدّي إلى تغيُّراتٍ واسعةٍ في الاستجابة المناعيّة، وقد يُسهم ذلك في تطوّر بعض أنواع الأمراض والسّرطانات وتقدّمها.
في الوقت نفسه، يمكن أن تؤثّر الستيروئيدات السّكريّة في وظيفة العديد من الخلايا المناعيّة، بما في ذلك الخلايا اللّمفاويّة التّائيّة والبائيّة، ووحيدات الخليّة، والمحببات.
ومع ذلك، ما تزال الستيروئيدات السّكريّة هي العلاج الأكثر استخداماً والأكثر فعاليّة للسّيطرة على اضطرابات الحساسيّة، والمناعة الذاتيّة، والالتهابات، والعديد من الأمراض الأخرى؛ نظراً لدورها المعروف المثبِّط للمناعة، ولكنّ دراساتٍ حديثةً أشارت إلى إمكانيّة وجود تأثيراتٍ محفّزةٍ يمكن أن تملكها الستيروئيدات السّكريّة على العمليّة المناعيّة (3).
ولطالما كانت تأثيرات هرمونات الشّدّة (الهرمونات التي تطلقها الغدد الصّمّاء استجابةً لمنبّهات التّوتر ومنها الستيروئيدات القشريّة) على الجهاز المناعيّ مرضيّة إلى حدٍ كبير. لكن؛ وُجِد أنّ لهرمونات الشّدّة تأثيرات متباينة تبعاً لاستجابة الجهاز المناعيّ لها.
والآن يُوجَد تمييزٌ واضحٌ بين نوعين من التّوتر، التّوتر الحادّ والمزمن. ومن وجهة نظرٍ تطوريّة، يُعدُّ التّوتر الحادّ مفيداً؛ لأنه يُوفّر للكائنات الحيّة آليّات الحماية من تغيّرات البيئة والأمراض التي قد تكون مهدّدة لحياتها.
إلا أن الاستجابة الشديدة أو المطوّلة يمكن أن تكون ذات تأثيرٍ ضارٍّ على الجسم؛ إذ تكون الاستجابة في البداية منشِّطة للجهاز المناعيّ؛ لكن مع الوقت والتحفيز المتكرّر للجهاز المناعيّ نتيجة الإجهاد والتّوتر المزمن، سوف يحدث تثبيطٌ للجهاز المناعيّ (6،5).
هل من الممكن أن يتسبّب التّوتر بحدوث الإنتانات!
نعم، إذا كانت إحدى أهم التغييرات في الجهاز المناعي نتيجة التّوتر، مثل انخفاض تعداد الخلايا القاتلة الطبيعيّة (NK) وتدنّي وظيفتها، وانخفاض خلايا الدم البيضاء (الوحيدات)، والخلايا اللّمفاوية التّائيّة المساعدة (CD4) والقاتلة (CD8)، وازدياداً في تعداد الخلايا غير النّاضجة. في حين تبيّن أن الاسترخاء يزيد من النّسب المئويّة للخلايا اللّمفاويّة التّائيّة والبائيّة (2).
ولقد كانت إحدى الطرائق لتقييم تأثيرات التّوتر والشّدّة على الجهاز المناعيّ، عيار الأجسام المضادّة للفيروسات الكامنة. عموماً؛ الكمون هو قدرة الفيروس على أن يبقى في الخليّة المضيفة دون أن يعطي أيّة تظاهرات، وذلك بعد حدوث الإصابة الأوليّة، ثم يتظاهر بوصفه عدوى حادّة بمجرد حدوث خللٍ في الاستجابة المناعيّة للمضيف؛ ممّا قد يتسبّب بحدوث آثارٍ خطيرةٍ في الأشخاص الذين يعانون نقصَ المناعة.
وفي هذا السّياق، لُوحِظ لدى الأفراد الذين تعرّضوا لفتراتٍ طويلةٍ من الإجهاد والتّوتر، وجود مستوياتٍ عاليةٍ من الأجسام المضادّة ضدّ فيروسات ابشتاين بار (EBV)، والفيروس المضخّم للخلايا (CMV)، وفيروس الحلأ البسيط (HSV) (مجموعة من الفيروسات التي تكمن في خلايا المضيف)؛ مما يشير إلى ضعف السّيطرة ضدّ هذه الفيروسات الكامنة (4).
ما العلاقة بين التّوتر المزمن والسّرطان؟!
يقوم الجهاز المناعي بالحالة الطبيعيّة بمقاومة السّرطان ومنع حدوثه، وذلك عبر العديد من العمليّات.
وإنّ أحد أهم العمليّات التي يؤثّر فيها التّوتر المزمن هي عمليّة الموت الخلويّ المبرمَج، هذه العمليّة الضروريّة للتّطوّر الجينيّ السّليم، وعمل الجهاز المناعيّ، وكذلك الحفاظ على التّوازن في الاستجابة لمختلف المنبّهات الفيزيولوجيّة والمرضيّة.
ولقد أظهرت العديد من الدراسات وجود علاقةٍ بين التّوتر المزمن وعمليّة إصلاح الحمض النووي، وكذلك ارتبطت التغييرات في عمليّات إصلاح الحمض النووي بأنواعٍ مختلفةٍ من السّرطانات مثل سرطان الجلد الخبيث، وسرطان الرّئة، وسرطان الثّدي؛ ممّا يوضح العلاقة بين التّوتر المزمن وحدوث السّرطانات والأمراض المناعيّة والتنكسيّة الأخرى (4).
ولقد أشارت إحدى الدراسات التي أُجريَت في مختبرات مركز (روزويل بارك) للسّرطان إلى أنّ التّوتر المزمن قد يُساعد على تطوّر وانتشار خلايا الورم على نحوٍ عدوانيٍّ عبر تثبيط المناعة ضدّه، وذلك عبر التّأثير على نوعٍ من الخلايا تُعرَف باسم الخلية الكابتة المشتقّة من النّقي (MSDC)؛ إذ لُوحِظ أنّ التّوتر المزمن يؤدّي إلى تنشيط هذا النوع من الخلايا الكابتة للمناعة مما يعزّز نمو الورم (1).
ولا ننسى أنّ أحد العناصر المهمّة التي يجب مراعاتها عند النظر في تأثير التّوتر على المناعة هو العمر؛ إذ تؤدّي الشيخوخة إلى إضعاف قدرة الجسم على مقاومة التّوتر، لكن تبقى العديد من العمليّات المعقّدة للشيخوخة والاستجابة للإجهاد غير واضحة (4).
حالياً، تشير الأبحاث إلى الدور الكبير للحدّ من التّوتر والإجهاد في تحسين الاستجابة المناعيّة ضدّ العديد من الأمراض والسّرطانات، وأيضاً تُوجَد العديد من الدراسات لاختبار استراتيجيّاتٍ متعدّدةٍ للحدّ من التّوتر، بما في ذلك التمارين الرياضيّة، والتأمّل، واليوغا؛ ممّا قد يضيف طرائقاً ذات فعاليّةٍ كبيرةٍ في إبطاء تطوّر الأمراض. (1)
المصادر:
1-هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا