العنف والأطفال
علم النفس >>>> الأطفال والمراهقين
أولًا- مدى تعرض الأطفال للعنف:
يتعرض الأطفال للعنف في مجتمعاتهم (المدرسة، والبيئة المحيطة) أو في أسرهم، أو حتى من خلال وسائل الإعلام.. ويشمل السلوك العنيف الأذى الجسدي والعاطفي والجنسي (4). وحسب دراسات مستندة إلى أحوال السكان في بعض البلدان، فإنَّ 5-35% من الأطفال يتعرضون للأذى البدني، و5-30% يتعرضون للأذى الجنسي، في حين يشهد 10-20% العنفَ المنزلي طوال فترة الطفولة (3).
إذ يتعرض الأطفال للعنف العائلي، وكذلك ضمن المدارس في جميع فئات المجتمع بغض النظر عن القيم الاجتماعية والأحوال الاقتصادية والثقافية (4). سواء من خلال سوء المعاملة اللفظية أم الجسدية أم رؤية العنف أمامهم، ومن خلال وسائل الإعلام (بعض برامج الأطفال وغيرها من ألعاب الفيديو والألعاب التفاعلية على الإنترنت).
وفي بعض الدراسات التي تضمنت مقابلاتٍ مع أطفال يعيشون في أحياء منخفضة الدخل، روى فيها الأطفال قصصًا عن مشاهدتهم مظاهرَ العنف -مثل إطلاق النار أو الضرب- بوصفها أحداثًا عاديةً يومية (4). ووُجد أنَّ التعرض لمثل هذا النوع من العنف المجتمعي نادرًا ما يحدث لأقرانهم الذين يعيشون في أحياء أخرى.
وتشير دراسات أخرى إلى أنَّ الأطفال الذين شهدوا مظاهرَ الحرب والتي كانت إحدى نتائجها الانفصالُ عن العائلة؛ كانت لها عواقبُ كبيرة على الأطفال مقارنةً مع من استمرت عائلاتهم برعايتهم تحت وطأة الحرب (4).
ثانيًا- آثار التعرض للعنف:
إنَّ التعرض للعنف له آثارٌ كبيرة في الأطفال في أثناء تطورهم؛ ولا سيما التعرض في أصغر الأعمار سنًّا والذي يملك عواقبَ طويلة الأمد. فالأطفال الذين يشهدون العنفَ المنزلي يملكون سلوكًا غير ناضج، وتهيجاتٍ سلوكية مفرطة، واضطراباتٍ في النوم، وضيقًا عاطفيًّا حتى في أثناء اللعب، والخوفَ عندما يكونون بمفردهم، وصعوباٍت في اللغة، وتراجعًا في القدرة على قضاء الحاجات الأساسية (استخدام المرحاض). وله آثارٌ سلبية في الثقة أيضًا، والسلوك الاستكشافي لدى الطفل؛ وهذا يحد من تطور الاستقلال الذاتي، كذلك له آثار في الكفاءة الاجتماعية والأداء المدرسي (عجز ملحوظ في قدرات التعلم وعجز في الانتباه والتركيز) (3). وهناك صلة بين العنف والقلق والاكتئاب عند الأطفال (4)(2).
ويجب التنبيه إلى أنَّ هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا للعنف قد يصبحون عنيفين في المستقبل أو مشاركين في السلوك العنيف (2).
على سبيل المثال، وجدت دراسة طويلة -تتبَّعت عاداتِ السلوك وأنماطه لفتيان بعمر 8 سنوات ممن شهدوا مظاهرَ عنيفة- أنَّهم يكبرون وهم أكثر احتمالًا لإظهار السلوك العدواني والجانح مع الوقت في سن الـ 18، والسلوك الإجرامي بحدود الـ 30 عامًا (4).
أما عن الآثار الضارة في صحة الطفل البدنية (3)؛ فهل يمكن القول أنَّ التعرض للعنف في الطفولة يُسيء لصحة الأطفال البدنية؟
أثبتت الدراسات ارتباطَ التعرض للعنف بارتفاع خطر الإصابة بكلٍّ من: أمراض القلب، والأمراض الاستقلابية، والأمراض المناعية، والسكتة الدماغية وحتى الخرف.
ثالثًا- عوامل الوقاية:
أهم العوامل الوقائية للتنمية ضد الآثار السلبية للتعرض للعنف: وجود علاقة قوية مع شخص بالغ ومؤهَّل؛ والذي غالبًا ما يكون أحدَ الوالدين، أو ملاذًا آمنًا في المجتمع، أو مواردَ داخلية خاصة بالطفل (4)(1).
فكما هو موضح من الدراسات على الأطفال المعرضين للحرب أو الصدمات النفسية أنَّ مثل هذه الحوادث تهدد تطورَ قدرة الطفل على التفكير وحل المشكلات؛ ولكن بدعم من الأبوة والأمومة الجيدة أو شخص بالغ مهم، يمكن لنمو الطفل الإدراكي والاجتماعي المضي قدمًا على نحو إيجابي في المحن (4) من خلال تفهم هؤلاء لمخاوف أطفالهم ووضع خطة عمل للتعامل مع المشكلة.
لكن من ناحية أخرى، ربما يكون الأهل أنفسهم قد أصيبوا بصدمات نفسية مثلهم مثل أطفالهم ومن ثمَّ قد يصبحون قلقين ومكتئبين؛ وهو ما يجعل تنميةَ الروابط الآمنة بين الوالدين والطفل صعبًا! وهنا نلجأ إلى مساعدة الأشخاص البالغين المحببين عند الأطفال (2) أو تلجأ الأسرة كاملةً إلى طلب المشورة المهنية من الاختصاصيين لمعالجة هذه المشكلة.
فمن البرامج العائلية المُعدَّة لمثل هذه الحالات والتي اختُبرت عمليًّا وثبُت أنَّها واعدة في منع نتائج الضرر النفسي للعنف (3):
1- التثقيف النفسي (معلومات عن الصدمة وردود الفعل).
2- مهارات الأبوة والأمومة (مهارات في إدارة السلوك كما ذكرنا سابقًا).
3- مهارات الاسترخاء (لإدارة ردود الفعل الفيزيولوجية للحدث).
4- مهارات التعديل العاطفي (لإدارة الاستجابات العاطفية للحدث).
5- مهارات التعامل المعرفي (لمناقشة الصلة بين الأفكار والمشاعر والسلوكيات).
6- سرد الصدمات ومعالجتها (لتصحيح التشوهات المعرفية المتعلقة بالحدث وتخطيط السلامة للمستقبل).
وفيما يتعلق بدور المجتمع كالمدرسة والمعلمين؛ فهؤلاء لديهم إمكانيات هائلة لتوفير الدعم العاطفي ورعاية الأطفال المعرضين للعنف (4).
ومن عوامل الحماية الإضافية: تعزيز مشاعر احترام الذات وفعاليتها والمواهب الفردية والانتماءات الاجتماعية لدى الطفل، وتأمين بيئة جيدة للمدرسة، وكذلك تحسين الاتصال مع الأشخاص والبيئات من حوله والتي تُعدُّ إيجابيةً للتنمية (4).
لذا تشير الدراسات إلى وجود حاجة دائمة إلى البحث في عوامل الوقاية هذه، كونها غير ثابتة! لكن معًا ودومًا فإنَّنا قادرون على حماية أطفالنا وتوفير الدعم لهم انطلاقًا من التنشئة الأسرية الصحيحة في المنزل، والسعي إلى إيجاد حلول لهذه المشكلات في المجتمع، وفهم أساس حدوثها، وأخيرًا؛ الاهتمام بصحة الطفل وآثار هذه الظواهر فيه حاضرًا ومستقبلًا وعلاجها بأسرع وقت.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا