مراجعة مسرحية (الملك هو الملك): في رؤية المثقف للسلطة وجدلية علاقته معها
كتاب >>>> الكتب الأدبية والفكرية
ولكنَّ عملية نسج مسرحية كاملة المبنى تحمل معانٍ أخَّاذة ليس بالأمر السهل، وخصوصًا عندما يعالج العمل قضيةً اجتماعية وسياسية تهم القارئ أو المثقف العربي على وجه التحديد، ومن هذا الباب نقدم عملًا مسرحيًّا جعل من البساطة أداةً ننفذ عن طريقها إلى الذهن العربي باختلاف مستوياته؛ الذهن الخاضع، والآخر الذي يقتات على خضوع الطرف الأول، ويعدُّ هذه الممارسة وسيلةً ضرورية لإثبات الوجود والشعور بنشوة السطوة والهيمنة.
كتب الراحل (سعدالله ونوس) هذا العمل بحرفية تجعلنا نتيقن أنَّه كان مُلمًّا بتفاصيل القضية المطروحة داخل مسرحيته كاملةً؛ إذ تدور الفكرة الأساسية في العمل حول ملك كان قد تسرب إليه الملل فأصبح يبحث عن طريقة يروِّح بها عن نفسه، وبعيدة عن اعتيادية وسائل الترفيه المتاحة؛ مثل العروض الترفيهية والموشحات والمعزوفات الطربية، فقد كان يبحث عن شيء أكثر مرحًا وشغبًا، فقرر أن يتبادل دوره بصفته ملكًا مع أحد العامة، وهنا إحدى النقاط المهمة التي يرتكز عليها العمل، فقد جعل (ونوس) هذا التركيب تجسيدًا صريحًا وصارخًا يشير إلى تفاوت شاسع بين شخصيتين تختلفان تمامًا في المكانة الاجتماعية وآلية التفكير والبناء النفسي والمعنوي.
وقبل أن نتطرق إلى شخصيات رئيسة أخرى داخل المسرحية، نوجِّه الضوء قليلًا إلى شخصية الملك، فقد وضع الكاتب هذه الشخصية تحديدًا تحت تأثير المبالغة في بداية العمل، فطلباتها تنفذ بعد الإصدار مباشرة دون تعطيل أو تأخير، حتى إنَّنا نرى المجاملات الزائفة ومبالغة الوزير والخدم حوله، وهذا ما جعل الشخصية تسأم التبجيل والتعظيم، وجعل الفكرة الأساسية التي تدور حولها المسرحية (رغبة تبادل دوره مع أحد العامة) تبدو مألوفة ومتجانسة مع مجريات المسرحية.
ومن جانب آخر صوَّر (سعدالله ونوس) أنموذج الإنسان المقهور، وقدمه لنا في عديد من الشخصيات رئيسةً كانت أو ثانوية، وإن أردنا أن نتحدث قليلًا عن هذه الشخصيات، فلعل شخصية (أبو عزة) هي الأبرز هنا، فهو التاجر المقهور، والرجل الذي اجتمعت عليه مصائب الدنيا، وتراكمت عليه الديون بسبب تآمر التجار والنظام عليه حتى أصابه العجز، فهو هنا يتمنى أن يصبح سلطان البلاد حتى يستطيع أن يستعيد ثأره وينتقم من المتآمرين من حوله كلهم، وفي هذه الجزئية تتضح تفصيلة قلَّما نراها في أعمال أدبية أخرى، وهي إظهار الكاتب التركيبَ النفسي لدى الإنسان، فالتاجر المتعثر كان يُظهر _في حوار صريح- الألم النفسي والقهر الكامن في نفسه، وكان يظهر أيضًا توعدات الانتقام صراحةً لو أتاحت له الأيام هذه الفرصة العظيمة.
بزوغ الفكرة وأصل الإلهام..
يرى البعض أنَّ المحرك الأساسي الذي جعل (ونوس) يكتب هذا العمل هي قصة (النائم واليقظان) المذكورة في كتاب (ألف ليلة وليلة)؛ إذ تدور أحداث القصة في العهد العباسي، وتروي القصة الأحداث التي حدثت مع (هارون الرشيد) في إحدى جولاته التنكرية مع سيافه (مسرور)، فقد مرَّا على بيت تاجر يُدعى (أبا الحسن الخليع) فاستضافهما وكان (مسرور) تاجرًا مفلسًا ورجلًا فقيرًا، فشكى لهما سوء حظه، وتمنَّى أمامهما –دون أن يدري أنَّ الشخص الذي يجلس أمامه هو الملك شخصيًّا- أن يكون صاحب نفوذ وكلمة مسموعة، فنفذت إلى الخليفة الفكرة ذاتها، وهي أن يخدِّر التاجر ليستيقظ ويجد نفسه داخل جدران المملكة التي أصبح التاجر هو آمرها الأول!
وقد يكون هذا التشابه واضحًا، ولكنَّ القارئ سيجد أنَّ (ونوس) كان قد فكك العمل الأول وأعاد تركيبه بطريقة حديثة تمس الواقع السياسي اليوم، خصوصًا أنَّه قد عاش في فترة اضطرابات وظروف سياسية عربية أثرت بطريقة أو أخرى في أعماله المسرحية، ومنها مسرحية (الملك هو الملك)
ختام العمل ونهاية غير متوقعة
الختام والفصل الأخير تحديدًا من أكثر الفصول الصادمة والتي تعكس صورة الإنسان الحقيقي؛ الإنسان الذي تحركه نوازع وتخبطات داخلية صريحة، ويُعدُّ هذا العمل من المرحلة الثانية في فترة كتابة (سعدالله ونوس) وهي التي يُطلق عليها مرحلة السؤال الأيديولوجي؛ وهي فترةٌ كان قد ركز فيها على الكتابة عن تحليل السلطة ورؤية الإنسان لها وعلاقته معها.
معلومات الكتاب:
ونوس، سعدالله. (1980). الملك هو الملك. (ط1). القاهرة: دار ابن رشد. عدد الصفحات: 128