عالمنا الأزرق الغامض (الجزء الأول)
الهندسة والآليات >>>> الروبوتات
الإجابة ببساطة هي لا! وسنستعرضُ معًا في هذا المقال تفاصيلَ إحدى أكثرِ الروبوتات العظيمة التي يُنسَب إليها كثيرٌ من الفضل فيما توصّلنا إليه عن الجانب الأزرق من الكرة الأرضية حتى اليوم!
كيف بدأت الحكاية إذًا؟
يعتمد البشر على استخدام الروبوتات للإجابة عن الأسئلة المستعصية في كثيرٍ من المجالات، أبرزها الفضاء وعلم الأحياء والبيئة؛ وخاصة البيئة البحرية؛ إذ يُعدّ المحيط مصدرًا مهمًّا للنقل والتجارة والصيد وحتى الاستخبارات في عالمنا اليوم. وعلى الرغم من ذلك؛ فإن أكثر من 80% من هذا العالم الشاسع تحت الماء لا يزال غير مستغل وغير مراقب وغير مُستكشَف.
ونظرًا إلى الصعوبة البالغة والتكلفة العالية لاستكشافه باستخدام الغاطسات (مركبات تحت الماء)، اعتمد الباحثون منذ فترة طويلة على تقنياتٍ مثل السونار لإنشاء خرائط لقاع البحر، وعلى الرغم من هذا؛ استطعنا استكشاف أقل من 10% فقط من المحيط العالمي باستخدام تكنولوجيا السونار الحديثة (1).
وبهذا الشأن، تبذل الجهات المختصة عن البحث واستكشاف المحيطات (مثل NOAA) جهودًا لا تنقطع لاستكشاف المحيط، وذلك عن طريق دعم البعثات الاستكشافية التي يقودها العلماء بأحدث أدوات الاستكشاف للتحقيق في المناطق البحرية غير المعروفة وتوثيقها كما ينبغي، وعلى رأسهم مكتب مسح الساحل التابع لـ NOAA لاستكشاف المحيط باستخدام عمليات المسح الهيدروغرافية لإنشاء مخططات بحرية وخرائط أعماق يُعتمَد عليها (1).
المركبات المستقلة تحت المائية AUVs- autonomous underwater vehicle
Image: Chris German, Woods Hole Oceanographic Institution.
منذ محاولات الغوص بالطرائق التقليدية، ومرورًا بالزوارق والقوارب والسفن بأنواعها كافة وحتى الغواصات، ووصولًا إلى يومنا هذا؛ يعود الفضل بعد السونار إلى تلك المركبات المذهلة "AUV" في كثيرٍ مما أنجزناه في مجال الكشفيات البحرية.
وهي عبارة عن روبوتات تعمل تحت الماء على نحو مستقل عن البشر، وقد يكون مشغّلها على الشاطئ أو على متن سفينة!
تنزلق هذه الروبوتات من سطح البحر إلى أعماق المحيطات، ويملكون القدرة على أن يتوقفوا ويحوموا ويتحركوا مثلما تفعل طائرات الهليكوبتر أو المروحيات في الهواء (2,3).
قد تكون أنظمة AUV صغيرةً ومحمولةً بسهولة على المركبات التي يقل وزنها عن 100 رطل، أو أنظمةً كبيرة جدًّا يصل وزنها إلى آلاف الكيلوجرامات التي تحتاج إلى سفن دعم وتحميل خاصة بها. وفي العمليات المستقلة كاملًا تُحمّل الطاقة على متن المركبة نفسها، وهي ضرورية -كما نعلم- لتمكين المراوح أو محركات الدفع من تحريك AUV عبر الماء وضرورية لتشغيل المستشعرات الموجودة على متن المركبة أيضًا. وعلى الرغم من استخدام بعض المركبات لخلايا الوقود أو الطاقة الشمسية القابلة لإعادة الشحن؛ يُستخدَم في معظم المركبات الأخرى بطارياتٌ خاصة بها (2,3).
إنها دومًا خياراتٌ جذابة لإجراء البحوث والاستكشافات داخل أعماق المحيط، فيمكن أن تصل إلى المياه الضحلة بسهولة أكثر من القوارب، وتتحرك في المياه العميقة أسرع من الغواصين البشريين، إضافة إلى أنها قابلة للتطوير؛ مما يعني أنه يمكن للعلماء اختيار أجهزة الاستشعار التي ستربطهم بها اعتمادًا على أهدافهم البحثية في كل مَهمة لها، وهي أقل تكلفة من سفن البحث أيضًا، ولذلك؛ هي الأجدر باستخدام أجهزة استشعار على متنها لإنشاء خرائط لقاع المحيط، وتسجيل المعلومات البيئية، واستشعار ما تركه البشر وراءهم، وتحديد مخاطر التنقل، واستكشاف التكوينات الجيولوجية، وغيرها الكثير (2,3).
ومع زيادة الطلب على أنواع جديدة من المركبات الذاتية الحركة تحت الماء، زاد الاهتمام بتطوير مركبات الـAUV حتى وجدت المركبات طريقها في مختلف المجالات؛ مثل التطبيقات المدنية والتجارية والعسكرية، ولكن كان استخدامها مقصورًا على عدد معين من المَهمات بسبب القيود الرئيسة التي تعانيها التقنيات الحالية؛ مثل التكلفة العالية، ومتطلبات الصيانة، وعمرها الافتراضي القصير، والمدى الزمني القصير لتشغيلها قبل أن توشك طاقتها على النفاد، والحاجة إلى مزيد من الوقت والطاقة لإعادتها إلى مقر تشغيلها وإمداد البطارية بالطاقة اللازمة للاستمرار في أداء مَهمتها (2,3).
Image: https://www.mbari.org/at-sea/vehicles/autonomous-underwater-vehicles/
إنّ مراوح هذه المركبات بحاجة إلى حركة دورانية لكي تتمكن من الغوص -أو بالأحرى لدفع الهواء إلى الخلف وتحقيق الحركة بمفهومها البسيط- دون وجود عقبات أو أجسام حية وغير حية تعترض طريقها؛ أي في بيئة وظروف مثالية، ومن ثم سنحتاج إلى التعامل مع تحديات وقيود أكبر بكثير مما ذكرناه بالأعلى، لذا؛ يستمر السعي لتطوير هذه المركبات المذهلة حتى هذا اليوم.
ولأنّ فضول الإنسان لا حدود له؛ نستعرض في مقالنا القادم ما هو أكثر إثارةً من مركبات AUV وسنغوص معًا لنتعرف صديقًا بحريًّا آخر، فتابعونا!
المصادر: