متى يحدث الزلزال القادم؟
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> علم الأرض
شهدت المنطقة عديداً من الهزات الأرضية في الآونة الأخيرة؛ مشعلةً بذلك موجةً من التنبؤات والافتراضات عما يمكن أن يحدث في الفترة القادمة. وبعيداً عن كلام المنجمين الذي لا أساس له من الصحة؛ ماذا يقول العلم؟ وهل هناك طريقة مؤكدة لتوقع حدوث الزلازل؟
إن الزلازل عبارة عن اهتزازات تُصيب سطح الأرض ناتجة عن حركة الصفائح التكتونية في باطن الأرض، فبينما تنزلق بعض الصفائح فوق الأخرى بسلاسة وهدوء دون أن نشعر بها؛ ينزلق بعضها الآخر بقوة مسببةً هزات عنيفة جداً. وقد تمتدُّ هذه الانزلاقات من بضع مئات من الأمتار إلى ألف كيلومتر، وحتى إنّ بعض الزلازل تحدث بتأثير زلازل أخرى شديدة حدثت بالفعل على بعد آلاف الكيلومترات (1).
تُظهر الخريطةُ الآتية جميعَ الزلازل التي حدثت بين عامَي 1970-2014 وتجاوزت شدتها 6 درجات على مقياس ريختر. تُسمَّى المناطق التي تحدث فيها الغالبية العظمى من الزلازل بـ حزام الزلازل (الذي يُمثِّل نطاقَ المناطق من سطح الأرض التي يتركز فيها النشاط الزلزالي). جُمعت البيانات من موقع مكتب الأمم المتحدة للحدِّ من الكوارث (2) باستخدام خريطة أساسية من مجموعة بيانات Natural Earth Data هنا متاحة للاستخدام العام (3)، ثم العمل عليها باستخدام تطبيق QGIS.
Image: Mohammad Salloum
الحزام الزلزالي والزلازل المسجلة بين عامي 1970 - 2014
ولأن الزلازل والهزات الأرضية تحدث دون سابق إنذار؛ يعمل العلماء في سياق تحديد ماهية الزلازل وأسباب حدوثها على إيجاد طريقة ما تُساعد على التنبؤ بها، لعلَّ ذلك يتيح الوقتَ الكافي لإجلاء السكان وتقليل الخسائر قدر المستطاع.
وفي هذا الصدد تقرُّ هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) بأنه لا يوجد أحد من العلماء تمكَّن من توقُّع حدوث زلزال كبير من قبل، وأننا غير قادرين -حتى الآن- على تحديد عناصر التنبؤ الثلاثة الأساسية للزلزال القادم المحتمل الحدوث المتمثلة بـ: موعده ومكانه وحجمه، ولا يُمكن للتنبؤات العامة أن تُصيب الحقيقة فيما يتعلق بوقوع زلزال في منطقة معينة كونها لا تستند إلى أيِّ دليل علمي يغطي العناصر الثلاثة المذكورة آنفاً (4).
بل إنَّ مثل هذه التوقعات التي قد نسمعها هنا وهناك تستند إلى أنها قد تُصيب على نحو ما (إذ من المحتمل دوماً وقوع مثل هذه الظواهر الطبيعية)، فهم إذاً يُطلقون كلاماً عاماً لا يوجد له أساسٌ علمي.
في الوقت نفسه يطرح بعض العلماء وجهة نظر تقول بأن الزلازل لا تحدث دائماً فجأة؛ إذ إن ما يصل إلى 10% - 30% من الزلازل الكبيرة قد سبقتها هزات أرضية ارتجاجية بأيام أو شهور، مؤكدين بذلك على أن الهزات المتكررة قد تكون العرض المبدئي المنذر بحدوث الزلزال الرئيسي وبذلك فهي تُمثِّل إشارةً لما هو قادم، ويُمنّي هذا القسم من العلماء النفس بأن قياس جميع العوامل الفيزيائية للقشرة الأرضية سيؤدي إلى إمكانية التنبؤ مستقبلاً بحدوث الزلازل الكبيرة أو حتى توقُّع الهزات الأرضية السابقة لحدوث الزلزال الرئيسي نفسه (5).
ولكن هل يمكن أن يكون الحلُّ بمزيدٍ من الدراسات الجيوفيزيائية وحسب؟
حاول العلماء وبعض مختصيّ الزلازل -لا سيما في الصين واليابان- على مدى مئات السنين مراقبة السلوك الغريب لبعض الحيوانات البرية والمنزلية قبل وقوع الزلازل كونها تعطي مؤشراً أولياً يسبق حدوث الزلازل، ولعل زلزال عام 1975 في مدينة هايتشينغ (Haicheng) في الصين خير مثال على ذلك؛ إذ أُخذ شذوذُ سلوك بعض الحيوانات على محمل الجد وأُخليت المدينة جزئياً قبل وقوع الزلزال المدمٍّر؛ الأمر الذي ساهم في حفظ آلاف الأرواح، ويعزي العلماء هذا التصرف إلى وجود إشارات صوتية ناتجة عن حركة القشرة الأرضية يمكن للحيوانات -على عكس البشر- سماعها نتيجة استجابتها لاهتزازات بعض السطوح؛ كالسطوح المعدنية والزجاجية، وهي التي بدورها تهتزُّ استجابةً للاهتزازات الناتجة عن إنتاج التيارات الكهربائية بسبب تشوُّه المجال الكهرومغناطيسي للأرض المرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة القشرة الأرضية أيضاً لكن العلماء لا يستبعدون وجود تناقضات في هذا التنبؤ (6).
يمكننا القول باختصار أنّه حتى اليوم لا يوجد أي آلية واضحة للتنبؤ بمكان أو موعد أو حتى شدّة الزلزال القادم ولكن تاريخنا البشري يؤكّد أننا حتى اليوم قد تجاوزنا العديد من العقبات في مواجهة الكوارث الطبيعيّة التي حدثت وستحدث؛ وأننا عندما نجد الحل، فذلك قطعًا لن يكون على يد أحد المنجمين.
المصادر:
1. Kanamori H, Brodsky EE. The physics of earthquakes. Rep Prog Phys 2004;67:1429–96. هنا.
2. Global Catalog Of Earthquakes - Humanitarian Data Exchange. [online] Available at: هنا [Accessed 16 April 2020].
3. Natural Earth Data. هنا [Accessed 15 April 2020]
4. Usgs.gov. 2020. Can You Predict Earthquakes?. [online] Available at: هنا [Accessed 15 April 2020].
5. Wyss M. Cannot Earthquakes Be Predicted? Science 1997;278:487–90. هنا.
6. Garstang, M. and Kelley, M., 2020. Understanding Animal Detection Of Precursor Earthquake Sounds. [online] Available at: هنا [Accessed 15 April 2020].