تضليل علماء أم كذبة جاسوسية؟ (الجزء الأول)
منوعات علمية >>>> العلم الزائف
التخاطر هو أي وسيلة لانتقال المعلومات من شخص إلى آخر دون استخدام الحواس الخمس؛ ويستند معظم المدافعين عن حقيقة وجود هذه العملية إلى وجود قوى ذهنية غير مكتشفة بعد واكتساب دماغين القدرة على التواصل معاً دون الحاجة إلى وسط حسي ملموس.
ظهر مصطلح "telepathy" أو التخاطر للمرة الأولى في إحدى مقالات جمعية البحوث النفسية "Proceedings of the Society for Psychical Research" للباحث في القدرات الذهنية فريدريك ويليام هنري مايرز Frederic William Henry Myers في عام 1882م. وقد تكون فائدة الأبحاث والدراسات التي أجريت لإثبات وجود ظاهرة التخاطر متمثلة في الكوميديا الناتجة عن تقصي أحداث هذه الأبحاث ومجرياتها، إذ قضى مايرز حياته في تجارب استحضار الأرواح والتخاطب الذهني (التخاطر)، ولم ينته الأمر بوفاته إنما نقل بعد موته رسالة عن طريق زميلة مشهورة له في بوسطن أنه يريد إنشاء تجمع في الجانب الآخر من الحياة لاستكمال تجاربه! لقد رأى مايرز في التخاطر خلاصاً للبشرية؛ فعده الحاسة التطورية التي تقربنا من الآلهة وكانت الصلوات بالنسبة له نوعا خاصا من أنواع التخاطر (1).
وضع روجيه لوكرست Roger Luckhurst أستاذ الأدب المعاصر في كلية الأدب الإنكليزي في جامعة لندن ومؤلف كتاب The Invention of Telepathy, 1870-1901 (2002)؛ دراسة تلخص الأسباب التي سمحت بانتشار هذا المصطلح غير العلمي على نحو كبير والظروف التي جعلت لهذا المفهوم (التخاطر) شعبية واسعة. ويرى لوكرست أن السبب الأول والرئيسِ لشعبية التخاطر هو الحاجة إلى منظور ثقافي جديد مع نهاية القرن التاسع عشر في حقبة تسمى بالفرنسية fin-de-siècle أي نهاية القرن (1).
إذ يقول لوكرست إن مفهوم التخاطر بدأ بالانتشار قبل أن يتخذ مصطلح "telepathy" اسمًا له وكانت بداياته بوصفها نوعًا من العروض التي تجرى في الصالات أو مع الاستعراضات المتنقلة أو كان يستخدم بوصفه نوعا من العلاجات الشعبية، لكن بعد الأبحاث والتحقيقات التي أجريت عن الموضوع من قبل جمعية البحوث النفسية SPR اتخذ التخاطر غطاءً علمياً وأصبح صلة الوصل بين الروحانيات والعلم في ذلك الوقت، ويشدد الكاتب على ضرورة الانتباه إلى أن الأبحاث النفسية لا يمكن أن تكون إلا علماً حقيقياً، إنما في تلك الفترة كانت العلوم تتخبط بعشوائية كبيرة، لا سيما وأن مركز أبحاث مثل SPR كان يضم من يعدهم من أعظم الباحثين في المجال ولا يمكن الحكم على جميع أبحاثهم بأنها زائفة (1،3).
فيما بعد انفصلت جمعية الأبحاث النفسية عن حلفائها السابقين (الروحانيين) وتحولت النظرة للتخاطر على أنه قوة غير مدركة بعد، حتى إنه أصبح بمثابة القوى الجديدة بالنسبة لذلك الزمن كالكهرباء مثلاً، ويعزو لوكرست السبب في التعمق بدراسة هذه الظاهرة إلى خدعتين حصلتا في ذلك العصر؛ الأولى خدعة الأخوة كريري (Creery sisters) وهن بنات رجل دين معروف استطاعوا التعرف إلى أوراق اللعب بطريقة مريبة (1،3)، والأخرى لرجلين من الطبقة الكادحة تجاوزا عدة اختبارات لنقل الأفكار بمساعدة الباحث Edmund Gurney إدمون جيرني من مركز الأبحاث SPR (1).
أجرى كل من سامويل مولتن Samuel Moulton خريج كلية علم النفس في جامعة هارفرد للعلوم والفن بالتعاون مع ستيفن كوسلين Stephen Kosslyn وجون ليندسلي John Lindsley أساتذة علم النفس في الكلية نفسها؛ دراسةً جديدةً للبت في موضوع التخاطر والقوى الذهنية الخارقة على نحو عام، ونشر هذا البحث في إصدار كانون الثاني يناير من عام 2008 في مجلة علم الأعصاب الإدراكي Journal of Cognitive Neuroscience، واستخدم الباحثون المسح الدماغي لاختبار حقيقة امتلاك الأفراد المعرفة بطرائق مجهولة لا يمكن تفسيرها (2).
وذكر مولتون أنه في حال وجود هذه القوى فإن المسح الدماغي يجب أن يظهر نتائج مغايرة للنتائج التي تظهر عند إجراء مسح طبيعي؛ ولكن النتائج كانت متشابهة وطبيعية في الحالتين؛ مما ينفي وجود مثل هذه الظواهر الخارقة (2).
قد لا تقنع التجربة السابقة الكثيرين بعدم وجود هذه الظواهر؛ ذلك لأنه لن يتمكن مولتون من إجراء الاختبار على جميع الأشخاص الذين يدعون امتلاك قدرات تخاطرية، ولكنه من خلال هذه التجربة قدم أدلة مقنعة ومنطقية كفاية للاعتراف بعدم وجود هذه القوى. فالفكرة هنا كمن يطلب منك إثبات عدم وجود تفاحة في مركز الشمس، هذا الموضوع غير ممكن، لكنه لا يعني أن التفاحة موجودة في مركز الشمس!
المصادر: