«الشيوعية» - «Communism»
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> الفلسفة السياسية
(الشيوعية - Communism): من الشيوع (شيوع الملكية) وفي تعريفها العام: هي إيديولوجيا ومذهبٌ سياسيٌّ واقتصاديٌّ وشكلٌ حكوميٌّ يهدف إلى الاستعاضة عن الملكية الخاصة بالملكية العامة، والسيطرة المجتمعية على وسائل الإنتاج الرئيسة والموارد الطبيعية للمجتمع (2،3).
تُعدُّ الشيوعية شكلاً متطوراً عن الاشتراكية، أي مستوى أعلى وأكثرُ تقدماً منها. لكن ووفقاً لأنصارها؛ إن الاختلاف بينها وبين الاشتراكية كان لفترةٍ طويلةٍ مسألة جدال، كفارقٍ أساسيٍّ: تفترض الشيوعيةُ أن لكل فردٍ حسب حاجته، أما الإشتراكية؛ فلكل فردٍ حسب جهده؛ لكن كلتاهما تُعدَّانِ تطوراً حتمياً للرأسمالية الصناعية التي أوجدت طبقةً تعيش من بيع عملها فقط لا من أرباح رأس المال، يُطلَق عليها (البروليتاريا). ومن هنا يعرّف "فريدريك إنجلز - Friedrich Engels" الشيوعيةَ بأنها: ((علم تحرير البروليتاريا)) (1،2).
من جهةٍ أخرى؛ يخلق تردد مصطلح (الماركسية - Marxism) بدوره جدلاً إضافياً، وتعدُّ الماركسية أيديولوجيا للأحزاب الشيوعية؛ تبلورت من خلال البيان الشيوعي (The Communist Manifesto 1848) لـ"كارل ماركس - Karl Marx" و"فريدريك إنجلز" (4)؛ الذي تضمن انتقاداً للرأسمالية؛ إذ أكَّدَ كلٌّ من "ماركس" و"إنجلز" أنَّ الفقرَ والمرض والموت المبكر الذي أصاب (البروليتاريا) هي مشكلاتٌ منهجيةٌ وهيكليةٌ لا يمكن حلّها إلا من خلال ترك الرأسمالية والاستعاضة عنها بالشيوعية، وفي ظل هذا النظام البديل، نجد أن الوسائلَ الرئيسةَ للإنتاج الصناعي ستكون مملوكةً ومُدارةً عامةً لصالح الجميع (3،2).
بدايات «الشيوعية»
على الرغم من أن مصطلح «الشيوعية» لم يدخل حيز الاستخدام حتى الأربعينات من القرن التاسع عشر، إلا أن فكرة المجتمع الشيوعي -دون تسميتها بذلك حينها- ظهرت منذ القرن الرابع قبل الميلاد؛ ففي الحالة المثالية الموصوفة في (جمهورية أفلاطون) تكرِّس الطبقةَ الحاكمةَ من الأوصياء لخدمة مصالح المجتمع بأسره، ويعيشون كأسرةٍ كبيرةٍ تشترك في الملكية، ليس فقط للسلع المادية وإنما أيضاً للأزواج والأطفال. ورأى أفلاطون أنَّ الملكية الخاصة للبضائع ستفسد أصحابها من خلال تشجيع الأنانية (2).
أما عن بدايات الشيوعية الحديثة، فلم تكن ثورةً دينيةً ولا حرباً أهليةً، إنما ثورةً تكنولوجيةً واقتصاديةً -الثورة الصناعية- في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، هي التي وفرت الزخم والإلهام لها. هذه الثورة التي حققت مكاسب كبيرة في الإنتاجية الاقتصادية على حساب الطبقة العاملة البائسة؛ شجعت "ماركس" على التفكير في أن الصراعات الطبقية التي هيمنت على التاريخ لا بد من أن تقود إلى مجتمع يتقاسم فيه الجميع الرخاءَ من خلال الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج (2).
الشيوعية الماركسية
وفقًا لـ"ماركس"؛ يتطلب إنتاجُ المواد أمرين: "قوى الإنتاج المادية"؛ أي المواد الخام والأدوات اللازمة لاستخراجها ومعالجتها، و"العلاقات الاجتماعية للإنتاج"؛ أي تقسيم العمل الذي تُستخرَج من خلاله المواد الخام والمصنّعة، وإن تاريخ البشرية هو قصة تغيراتٍ في كلا الأمرين أدت إلى تعقيداتٍ مختلفةٍ (2).
في المجتمعات البدائية؛ كانت القوى المادية قليلةً وبسيطةً، ومع نمو المعرفة والتكنولوجيا جاءت الاضطرابات المتتالية أو الثورات بسبب هذا التعقيد بين قوى الإنتاج وعلاقاته. على سبيل المثال: كان عمال مناجم الحديد يعملون بوساطة المعاول والمجارف التي يملكونها، ولكن اختراع مجرفة البخار غيّر الطريقة التي استخرجوا بها الحديد، ونظراً لعدم تمكنهم من شرائها، فقد اضطروا للعمل مع شخص يمكنه ذلك؛ فيصبح العامل جزءاً من وسائل الإنتاج أو مجرد (ملحقٍ) للآلة (2).
هذا ما يُطلقُ عليه «الرأسمالية الصناعية»، وهي من وجهة نظر "ماركس": (نظامٌ اقتصاديٌّ تمتلك فيه طبقة واحدة -البرجوازية الحاكمة- وسائلَ الإنتاج وفي المقابل تفقد الطبقة العاملة أو البروليتاريا استقلالها فعلياً، وهو نظامٌ متقلبٌ سيعاني سلسلة من الأزمات المتفاقمة -كالركود والكساد- التي ستؤدي إلى زيادة البطالة وانخفاض الأجور وزيادة البؤس بين البروليتاريا الصناعية). مع ذلك اعتقد "ماركس" أن الرأسمالية كانت مرحلةً تاريخيةً ضروريةً للتطور؛ إذ أحدثت تغييراتٍ علميةً وتكنولوجيةً ملحوظةً زادت الثورة الكلية عبر توسيع قوة البشرية على الطبيعة، وأن المشكلة تكمن -برأيه- أن هذه الفرصَ الاقتصادية والقوة السياسية لم تُوّزعْ على نحوٍ عادلٍ، وأنه إلى جانب اللامساواة والفقر والوعي الزائف ستنتِجُ الرأسماليةُ الاغتراب*.
ومن ثمَّ ستسبب أزمةُ الرأسمالية إقناع البروليتاريا أن مصالحها كطبقةٍ معارضةٍ بشدةٍ لمصالح البرجوازية الحاكمة، وهنا يأتي دور الوعي الطبقي الثوري الذي سيؤدي إلى (الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا)؛ إذ ستستولي (البروليتاريا) على وسائل الإنتاج الرئيسة إلى جانب مؤسسات سلطة الدولة -الشرطة والمحاكم والسجون وما إلى ذلك- وتؤسس دولةً اشتراكيةً. لاحقاً ستختفي الحاجة إلى الدولة أيضًا، وهكذا نجد أن الدولة المؤقتة ستذوب ويحل محلها مجتمعٌ شيوعيُّ لا طبقيٌّ (2).
الشيوعية بعد ماركس
لاحقاً بعد وفاة "ماركس" و"إنجلز"؛ نقّح "إدوارد برنشتاين - Eduard Bernstein" -زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا- النظريةَ الماركسية من جوانبَ عدةٍ، مثل تأكيده أن الإنسان بحد ذاته هو الهدف والغاية وليس الوسيلة أو الأداة، ورأى أن الرأسمالية تستخدم العمال كآلاتٍ بشريةٍ، في حين أن الشيوعية تستخدمهم كوقودٍ لتحقيق ثورةٍ مستقبليةٍ، وحذَّرَ من (الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا) (2).
من هنا نجد أن الشيوعية هي حالةٌ تطوريةٌ خضعت لتغيراتٍ، لاسيما عند البدء بالتنفيذ.
وصف «الماركسيون الأرثوذكس» "برنشتاين" بأنه برجوازيٌّ معادٍ للثورة، وكان "فلاديمير لينين -Vladimir Lenin" أهم منتقدي "بيرنشتاين" الشيوعيين وهو الذي كرّس حياته للتحول الثوري لروسيا، وغيّر "لينين" في النظرية الشيوعية وممارستها كما تصورها "ماركس"، وتلك التغييرات كانت مهمة لدرجة أن أيديولوجيا الحزب أُعيدت تسميتها فيما بعد باسم «الماركسية اللينينية» (2).
رأى "لينين" أنه لا بد من أن تُصنعَ الثورةُ لا من طبقة (البروليتاريا) بهذه العشوائية، إنما من مثقفي الطبقة الوسطى، لأن الجماهير التي تعاني الوعي الزائف غير قادرة على تمييز مصالحها الحقيقية ولا يمكن الوثوق بها في حكم نفسها، ومن ثم فإن (دكتاتورية البروليتاريا الثورية) دكتاتوريةٌ للحزب الشيوعي نفسه باسم (البروليتاريا). وعلى عكس توقعات "ماركس"؛ توقع "لينين" أن تبدأ «الثورة الشيوعية» في البلدان المتخلِّفة اقتصادياً مثل: روسيا وفي البلدان المستعمَرة. إلا أنه في سنة 1917 وبطريقة لم يتوقعها أحد حتى "لينين" نفسه؛ بدأت «الثورة البلشفية» في روسيا: (شيوعية لينين الثورية). وكانت بقيادة "لينين" وقائد الجيش الأحمر "ليون تروتسكي - Leon Trotsky" وكامل الحزب البلشفي والجماهير العمالية بناءً على أفكار "كارل ماركس" وتطوير "لينين"؛ لإقامة دولةٍ شيوعيةٍ، وإسقاط الحكومة الحالية (2،3).
بعد وفاة "لينين" في عام 1924 ترك "جوزيف ستالين - Joseph Stalin" و"تروتسكي" و"نيكولاي بوخارين - Nikolai Bukharin" كقادةٍ للحزب الشيوعي الروسي، وكتغييرٍ من «الماركسية اللينينية»؛ كان للـ«ستالينية» ثلاث سماتٍ أساسيةٍ؛ الأولى: كانت اعتمادَ "ستالين" على المادية الجدلية وسيلةً لتبرير أي عملٍ تقريباً أراد اتَّباعَه، وتجاهل اعتقاد "ماركس" أن التناقضاتِ يجب أن تُكشفَ ويُتَغلَّبَ عليها، وليس قبولها واعتناقها، السمة الثانية: هي عبادة الشخصية؛ على حين زعم "لينين" أن العمال يعانون وعياً كاذباً وبذلك يحتاجون إلى حزبٍ طليعيٍّ لإرشادهم؛ أكد "ستالين" على أن الحزب الشيوعي نفسه يعاني وعياً كاذباً، وبذلك يحتاج إلى زعيمٍ حكيمٍ -ستالين نفسه- لتوجيهه، السمة الثالثة للـ«ستالينية» كانت فكرة (الاشتراكية في بلد واحد)، أي بناء القاعدة الصناعية والقوة العسكرية للاتحاد السوفيتي قبل تصدير الثورة إلى الخارج (2).
إذن؛ نستنبط من التاريخ والمواد النظرية أن مفهوم الشيوعية لطالما كان متطوراً ومتغيراً ويخضع لتأثيرات البيئة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، بدأ منذ تعريفه كنظرياتٍ وفلسفةٍ من قبل "ماركس"، وتطور في تفاصيلَ عدةٍ ونقاطٍ كان من غير الممكن إدراكها قبل البدء بتطبيقها كنظام. ويختلف تطبيق الشيوعية من مكانٍ لآخر ومن زمانٍ لآخر، غير تأثره بالفكر السائد والفكر الشخصي للشيوعيين أنفسهم.
للاطلاع على الاغتراب عند كارل ماركس: هنا;
المصادر:
1- نجلز، فريدريك. (1847). مبادئ الشيوعية. ص1
2- هنا
3- هنا
4- هنا