الثنائية-Dualism
الفلسفة وعلم الاجتماع >>>> مصطلحات
أمّا الثنائيّةُ بالنسبةِ لفلسفةِ العقلِ، فهيَ بينَ العقلِ والجسدِ وبينَ العقلِ والدماغِ، لِنَتَكَلّم عنهما بشيءٍ من التفصيلِ في هذا المقالِ:
1) ثنائيّةُ العَقْلِ والجَسَدِ:
يبدأُ الحديثُ عنِ الثنائيّةِ مِنَ الإدّعاءِ بحقيقةِ العالمِ الماديِّ والأخذِ بعينِ الاعتبارِ عدمَ إمكانيّةِ مُعاملةِ العقلِ كجزءٍ مِنْهِ. وتكمُنُ المشكلةُ في العلاقةِ بينَ الخواص العقليّةِ والخواص الماديّةِ (الخواص الماديّة كالحجمِ والوزنِ والشكلِ ...الخ) فالإنسانُ يمتلكُ كِلتا الخاصّيّتانِ العقليّةِ والماديّةِ.
إلّا أنَّ الخواص الماديّةِ تختلفُ عنِ العقليّةِ مِنْ حيثُ أنَّها عامّةٌ للجميعِ ( بالمبدأِ) ومتوافرةٌ للجميعِ بذاتِ الدرجةِ. في حينِ أنَّ هذا لا ينطبقُ على الخاصّيّاتِ العقليّةِ، فأنا أستطيعُ أنْ أعرفَ مِنْ تصرُّفاتِكَ أنّكَ حزينٌ أو تشعرُ بالألمِ، إلّا أنّكَ الوحيدَ الذي يشعرُ بهذا الحزنِ أو الألمِ، فأنا لا أستطيعُ الشعورَ بشعورِكَ.
فالعملياتُ العقليّةُ هي خاصّةٌ بالموضوعِ ولا يستطيعُ مَنْ هوَ خارجُ هذا الموضوعِ (الشخصِ) الوصولَ إليها. ويُمكِنُ القولَ أنَّ مشكلةَ العقلِ-الجسدِ ظهرتْ لعدمِ استطاعتِنا مُعاملةُ العقلِ على الأساسِ الماديِّ، وكذلكَ عدمُ استطاعةِ بناءِ صورةٍ موحّدةٍ "لكائناتٍ" ترتبطُ بالعقلِ وبالجسدِ على الأساسِ نفسِهِ. وبالطبعِ العقلُ دائماً متباينٌ معِ الجَسَدِ على الرُغْمِ مِنِ اختلافِ تعريفِهِ عبْرَ الأزمانِ.
2) ثنائيّةُ العَقْلِ والدِماغِ:
بالنسبةِ لثُنائيّةِ العقلِ والدماغِ، ترى أنَّ العملياتِ العقليّة مطابِقةٌ للعملياتِ الدماغيّةِ، إلّا أنَّ هذا لا يعني مُطابقةَ العقلِ للدماغِ. فمثلاً نحنُ نستخدِمُ مُصطلحاتٍ مثلَ: "لديها فِكرٌ جميل"، أو "إنّها تمتلكُ دماغاُ مُبدِعاً" بشكلٍ متبادلٍ عندَ وصفِ ذكاءِ أو براعةِ أحدِهِم، إلُا أنّهُ يَصعُبُ علينا أنْ نقولَ أنَّ فِكرَها يزنُ كيلو ونصف الكيلو! أيْ أنّنا وفي حياتِنا اليوميّةِ نُطابِقُ العملياتِ الدماغيّةِ مع العملياتِ العقليّةِ لكنّنا لا نُطابِقُ بينهُما فيزيائيّاً!
وقد ترى هذا الكلامَ بديهيّاً إلى حدٍّ ما، لكنْ لنتعمّقَ أكثرَ داخلَ هذه النظريّةِ، لنتناولَ تجربةً مثلَ الإحساسِ بالألمِ، أو تَخَيُّلِ صورةٍ ما، هل هذهِ عملياتٌ عقليّةٌ أم دماغيّة؟
قدْ تكونُ إجابتٌكَ عملياتٍ دماغيّةٍ، في حينِ أنّها بالكادِ ترتبطُ بالدماغِ!
لقد انقسمَ الفلاسِفةُ في تصنيفِهِمْ لنوعِ هذهِ التجاربَ، فبعضُهُمْ اعتبَرَها "حالاتٍ دماغيّةٍ"، وآخرونَ رأوا فيها "تحليلاً سلوكيّاً للحالاتِ العقليّةِ" كالمعتقداتِ والرَغَباتِ.
تعودُ هذهِ النظريّةِ إلى U.T. Place و Herbert Feigl في خمسينيّاتِ القرنِ الماضي، وتبدأُ بأنَّ الدماغَ يُنتِجُ الأفكارَ كما يُنتِجُ الكبدُ الصفراءَ. أمّا رايشنباخ Reichenbach فَيَرى أنَّ الأحداثَ العقليّةَ يمكنُ التعرّفُ عليها منْ خلالِ آليّةِ التنبيهِ والاستجابةِ التي تخضَعُ لها الخليّةُ الضوئيّةُ، حيثُ أنَّ العينَ تتنبّهُ بالضوءِ الموجّهِ إليها عنْ طريقِ الخليّةِ الضوئيّةِ التي تستجيبُ لهذا التنبيهِ فتكوِّنُ سيالةً عصبيّةً الكترونيّةً والتي تنتقلُ إلى الدماغِ، كِلتا الحالتيَنِ، حالتين فيزيائيّتين!
يطرحُ بلاس مثاليَنِ أيضاً: "هذهِ الطاولةُ هي علبةُ التخزينِ القديمةِ"
"البرقُ هو تفريغٌ كهربائيٌّ"
الاعتراضُ الذي يُطرَحُ ضدَّ "الفكرُ هو عمليّةٌ في الدماغِ" لا يختلفُ عنِ الاعتراضِ الذي يُطرَح ضدَّ "الطاولةُ هي علبةُ التخزينِ القديمةِ" أو "البرقُ هو حركةُ الشحناتِ الالكترونيّةِ"
فعلبةُ التخزينِ القديمةِ حوّلتُها إلى طاولةٍ وأستخدمُها اليومَ كطاولةٍ، وكما أراها وأستخدمُها الآنَ هيَ طاولةٌ وليستْ علبةُ تخزينٍ، ولا أقولُ عنها علبةُ التخزينِ!
كذلك بالنسبة للبرقِ، فنحنُ نرى البرقَ وندعوه برقاً، ولا نقولُ عندما تبرقُ السماءُ: انظروا، إنَّ الغيومَ تُفرِغُ شحناتِها الالكترونيّةِ!
نحنُ لا نقولُ عنِ البرقِ أنّهُ الكتروناتٌ إلّا في النظريّاتِ والتجاربَ وحصصِ العلومِ، وبذلكَ تختلفُ الطاولةُ عن علبةُ التخزينِ القديمةِ التي أخرجتُها وتفنَّنْتُ بإصلاحِها واستخدامِها من جديدٍ كما نراها الآن، ويختلف البرقُ عن الالكتروناتِ كما نراه!
وجوديّاً (أونطولوجيّاً Ontologically) لا يُمكِنُنا ترجمةُ جُمَلٍ تحتوي كلماتاً مثلَ "دماغ" أو "إحساس" إلى جُمَلٍ تتعلَّقُ بالالكتروناتِ أو البروتوناتِ!
بالطبعِ بعدَ كلُّ هذا علينا الانتباهَ إلى الفارقِ الزمنيِّ الذي خرجَتْ منه النظريّةُ، حيثُ حينها اعتُبِرَ U.T. Place مُتنبِّئاً بأنَّ البرقَ هوَ تفريغُ شحناتٍ الكترونيّةٍ!