قريباً ربّما.. رقاقات الكترونيّة داخل الدماغ البشري!
الطب >>>> علوم عصبية وطب نفسي
إتقان نمطٍ من قتال الكونفو يحتاج آلاف الساعات من الممارسة، لكنّ بعض الأخبار تلمح إلى إمكانية تسريع تعلم المهارات باستخدام التكنولوجيا، وربما في يومٍ ما -وبوجود تقدم كبيرٍ في عدة مجالات- سيكون ممكناً اكتساب وتعلم مهارةٍ ما بسرعةٍ كبيرةٍ عبر معداتٍ خارجيّةٍ وأُخرى مزروعةٍ جراحياً، ويقول أخصائيّ الأعصاب بجامعة ليثبرج الكندية (بروس ماك نوتن) "هذا المفهوم ليس مُستبعداً تماماً، وأرى أن تتحققوا من هذا خلال بضعة مئاتٍ من السنين"
عمليّة التعلم مملّة، واسألوا أيّ طالب، أو أي رياضي يتدرب للأولمبياد، فتكرار عمليةٍ ما؛ سواء كانت حل المسائل الرياضية أو القفز بالعصى (إحدى الألعاب الأولمبية)، يُغرس تدريجيّاً وببطء في الذاكرة العقلية والعضلية طويلة الأمد.
تشير دراسة نُشرت في العام الماضي إلى كيف يمكن أن تتوسع عمليّة التعليم هذه، ودون حتى أن يكون الـمتعلّم على درايةٍ بها، ولاسم هذه التقنية وَقعٌ لطيف يمزج بين الخيال العلمي والـهوَس التكنولوجي، حيث يسمّيها العلماء: "فكّ تشفير التلقيم العصبيِّ الراجع" !
باستخدام أجهزة تصوير النشاط الدماغيّ، لاحظ الباحثون أنماط النشاط في باحة القشرة الدماغية المسؤولة عن الرؤية لدى المتطوّعين أثناء نظرهم لجوانب شيءٍ معيّنٍ، ولقراءة المزيد عن فك شيفرة الدماغ وقراءة أفكاره هنا هذا الأسلوب قد يمكننا عكسه بحيث يتحوّل في النهاية إلى أُسلوب للتعليم (إضافة الأفكار إلى الدماغ بدلاً من قراءتها منه)،
يقول (تاكيو واتانابي) -بروفيسور علم الأعصاب في جامعة بوسطن- "ليس كما في فلم ماتركس، لكن يمكن تطويره ليكون أداة قويةً جداً قد تستطيع الوصول إلى بعض الجوانب التي عُرضت في الفيلم"
حالياً، تم تجربة هذه التقنية على التعلم بالإدراك الحسّي (التعلّم البصريّ تحديداً)، وسيكون تطبيقها على التعلُّم الحركي (مثل الحركات المتناسقة بين الأطراف والتوازن والتنفس كما في قتال الكونفو مثلاً) تحدياً كبيراً.
ويقول البروفيسور (واتانابي): "قد يستغرق التعلم الحركي وقتاً طويلاً لأنه يتطلب تحسناً في تسلسل الحركات، وفي فلم (ماتركس) يتم نقل المعلومات والمهارات مباشرة إلى الدماغ عبر وسيطٍ مادي، وطريقتنا أفضل من هذه الناحية حيث ليس علينا أن نؤلم دماغ الإنسان" بمعنى آخر؛ هذه التقنية لا تحتاج مأخذاً ضخماً في مؤخّرة الرأس لنقل المعلومات !
هل تذكرون "نيو" من فيلم الماتركس؟
وضعت ضمن أجسام (نيو) وزملائه مآخذ متنوّعة لأنابيب التغذية وحبال الإدخال الحسي الأخرى، والأهم هو المأخذ الكبير في مؤخرة الرأس الذي يصل (نيو) بآلة التعليم، وهكذا حين يوصل المأخذ يبرع (نيو) في قدراتٍ جديدةٍ حالما يشارك في برنامج الواقع الافتراضي لحاسوب الماتركس نفسه..
يقدّم علم الطب اليوم أجهزةً مشابهة (لا زالت أقلّ تقدماً بكثيرٍ) وتسمّى: الوصلات البينيّة بين الدماغ والآلة أوالحاسوب، وقد مكّنت هذه الأجهزة التجريبية الأشخاص المشلولين من استخدام ذراعٍ آليّةٍ عبر التفكير فقط، حيث أن رقاقةً مزروعةً في دماغ الشخص تسجّل النشاط الكهربائي للأعصاب الذي يتحول إلى حركةٍ للذراع الميكانيكية.
التطور الـمستمر لهذه الأنظمة سيساعد بشدة في إعادة التأهيل، وقد يصبح من الممكن التلاعب بالدماغ بشكل بدائي خلال العقود القليلة المقبلة، حتى للقيام بأشياء كاستعادة الأحاسيس البصرية الأوّلية لدى المكفوفين أو قراءة إشارات تحكّم بسيطة إلى الأطراف الصناعية..
قدرة هذه الأجهزة على إدخال وإخراج المعلومات لا ترقى إلى برمجةٍ حقيقيةٍ للمعلومات كما في فلم (ماتركس)، وللوصول إلى ذلك المستوى يحتاج العلماء فهماً أبعد بكثير للأسس الفيزيائية للتذكُّر والتفكير.
يحتوي الدماغ قرابة 100 بليون خليةٍ عصبيةٍ تتّصل ببعضها عبر ترليونات من التقاطعات العصبية التي تُسمّى "نقاط الاشتباك العصبي"، والذاكرة (بجزءٍ منها على الأقل) مكتوبة في التداخلات المتبدلة للأعصاب وربما في البُنى العصبية نفسها، وستتطلب إعادة تشكيل الترابط العصبي لخلايا الدماغ أعلى درجات الدقة على مقاييسٍ غاية في الصِغَر، ويقول (ماك نوتن): "من ناحية المبدأ، من الممكن فك التشفير باستخدام القليل من خلايا الدماغ ويمكن أن يتم تحفيزها، وبالتالي استشعار بعضٍ من أسباب انفعال هذا النظام، لكن مع التكنولوجيا الموجودة اليوم ستتطلب هذه المفاهيم تدخلاً اجتياحيّاً ضخماً داخل الدماغ، يسبب ضرراً حاداً، والرقاقة المزروعة في الدماغ ستُرفض -من خلال الجهاز المناعي للجسم- على أي حال"
وبافتراض أدوية أو أجهزة ذات أغلفة ودودة بيولوجيّاً تستطيع إيقاف هجمات الجهاز المناعي، وأن الرقائق المزروعة يمكن أن توصل مع معدات خارجية لتبدّل انتقائياً بين الخلايا العصبية على المستوى الجزيئي، ولكن تظهر مسألة أساسية أُخرى عمّا إذا ما كانت أدمغة الجميع تتكلم نفس اللغة!
فأنماط النشاط الدماغي التعليمية والمنطقية والذكريات الـمحفوظة قد تختلف بشكلٍ ملحوظٍ بين الأفراد، وفي هذه الحالة فإن أدمغة الناس لن تعمل مثل حواسيب موحدةٍ تستطيع تقبّل برنامج عام عن الكونفو بسهولة.
بغضّ النظر عن كل هذه العقبات، يبقى البروفيسور (واتانابي) متفائلاً، ويعتقد أن العلماء باستخدام تقنيات مماثلةٍ سيتمكنون قريباً من تنمية التعليم لدى الشخص ومحو ذكرياته الصادمة وغير المرغوبة.
المصدر: هنا
حقوق الصورة: Twentieth Century Fox