مراجعة كتاب (ليس للحرب وجه أنثوي): حين تروي نون النسوة الحرب
كتاب >>>> روايات ومقالات
"كثيرون كتبوا، رجال عن الرجال; وهذا ما أدركته على الفور. كلُّ ما نعرفه عن الحرب، نعرفه من خلال "صوت الرجل". نحن جميعاً أسرى تصوُّرات "الرجال" وأحاسيسهم عن الحرب، أسرى كلمات "الرجال". أمَّا النساء فيلذن بالصمت".
فجاء كتابها هذا توثيقًا لبوح النساء اللواتي صمتن مدة أربعين عامًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى جاءت أليكسييفيتش لتجمع اعترافاتهن ومقولاتهن بصفتهن مقاتلات وقناصات ووطيارات وجنديات وممرضات وطباخات.
ففي الحرب يكون المشاركون جميعهم والأطراف بمختلف مواقعهم وجنسهم وأعمارهم مصابون بها ولا وجود لمتعافٍ مهما طالت المدة التي كان له دور فيها أو قَصُرت.
"أفهم الآن عزلة الإنسان العائد من هناك. كما لو أنه من كوكب آخر، أو من العالم الآخر. لديه معرفة لا وجود لها لدى الآخرين، ولا يمكن تحصيلها إلَّا هناك; على مقربة من الموت".
يتألف الكتاب من سبعة عشر فصلًا بعناوين اقتُبِست من بين أفواه النساء في حديثهن عن الحرب، عن الحماس المشتعل في صدورهن للمشاركة في صفوف الجنود ضد الألمان، وعن سعادتهن الغامرة عند وصول الرسائل من أهاليهن وعائلاتهن أو عند ارتداء السراويل الداخلية النسائية الممنوعة مثلًا.
بالإضافة إلى كثيرٍ من الأسرار التي ظلَّت محبوسة في قلوبهن في لحظات الضعف أمام الجرحى أو اعترافات الجنود قبل الموت بدقائق أو قبل إقدامهن على القتل. لتشارك أليكسييفيتش بتعليقات بسيطة بين الأحاديث والأقوال الموثقة جميعها.
وعلى امتداد 430 صفحة من الاعترافات والذكريات، تختلف الانطباعات والمشاعر وقد تختلط أيضًا.
فبين الحقد على أيَّة بادرة من الروتين اليومي للحياة السابقة للحرب "إذا ما سمعت أحداً ما يضحك، لم يكن في استطاعتي مسامحته. كيف يمكن الضحك، كيف يمكن الشعور بفرح لسبب ما، حيث تدور رحى هذه الحرب؟" وبين استغلال دفء اللحظات ومحاولة عيش الحياة السابقة حتى في الحرب "لا يمكنك أن تتصوَّري، كم هو رائع ضِحكَ المرأة في الحرب! يا لجمال صوت المرأة!" غاصت سفيتلانا مع النساء في بحر الذكريات مجردة الجميع من التصورات والمثالية لتنقل حياتهن وتجاربهن الكاملة في أثناء سنين الحرب، وكيف وصلت نيران الحرب بدايةً ثم التحاقهن في صفوف الجنود على الرغم من رَفْض أهاليهن، وكيف تلقين خبر الانتصار الأخير وانتهاء الحرب، ومن ثم العيش مع الذكريات القاسية للحرب فيما تبقى لهن من حياتهن.
عند قراءتك لكتاب (ليس للحرب وجه أنثوي) سوف تعيش في التجارب المحكية كلها، وستجرب معاناة الحرب كممرضة تأهبت لتسعف الجرحى بعد معركة حامية الوطيس فكان الجميع قتلى في الميدان، وستشتاق إلى أفراد أسرتك وأولادك كقناصة جلست نصف يوم بين الثلوج والبرد القارس لتحمي كتيبتها، كما أنك قد تبكي كجندية رقَّ قلبها لطفل ألماني بعد دخول السرية لمدينته وستطعمه حصتها من الطعام.
إنَّها الحرب وما يحدث في سراديبها وميادينها ومدافنها وذكرياتها.
فحكايا هذا الكتاب تُلخص وتُفصل في الوقت ذاته الصوتَ الأنثوي للحرب، لإثبات أنَّه وعلى الرغم من نقل قصص النساء ولكن؛ لا وجه لطيف أو جميل أو أنثوي للحرب، بل على العكس تمامًا.
ومن الجدير بالذكر أنَّ كتاب (ليس للحرب وجه أنثوي) فاز بجائزة نوبل عام 2015 عن فئة الأدب النثري غير الخيالي، وتُرجم بعدها إلى 26 لغة مختلفة (1)، لتكون سفيتلانا أول بيلاروسية تفوز بهذه الجائزة، وتُضاف أعمالها البارزة بعدها مثل (فتيان الزنك) و(صلاة تشرنوبل) و(آخر الشهود) لسيرتها الحافلة.
معلومات الكتاب:
أليكسييفيتش، سفيتلانا.(2016). ليس للحرب وجه أنثوي. ترجمة: د.نزار عيون السواد. (ط1). سوريا-دمشق: دار مدروح عدوان للنشر والتوزيع. عدد الصفحات 430 صفحة.
المصادر:
[1] هنا