قراءة في كتاب (حياة الكتابة): التعمُّق في عوالم الروائيين الجزء الأول
كتاب >>>> اكتب تكن
ونحن قد اخترنا لكم بعض هذه المقالات لنطلع عليها ونلمس روح كتابة أولئك الكتَّاب.
يسرد غاليانو عدة قصصٍ أدبية، بعضٌ منها حدث مع قرَّائه وبعضها الآخر جرت معه شخصيًّا، ومن اللافت أنَّ بعض كتبه قد عُوملت بقسوة؛ لتطرُّقه إلى عدد من الأحداث السياسية الشائكة؛ إذ في كتاب (الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية) تعرَّض للرفض بعد نشره مباشرة، وكان ذلك الرفض قاسيًا إلى درجة حرق نسخ من الكتاب.
أما في كتاب (مرايا) الذي خصَّه بعديد من القصص المنسية، وكانت إحداها عن سجينة في أحد المعتقلات الإسبانية في أثناء الفترة الديكتاتورية للجنرال فرانكو -الذي حكم إسبانيا لما يقارب أربعين عامًا- وعلى إثر تلك القصة وصلته رسالة رفض وتهديد من قريبة تلك السجينة؛ إذ عدَّت أنَّ غاليانو يخوض في "سر عائلي".
وفي كتابه (أفواه الزمن) الذي احتوى قصة عن فرقة مسرحية تُقدِّم عرضًا للشاعر الإسباني (فيديريكو غارسيا لوركا) الذي أعدمه الجنرال فرانكو، وقد تغيَّر هذا الرفض العام لنصوص غاليانو ليكون دعمًا شبه ثوري، ومن هنا انطلق اسم غاليانو نحو عالمه في الأدب، فحين انتهوا من العرض المسرحي كان رد الجمهور حينها هو تحوُّل التصفيق من ضرب الأيدي ببعضها إلى خبط الأقدام على الأرض ليصل صداها إلى الشاعر المغدور، وكأنَّها تترجم بـ" فيديريكو، استمع".
وحين سرد غاليانو تلك القصة في إحدى أمسياته في المكسيك كانت المفاجئة حين قابله الجمهور بعد الانتهاء من السرد بالخبط بأقدامهم على الأرض، مرة أخرى " فيديريكو، استمع".
تعزو شافاك دخولها إلى عالم الأدب إلى مرحلة طفولتها، فقد كانت طفلة وحيدة لأمٍّ عازبة تعيش في مجتمع محافظ تطغى عليه السلطة الأبوية، فكانت الكتب مهربًا لوحدتها حين لم تنسجم مع مجتمعها.
"خلف تلك البوابة كان عالم أرض القصص الرائع، حديقة بحريَّة بألوان فاتنة وعناصر استثنائية تتلألأ وتتغير وتتنفَّس، في ذلك المكان الغريب لم تكن الأمور مقيدة بقواعد المجتمع أو بحدود ثقافة الفرد وتقاليده أو بهويته القومية". صفحة (19).
وبسبب انشغال أمها وجدَّتها في العمل خارجًا، كانت الكتب ملجأ لشافاك في وحدتها تلك؛ إذ تقول: "كانت الكتب رفقتي العاقلة، والمجنونة أيضا". صفحة (20). ومن ثم بفضل تشجيع والدتها التي أهدتها أول دفتر لتبدأ الكتابة، كانت البداية في عالم الكتابة عن أحداث وشخوص متخيلة، وحينها -حسب وصف شافاك- كسرت ذلك الحد الفاصل بين عالم الحقيقة والخيال. وكانت تقرأ بنهم ودون تخطيط مسبق، وهكذا حتى نشأت علاقة حب متبادلة بينها وبين أوراق الكتب التي أنقذتها من الضياع، وتقول شافاك أيضًا: "أنقذتني الكتب من الرتابة والغضب والجنون وتدمير الذات".
وبعد أن دخلت المدرسة تعرَّفت إلى تشارلز ديكنز (Charles Dickens 1812-1870) في روايته (قصة مدينتين)، واكتشفت عالمًا آخر أكثر عمقًا ممَّا تعرفه، ومن ثمَّ شرعت في اكتشاف عالم الواقعية السحرية الذي ابتدعه غابرييل غارسيا ماركيز (Gabriel García Márquez 1927-2014).
وتنهي شافاك مقالتها بقولها "إن الكتب هي من غيرتني، ومن أنقذتني، وأنا أعلم في قرارة نفسي أنها ستنقذكم أيضا". صفحة (22).
في المقال الأول له يتحدث باموق عن روايته (متحف البراءة) ويؤكد فيه بأنَّ المتحف والرواية كان كلٌّ منهما سببًا لوجود الآخر؛ إذ إنَّه كان ينوي افتتاح المتحف في يوم نشر الرواية ذاته؛ لتكون الرواية بمثابة (كتالوج) للمتحف، ولمَّا لم تسر الأمور كما يجب، ما كان منه إلا أن أصدر كتابه (براءة الأشياء) بعد افتتاح المعرض، وهو ما جعله الكتالوج الفعلي للمعرض.
ثم يطلعنا باموق على فيلمه الوثائقي (براءة الذكريات) الذي صور حول متحف البراءة.
بدأت الحكاية عندما زار (جرانت جي) باموق في إسطنبول وأظهر اهتمامًا بمتحفه فما كان منه إلا أن يصحبه لزيارة المتحف، واقتصر دور الكاتب في الجانب الإبداعي من الفيلم وهو المتحف بحد ذاته والسيناريو.
وفي أثناء تصوير الفيلم يتعرَّف باموق إلى المدينة (إسطنبول) مجددًا، ويمشي في أزقتها ويدخل المقاهي بعيون من يراها لأول مرة "نبع هذا الفيلم في معظمه من تجولي في إسطنبول، خلال النص الثاني من التسعينيات، قمت بتمشيط شوارع وسط المدينة وأحيائها بحثا عن مبنى أستطيع تحمل نفقات شرائه، ويكون مناسبا ليعيش فيه أبطال قصتي العاطفية الخيالية، مبنى من شأنه أن يصبح لاحقا متحفا".
تبدأ الكاتبة مقالتها الأولى بسؤال "ما الواقعية؟" وحول أسئلة القرَّاء التي تواجهها عن نسبة الحقيقي والمُتخيَّل في كتاباتها، فتخلص إلى نتيجة تقول بها: "ربما علينا ببساطة أن نبقي على الحقيقة المتخيلة".
وتؤكد الليندي أنَّ الحبكة الجيدة مهمة بالطبع، ولكنَّ الهدف الأساسي للكاتب يبقى سردَ القصة
"يعاني الكاتب أولا وأخيرا من حاجته -غير المتحكم بها- إلى سرد القصة، ولا شيء أكثر من ذلك، صدقوني".
ثم تنتقل إلى الإجابة عن سؤال صعب، وهو (كيف أصبحت كاتبة؟).
بدايةً تعدُّ بأنَّ اللغة عنصر مهم للكاتب، فهي تعيش في كاليفورنيا وتتقن الإنكليزية، ولكنَّها لا تكتب إلا باللغة الإسبانية، ثم تكمل لتستوفي الإجابة عن السؤال، وتحوِّل المقالة لما يشبه مذكراتها منذ أن ولدت إلى تاريخ الكتابة، ويتبين من ذلك أنَّ كثيرًا من الأحداث التي عايشتها كانت سببًا لوجود كتبها، فعلى سبيل المثال؛ والدها الذي هجر عائلتها قبيل بلوغها الثالثة من العمر كان سببًا في مَنَعِها من الكتابة عن الآباء في قصصها.
"هناك الكثير من الأطفال الذين تخلى عنهم آباؤهم في كتاباتي إلى درجة تمكنني من إنشاء دار للأيتام".
دخلت الروائية إيزابيل عالم الكتابة من عملها صحفيةً، ولكنَّ طموحها بصفتها كاتبةً كان أمرًا غريبًا لإمرأة في ذلك الوقت وفي بلدها على وجه الخصوص، فركزت جهودها على مناصرة المرأة، ولكنَّها لم تبدأ بكتابها الأول إلا في الأربعين من عمرها، وكان المنفى هو ما أيقظ تلك الرغبة في الكتابة بعد سقوط الحكم في تشيلي ولجوئها إلى فنزويلا.
"أعتقد أني ما كان لي أن أصبح كاتبة لولا إني أجبرت على ترك كل شيء ورائي والبدء من جديد، لقد أعطاني الأدب في المنفى صوتا. أنقذ ذكرياتي من لعنة النسيان ومكنني من خلق عالمي الخاص".
وبعد المنفى علمتْ بأنَّ جدها يحتضر، فبدأت بكتابة رسالة بكلمات غريبة وأكملت بالكتابة أيامًا، فلم يعد ما تكتبه يشبه الرسالة بل نما إلى خمسمئة صفحة وكانت روايتها الأولى (بيت الأرواح)، وبعد ذلك أصدرت رواية (الحرب والظلال)، ومن ثم رواية (إيفالونا) وتبعتها برواية (حكايات إيفالونا).
وحياتها الشخصية كانت عاملًا مهمًّا، وخاصةً بعد طلاقها وزواجها مرة أخرى من محامٍ أمريكي جعلت من حياة زوجها الجديد مادة دسمة لرواية جديدة (الخطة اللانهائية). وكانت وفاة ابنتها باولا نتيجة إهمال طبي حدثًا مؤلمًا، ولكنَّ الأدب كان كفيلًا بإنقاذها مرةً أخرى.
"بعد وفاة باولا، كانت الكتابة هي الشيء الوحيد الذي أبقى عليَّ سليمة العقل".
وبعد عامٍ انتهت من كتابها، وهو مجموعة مذكرات، ولكنَّها لم تخرجه إخراجًا مأساويًّا؛ بل جعلت منه احتفالًا بالحياة.
معلومات الكتاب:
مجموعة مؤلفين.(2018). حياة الكتابة. إعداد وترجمة: الزماي، عبد الله. (ط1). تونس، مسكيلياني. عدد الصفحات: 130