الحوت الأزرق.
الطبيعة والعلوم البيئية >>>> عجائب الأحياء
يتميَّز الحوت الأزرق بجسمٍ انسيابيٍّ طويل ونحيفٍ عموماً، ويتلوَّن باللون الأزرق الرماديّ المنقَّط وما يلبثُ أن يبدو بلونٍ أزرق فاتح تحت الماء؛ الأمر الذي سبَّبَ تسميته بالحوتِ الأزرق، علماً أنّ نمط التنقيط قد يسهم في تصنيفِ الأفراد وتمييزهم (2).
تعيش الحيتان الزرقاء في جميع محيطات العالم باستثناء القطب الشمالي، وتسبحُ في بعض الأحيان في مجموعاتٍ صغيرة أو بمفردها. وتشير بعض الدراسات أن لأسلاف الحيتان الزرقاء أرجلاً فمشت على الأرض سابقاً، ولكنها غامرت في الماء بحثاً عن الطعام. وعلى مدى أجيالٍ عديدة طورت هذه الكائنات تكيفاتٍ مناسبة للعيش في الماء على نحو كامل، مثل امتلاكها الزعانف والدهون والفتحات التنفسية (1).
تسبحُ بعضُ أفراد الحيتان برفع ذيلها عند الغوص؛ إذ يرفع الحوت طرفَي ذيله عالياً في الهواء عند كل غوصة في الماء وذلك عندما يكون في حالة جيدة، وقد لا يرفع ذيله أبداً ويغوص على نحو أسرع من المعتاد عندما يكون مُستاءً (3).
وعلى الرغم من غموض السجل الأحفوريّ؛ فإن بعض الأبحاثَ تشيرُ إلى فقدان بعضِ الحيتان أسنانها وتطويرها بنية بديلة للتغذية تدعى البالين (Baleen)؛ وهي صفائح رقيقة شبه صلبة تنمو من أعلى فم الحوت نحوَ الأسفل. تصطف هذه الصفائح بشكلٍ وثيق بعضها مع بعض، وهي مُكوّنةٌ من بروتين الكيراتين (keratin)، تشبه الصفائح البالينية في عملها عملَ المصفاة في ترشيح الماء الذي تمتصُّه عبر فمها، وتصفيته من فرائسها في أفواهها، وقد تُقدَّر كمية الطاقة في المغذيات التي يلتقطها الحوت الأزرق في جرعةٍ واحدة من الماء قرابة نصف مليون سعرة حرارية؛ إذ يحمل جلدُ الحيتان البالينية طياتٍ أو أخاديد؛ مما يسمح لأفواهها بالتمدد لابتلاعِ كمياتٍ أكبر من الماء قد تزنُ وزن الحوت نفسه في أثناء عملية التغذية. وتتغذى الحيتان الزرقاء على نحو شبه رئيس على العوالق من القشريات، وبعد بحث الحيتان عن كميات كبيرة من فريستها الصغيرة؛ تبتلعها في كمية كبيرة من الماء؛ إذ تدفعُ الحيتان المياه إلى الخارج عبرَ مرشِّح البالين الذي يمسك بالقشريات العالقة(1).
تهاجرُ الحيتانُ الزرقاء عموماً موسمياً بين مناطق التغذية الصيفية ومناطق التكاثر الشتوي وفق مساراتٍ غير معروفة جيّداً؛ إذ يعتمد ذلك على الاحتياجات الغذائية للحصولُ على أكبر كميّةٍ من القشريّات الصغيرة (2).
تعدُّ هذه الحيتان من أطول الحيوانات عمراً على وجه الأرض، إذ يُقدَّر متوسط عمرها بين 80 إلى 90 سنة، وقد يعود أحد أسباب قدرة الحيتان الزرقاء على العيش فترة طويلة إلى افتقارها إلى المفترسات، علماً أنّ صغر حجم الحيتان الزرقاء الوليدة قد يُعرِّضها لخطر الافتراس من دلافين الـ (Orca) من حينٍ إلى آخر، في حين تحول ضخامة الحيتان البالغة دون افتراسها، فتقف حيوانات المحيطات على الحياد وتتخذُ موقفاً بريئاً تجاهها(1).
يمكن لأفراد الحيتان الزرقاء أن تتواصل مع بعضها من مسافاتٍ طويلة من خلال موجاتٍ صوتية عالية خارج نطاق السمع البشري في معظمها. ولا يزال يحاول العلماء التعرف إلى طبيعة نداءات الحيتان ودورها في عملية التزاوج، ولكن الأمر المؤكّد هو تأثُّر هذه الاتصالات بضجيج الوسط المحيط؛ إذ تضطر الحيتان لاستهلاكِ طاقة أكبر للتواصل مع قرائنها كلما ازداد الضجيج من حولها، إضافةً إلى احتمال تشويه المعلومات الواردة في هذه الاتصالات(1).
تحدث عمليات التزاوج والولادة في فصل الشتاء، لكن يمكن أن تكون فترة الحضانة في مناطق التغذية الصيفية أو في طريقها إليها (1)، تضعُ أُمهات الحيتان الزرقاء مولوداً واحداً عادةً، يبلغُ طولُه من 6 إلى 7 أمتار، ويزن قرابة 2700 كيلوغرام، وتستمرُّ حضانةُ الحوت المولود من 6 إلى 8 أشهر، وتبقى الحيتان المولودة مع أُمهاتها حتى بلوغها عمر سنتين إلى ثلاث سنوات (1).
تصل الحيتان الزرقاء إلى مرحلة النضج الجنسي في عمر 5 و15 سنة، ويُقدَّر طول الإناث عند النضج الجنسي في نصف الكرة الشمالي بـ 21-23م، وبـ 23-24م في نصف الكرة الجنوبي. في حين قد يصل طول الذكور عند النضج الجنسي إلى 20-21م في نصف الكرة الشمالي و22م في نصف الكرة الجنوبي (3).
يُقدَّر العدد الموجود من هذه الحيتان بين 10000 إلى 18000 حوت في أنحاء العالم، إلا أنه يصعب على الخبراء تحديد نسبة أدقّ لانتشارها بسبب عبورها أجزاء شاسعة من المحيط؛ مما يجعلها صعبة التتبُّع (1)، وصُنِّفت ضمن اللائحة الحمراء للأنواع المُهدَّدة بالانقراض لأسبابٍ عدة لم تقتصر فقط على صيد الحيتان التجاري بوصفه مهدِّداً رئيساً كما كان من قبل، وخصوصاً بعد أن مُنِعَ في العديدِ من دولِ العالم، وإنما أصبح تغيّر المناخ والتلوث والضجيج الناتج عن نشاط الإنسان وحركة النقل البحري أيضاً من المهدِّدات الرئيسة (1).
إذ يودي اصطدامُ الحيتانِ بالسفن والمعدّات البحرية بحياتها، ويؤثر الضجيج الناتج عن النشاط البشري في تواصل الحيتان؛ وبذلك في تزاوجها، إضافةً إلى تأثُّر غذائها بتغيُّر المناخ الممثَّل بالاحتباس الحراري وزيادة حموضة المحيطات.
وعلى الرغم من كون الحيتان الزرقاء مخلوقات عملاقة، إلا أنها تُجيد الاختباء عن البشر؛ إذ يصعُب اللحاق بها وإن حُدِّد مكانها، حيث تستطيع وبتكرار الغوصَ تحت الماء وحبسَ أنفاسِها مدة 20 دقيقة والاحتفاظ بالأوكسجين في رئتيها والسباحة مسافات طويلة في الوقت نفسه(1)، لتقترب بعدها من سطح الماء نافثةً هواء الزفير مع الماء المتجمِّع حول الثقوب التنفسية على هيئة رذاذٍ أو ضبابٍ يُسمَّى بالنّافورة؛ ممّا قد يُفسِّر حركتها المستمرَّة وظهور جزءٍ من سطحها الظهريِّ فوق سطح الماء في أثناء التنفُّس، فلا يُمكن لهذه الحيوانات التنفُّس بأمان إلَّا عندما تكون ثقوب تنفُّسها مُرتفعةً فوق سطح البحر (4).
وعلى الرغم من العديد من الدراسات التي أُجريت على هذه الحيتان؛ يتوقّع بعض الباحثين الحاجة إلى جيلين أو ثلاثة أجيال من البيولوجيين قبلَ الوصول إلى فهمٍ جيِّد لسلوكِ الحيتان الزرقاء وتفاعلاتها الاجتماعية (1).
ولكن هل نضمنُ استمرار بقاءِ هذه الحيتان عقوداً حتى نستطيعَ اكتشافها اكتشافاً كاملاً؟
أم ستكونُ التغيراتُ المناخية أسرعَ ممَا نتوقع وتؤدي إلى انقراض هذه الكائنات المميزة؟
وما دورنا نحن البشر في إيقاف هذا التدهور المناخي والحفاظ على الحياة من حولنا؟
المصادر:
2- NOAA. 2020. Blue Whale. [online] Available at: هنا [Accessed 8 April 2020].
3- Perrin W, Wursig B, Thewissen J. Encyclopedia of marine mammals. London: Academic; 2009. هنا
4- Zagzebski K. How Do Whales Breathe? | National Marine Life Center [Internet]. Nmlc.org. 2020 [cited 1 June 2020]. Available from: هنا