البكتريا في الفضاء
البيولوجيا والتطوّر >>>> الأحياء الدقيقة
في الحقيقة إنَّ أحد أهداف هذا العلم هو تقصي وجود أثر للحياة خارج حدود كوكبنا الأزرق، ولكنَّه في الوقت الراهن يُعنَى بدراسة التغيرات التي تطرأ على الكائنات الدقيقة الأرضية في ظروف الفضاء، بالإضافة إلى مراقبة فلورا (الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في أجسام البشر الأصحَّاء طبيعياً وتتعايش معها) رواد الفضاء (2)، فلا يجب أن ننسى بأنَّ رواد الفضاء لا يسافرون بمفردهم، فالفرد السليم يحمل تريليونات من هذه الكائنات على جسمه وداخله، حتى إنَّ عددها يفوق عدد خلايانا البشرية وفق تقديرات الباحثين، ومنها الفلورا الطبيعية، ومنها الجراثيم الانتهازية الممرضة التي تنتظر حدوث خلل في المناعة؛ لتسبب المرض، ما يقلق رواد الفضاء؛ إذ تشير الدراسات إلى أثر الرحلات الفضائية المضعِف للمناعة، ولذلك ولعديد من الأسباب الأخرى فإنَّ من المهم فَهْم التغيرات التي تطرأ على هذه الكائنات المجهرية في ظروف الرحلات الفضائية (1).
بدأ هذا النوع من الدراسات في الكائنات الدقيقة مع إطلاق المركبة الروسية سبوتنيك 2 (Sputnik 2) عام 1958؛ بغرض دراسة تأثير ظروف الفضاء (انعدام الوزن، والإشعاع وغيرها) في الكائنات الحية ولاختبار جهوزية أنظمة دعم الحياة وفعاليتها في هذه المركبات قبل استخدامها لنقل البشر، ثم بدأت تتوالى الأبحاث التي خلصت إلى عديد من النتائج، ومنها زيادة فوعة (القدرة الإمراضية) بعض الجراثيم، وانخفاض تأثرها بالصادات الحيوية مقارنة بزرعات من السلالة نفسها في الظروف الأرضية (2).
وفي دراسة حديثة، أُرسلَت عينة من جراثيم الإشريكية القولونية Escherichia coli إلى محطة الفضاء الدولية (International Space Station) (ISS)، إذ زُرعَت في طبق بتري (Petri dish) لدراستها.
لم يلحظ الباحثون فارقاً يعتدُّ به إحصائياً (غير ذي دلالة) في عدد الخلايا الإبتدائي بين العينات المزروعة في الأرض وتلك التي نُمِّيَت في محطة الفضاء الدولية، بينما أشار تعداد الخلايا النهائي إلى زيادة بمقدار 13 ضعفاً في عدد البكتيريا المزروعة في الفضاء مقارنةً مع العينات المزروعة في الأرض، بينما شكل متوسط حجم الخلايا المزروعة في الفضاء قرابة 37% من حجم تلك المزروعة على الأرض، في حين لاحظ باحثون آخرون تطاول خلايا جراثيم Burkholderia cepacia في الفضاء مقارنةً مع مثيلاتها بالأرض، وآخرون لم يلحظوا أي فرق بين حجم خلايا جراثيم Salmonella typhimurium وشكلها في الفضاء مقارنةً مع العينات الأرضية؛ مما يشير إلى اختلاف تأثر الجراثيم المختلفة بظروف الفضاء (1).
والتغير الثاني الذي لاحظه الباحثون زيادةُ ثخانة غلاف الخلية cell envelope (الغشاء الخلوي والجدار الخلوي والغشاء الخارجي معاً ) لبكتيريا E. coli بقرابة 25 -43% من ثخانته الأصلية؛ ممَّا قد يكون السبب في زيادة مقاومة الجراثيم للصادات الحيوية الذي لاحظه الباحثون أيضاً، ولاحظ الباحثون تجمُّع الجراثيم المزروعة في المحطة عكس تلك المزروعة في الأرض (1).
وقد يتساءل البعض: بمَ أفادتنا هذه الدراسات وغيرها؟
في الحقيقة، تُشكِّل الجراثيم جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، ونستفيد من بعضها، ونتخوف من بعضها الآخر.
ولذلك وبناءً على مثل هذه الدراسات، قدَّم الباحثون عديداً من الاقتراحات التي أُخذَ بعضها، ففي عام 1970 اقترحت ناسا NASA الاستفادة من تغيُّر خصائص البكتيريا في الفضاء في مجال الصناعة الدوائية، وتبين لاحقاً عن طريق الدراسات أنَّ ظروف الفضاء تساهم في زيادة إفراز البكتيريا للصادات الحيوية والفطرية وغيرها بنسبة الضعف أو أكثر بقليل أحياناً.
وفي مجال آخر، اتَّجه الباحثون إلى تعديل وإضافة بعض المواد؛ (كالفضة المعروفة بخواصها المضادة للبكتيريا) في صناعة مركبات الفضاء لتضمن نمواً أقل للجراثيم على السطوح الداخلية للمركبات والحفاظ على مستوى عقامة أفضل، وحماية المركبة من التآكل بسبب البكتيريا (3).
هذا وما يزال هناك عديد من الأهداف التي وضعها الباحثون في هذا المجال نصب أعينهم، ستقودنا ربما إلى فهم أعمق للبكتيريا، وتجاوز عديد من المشكلات المتعلقة بالسفر في الفضاء، ومن يدري فقد تكون مثل هذه الدراسات مفتاحاً لاستصلاح كوكبٍ ما لتوطين البشر؛ فالبكتيريا أول من سكن كوكبنا الأرض، أليس كذلك؟
هل فكرت يوماً في أثر ظروف الفضاء في البكتيريا؟ إليك بعض ملاحظات الباحثين في هذا المجال..
المصادر: